لبنان، الفراغ الرئاسي، وبطل الفيلم الوحيد

لبنان، الفراغ الرئاسي، وبطل الفيلم الوحيد

تخيّل لو أن الرئيس اللبناني ميشال عون كان هو الذي أطلق التهديد القائل “إذا كان الهدف منع لبنان من استخراج النفط والغاز فلن يتمكن أحد من استخراجه أو بيعه مهما كانت العواقب”. اللبنانيون بأجمعهم كانوا سيصطفون معه. وإسرائيل سوف تسمع، والمنطقة برمتها سوف تأخذ علما بأن حقوق لبنان في حقول الغاز في مياهه الإقليمية يجب أن تُحترم، وتسوية النزاع نفسها سوف تكون أقرب إلى الواقع من الوضع الراهن.

ما حصل هو أن تاجر المخدرات الكبير في لبنان حسن نصرالله، هو الذي أطلق التهديد، وذلك لسببين بسيطين تماما.

الأول، لأنه يريد أن يلعب دور “البطل”، وهذا فيلم طويل تتغير فيه أدوار “سيد المقاومة” ولكن لا تتغير البطولة التي تتيح لصورته أن تظهر في كل “الأفيشات”.

والثاني، لأن لبنان منذ 25 مايو 2014 إلى يومنا هذا بلا رئيس. هناك “خيال مآته” يدعى ميشال عون في قصر بعبدا، يلعب دورا في ذلك الفيلم، إلا أنه ليس دور الرئيس. الرئيس، والبطل، هو حسن نصرالله. وهذا الأخير جاء بعون إلى السلطة، فقط من أجل أن يُملي عليه، ومن أجل أن يجعله “خردة” بين يديه، ويضمن ألا تمتد يده إلى “الدولة الموازية” التي يقودها حزب الله في لبنان. وأهم من كل ذلك، أن يترك له أدوار البطولة التي ترفع أسهمه في بورصة إيران.

لبنان.. أمام خيارين. إما أن يبقى بلا رئيس. وإما أن يكون له رئيس لا يؤدي دوره كرئيس

يجب ألا تنسى أن حسن نصرالله ليس من دون منافسين داخل حزبه أو طائفته. عملاء إيران كثيرون. كما يجب ألا تنسى أن رضا قيادة الحرس الثوري ورضا وليه الفقيه، يعتمد بالدرجة الأولى، على مقدار ما تحققه أدوار البطولة تلك في “شباك التذاكر” السياسية. ولهذا السبب، فإنه ليس في وارد أن يترك أيّ فرصة تفوته، أو أن يسمح لأيّ أحد أن يظهر بمظهر “المقاوم” القادر على كل شيء، والذي لا يخاف من أيّ شيء. وتاليا، الذي لا يعلو على صوته أيّ صوت. وأن يظهر بمظهر البطل.

لا تهم النتائج. فقد تؤدي تلك الأدوار إلى إلحاق الضرر بلبنان ومصالح شعبه. إلا أن هذه المصالح ليست هي المقياس. المقياس هو الفيلم وشباك التذاكر.

وجود رئيس في لبنان، يمارس دوره كرئيس يرعى مصالح لبنان، سوف يؤذن بنهاية عهد “البطولة المطلقة”. وما لم يكن هناك رئيس “خردة” آخر يحلّ محل عون، فلن يكون هناك رئيس. هذا هو أصل الشعار الذي يجري طبخه الآن، والقائل: “إما سليمان فرنجية، أو لا أحد”. وهو الشعار نفسه الذي جاء بعون إلى السلطة.

دام الفراغ الرئاسي بعد نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان سنتين ونصف السنة، وظل البطل الأوحد يقول “إما ميشال عون، أو لا أحد”. ولقد أتت السنوات الست الماضية أُكلها كما يجب: انهار لبنان. جلس مصرفه المركزي على حافة الإفلاس. وتم تدمير مرفئه الرئيسي. وأصاب الفقر 90 في المئة من مجموع السكان، ولم تبق في البلاد كهرباء، ولا خدمات. وبقي بطل فيلم الدجل بطلا على حساب كل بيت في لبنان، وعلى حساب كل طفل.

