كشفت تصريحات لوزير الخارجية السعودي عن عدم وجود توجه لدى المملكة لضخ المزيد من النفط، بإشارته إلى أن في الأسواق العالمية ما يكفي من المعروض وهو ما يتناقض والرغبة الأميركية التي قادت الرئيس جو بايدن إلى زيارة السعودية.
طوكيو – قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الثلاثاء إنه لا يرى نقصا في النفط بالسوق حتى يجري تعويضه، ما ينسف تطلعات أميركية لقيام المملكة وباقي المنتجين الرئيسيين بضخ المزيد من “الذهب الأسود” في السوق، للضغط على الأسعار.
وتكشف تصريحات وزير الخارجية السعودي بين طياتها أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي إلى المنطقة لم تنجح في تحقيق الهدف الرئيسي لها وهو إقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط.
وشهدت أسعار النفط ارتفاعا لافتا في الأسواق العالمية مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير الماضي، قبل أن تتراجع نسبيا لكن ليس بالقدر الكافي ما أثر بشكل كبير على اقتصاديات دول العالم ولاسيما الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تشهدان معدلات تضخم كبيرة تهدد بركود على المديين المتوسط والقريب.
وتحض واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون القوى المنتجة لزيادة الإنتاج على أمل ضبط الأسعار، التي بدأت تبعاتها تؤثر على أوضاعها الداخلية، في ظل مؤشرات عن انحسار التأييد الشعبي في الغرب لدعم أوكرانيا في المواجهة المفتوحة مع روسيا، والمتوقع أن يتسع مع استمرار الحرب.
ويواجه الرئيس الأميركي وحزبه الديمقراطي استحقاقا مصيريا في أكتوبر المقبل، في علاقة بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وفي حال استمرت أزمتا إمدادات الطاقة والغذاء على الصعيد الدولي، فستكون لذلك انعكاسات سلبية على وضع الديمقراطيين، حيث أظهرت نتائج سبر الآراء الأخيرة استياء معظم الولايات الأميركية من أداء بايدن.
الأمير فيصل بن فرحان: روسيا شريك مهمّ لاسيما في ما يتعلق باستقرار سوق النفط
وأوضح وزير الخارجية السعودي للصحافيين في طوكيو “حتى اليوم لا نرى نقصا في النفط في السوق. هناك نقص في طاقة التكرير وهي مشكلة أيضا لذلك نحن بحاجة إلى زيادة الاستثمار في طاقة التكرير”.
وتعرضت طاقة تكرير النفط في العالم إلى ضرر كبير بسبب تداعيات جائحة كورونا، التي أدّت إلى إغلاق العديد من المصافي، وتحول بعضها بعيدا عن تكرير الخام، إلى أنواع وقود نظيفة، وازداد الوضع تعقيدا مع الحرب الروسية والعقوبات المفروضة على موسكو التي أثرت على الإمدادات العالمية.
وردا على سؤال حول علاقات المملكة مع موسكو، قال الأمير فيصل إن روسيا تبقى شريكا مهمّا لاسيما في ما يتعلق باستقرار سوق النفط. وأضاف وزير الخارجية السعودي “روسيا جزء لا يتجزأ من أوبك+ ودون التعاون في أوبك+ كتجمع سيكون من المستحيل ضمان إمدادات كافية من النفط للأسواق العالمية”.
وأظهرت السعودية حرصا على الحفاظ على تحالف أوبك+ الأمر الذي شكل إزعاجا للولايات المتحدة، وكانت واشنطن تأمل في أن تقود زيارة بايدن إلى زعزعة هذا التحالف، لكن المواقف التي صدرت عن بن فرحان تشي بأن الرياض ليست في وارد التخلي عن أوبك بلس الذي عملت لسنوات على تشكيله لضمان السيطرة على السوق النفطية.
وتأتي تصريحات بن فرحان بعد أن قال البيت الأبيض إنه يتوقع ضخ تحالف “أوبك+” المزيد من النفط خلال الأسبوعين المقبلين. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير في مؤتمر صحافي مساء الاثنين إن واشنطن تتوقع زيادة في الإنتاج لكنها أشارت إلى أن الأمر متروك في النهاية لأعضاء “أوبك+”، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية “ستقيس نجاح الأمر خلال الأسبوعين المقبلين”.
ومن المقرر أن يجتمع وزراء النفط في التحالف الذي تقوده الرياض وموسكو جنبا إلى جنب مع أبوظبي في الثالث من أغسطس المقبل، لتحديد سير الإنتاج خلال الفترة المقبلة.
وكان تحالف أوبك بلس زاد في يونيو الماضي الإنتاج اليومي خلال شهري يوليو وأغسطس بمعدل 648 ألف برميل، ارتفاعا من 432 ألفا كان قد أعلنها في مايو، في خطوة وصفها الرئيس بايدن بالإيجابية. ومن غير المرجح أن تحصل زيادة جديدة وإن تمت ستكون بشكل طفيف، الأمر الذي لن يغير المعادلة القائمة حاليا في أسواق الطاقة.
◙ وزراء النفط في التحالف الذي تقوده الرياض وموسكو من المقرر أن يجتمعوا جنبا إلى جنب مع أبوظبي في الثالث من أغسطس المقبل لتحديد سير الإنتاج خلال الفترة المقبلة
ويقول خبراء إن الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية السعودي لناحية عدم توجه المملكة لضخ المزيد من النفط ليس بالمستغرب، ليس فقط لجهة أن السعودية تريد الحفاظ على الأسعار الحالية التي تخدم مصالحها الاقتصادية وتجعلها قادرة على الإفلات من تبعات التضخم الذي تشهده دول العالم، بل وأيضا هي ليس في وسعها أن تضخ كميات كبيرة.
وأعلنت شركة النفط الحكومية “أرامكو” السعودية في بيان نشرته وكالة “رويترز” في وقت سابق من الشهر الحالي، أن الشركة تحتفظ بقدرة قصوى مستدامة للنفط الخام تبلغ 12 مليون برميل يوميا ورفعت الإنتاج إلى هذا المستوى قبل عامين. واستنادا إلى إنتاج السعودية في يونيو، البالغ 10.65 مليون برميل يوميا فإن ذلك يترك 1.35 مليون برميل يوميا إضافية يمكن إنتاجها.
وقال ولي العهد السعودي خلال القمة العربية – الأميركية التي عقدت السبت الماضي في جدة، إن الرياض أعلنت أنها سترفع طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2027 و”بعد ذلك لن يكون لدى المملكة أي قدرة أخرى على زيادة الإنتاج”.
وتساءل مصدران في الصناعة مؤخرا عما إذا كان من الممكن الوصول إلى 12 مليون برميل يوميا. وقال مصدر رفيع لرويترز إن “أرامكو” قد تضخ مليون برميل يوميا أخرى، بالإضافة إلى نحو 10.5 مليون برميل يوميا كانت تنتجها آنذاك، مما يعني أن الإنتاج لا يمكن أن يتجاوز 11.5 مليون برميل يوميا.
وأوضح مصدر آخر، نقلا عن معلومات من محادثات خاصة مع المطلعين على الأمر، أن “أرامكو” لا يمكنها ضخ أكثر من 11 مليون برميل يوميا دون الاعتماد على المخزون. وسُمِع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يقول لنظيره الأميركي في يونيو الماضي على هامش قمة مجموعة السبع التي عقدت في ألمانيا، إن السعودية لديها قدرة إضافية ضئيلة جدا لزيادة الإنتاج.
العرب