هو الذي يدافع عن مصالح لبنان، وليس الرئيس. لأن البلاد بلا رئيس. ولأنه لا يريد لها أن تحظى برئيس يلعب دوره كرئيس. هذه هي أفضل وأصدق خلاصة يمكن التوصل إليها من النظر إلى الواقع القائم منذ العام 2014. سنتان ونصف السنة من الفراغ الرئاسي، تلتها ست سنوات من الفراغ الرئاسي، رغم وجود شبح يدعى ميشال عون تتجول ظلاله بين غرف القصر وجدرانه.

يدير سيد الرئاسات كلها، حوارا الآن بين غريمين هما سليمان فرنجية وجبران باسيل، لتغطية الخدعة بأنه يظهر على الحياد بين حليفين له، ولكن الكل يفهم أنه يريد من الثاني أن يتنازل للأول.

يريد حسن نصرالله رئيسا من جماعة “8 آذار”، التحالف الذي نشأ في العام 2005 بقيادة حزب الله بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان. بما أن الرئيس، بموجب التوزيع الطائفي للسلطات، يجب أن يكون مسيحيا مارونيا، فلا خيار إلا بين هذين الاثنين من حلفائه، الأول، يتزعم تيار “المردة”، والثاني يتزعم “التيار الوطني الحر”.

تنصيب الرئيس يحتاج إلى جلسة برلمان يتألف نصابها من ثلثي أعضائه. هذه النسبة ما كانت لتتوفر لتكليف عون، لولا خطيئة سعد الحريري، التي أقر بها متأخرا. ولكنها، بعد تلك الخطيئة، قد لا تتوفر هذه المرة. فالبرلمان ينقسم إلى نصفين، ولا غلبه فيه لأحد، ولن يمكن جمع نصاب الثلثين.

أطراف المعارضة تسعى لحشد قوتها، إن لم يكن للاتفاق على اسم من خارج دائرة نفوذ حزب الله، فعلى الأقل لمنع انعقاد الجلسة الأولى التي تتطلب حضور الثلثين، لأن الثانية يكفيها النصف زائد واحد

أطراف المعارضة تسعى لحشد قوتها، إن لم يكن للاتفاق على اسم من خارج دائرة نفوذ حزب الله، فعلى الأقل لمنع انعقاد الجلسة الأولى التي تتطلب حضور الثلثين، لأن الثانية يكفيها النصف زائد واحد.

لبنان، على هذا الأساس، أمام خيارين. إما أن يبقى بلا رئيس. وإما أن يكون له رئيس لا يؤدي دوره كرئيس.

سوف يتكفل بطل الفيلم بكل الباقي. فقط، اجلس على مقعد المشاهدين لكي ترى إلى أين يذهب لبنان.

الرئيس الخردة، وعد اللبنانيين، بوحي من زلات اللسان، بأنهم ذاهبون إلى جهنم ما لم يتم تشكيل حكومة تخوض غمار السعي لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتقديم حزمة إنقاذ.

وجهنم جاءت. بقي أن نعرف في أيّ درك يقف اللبنانيون الآن.

الذين انتظروا الانتخابات النيابية اكتشفوا أنها لم تأتهم بحل. والرئيس الذي عرقل مساعي سعد الحريري لتشكيل حكومة الإنقاذ، عاد ليعرقل مساعي نجيب ميقاتي، لأجل أن يترك البلاد، بلا حكومة وبلا رئيس، بحلول أكتوبر المقبل.

سوف تسأل، لماذا؟ أو كيف يمكن لأيّ صاحب ضمير أن يترك بلاده نهبا للفقر والفوضى على هذا النحو؟ أو ما هو الدرك الأسفل الذي ينتظره اللبنانيون من فراغين، حكومي ورئاسي؟

الجواب: لا تقلق. بطل الفيلم موجود. هو الحكومة وهو الرئيس. وهو الاقتصاد، ولا حاجة أصلا لصندوق النقد الدولي.

أولا، توجد مخدرات وتبييض أموال وأعمال تهريب تكفي لتغذية اقتصاد الدولة الموازية وإطعام الطائفة الحاضنة له.

وثانيا، يوجد حقل نفط وغاز في المياه الإقليمية، “وما لم يستفد لبنان منه، فلن يستفيد أحد”.

لا داعي للمقارنة. صحيح أن إسرائيل لا تنتظر بيع الغاز لكي تعيش. إلا أن لبنان يستطيع أن يصبر لينتظر النهايات السعيدة في آخر الفيلم.

العرب