انتقلت الأزمة العراقية إلى الشارع بعد استعراض زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر قوته الشعبية، أمس الأول الأربعاء، باقتحام المنطقة الخضراء وسط بغداد والسيطرة على مبنى البرلمان فيها، رفضاً لمرشح “الإطار التنسيقي” لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني. هذا الواقع المتأزم يثير مخاوف من احتكاك بين الصدريين و”الإطار التنسيقي”، الذي يمثل المعسكر الحليف لإيران وترتبط بكتله السياسية فصائل مسلحة، خصوصاً أن التصريحات من الجانبين كانت تؤكد المنحى التصعيدي.
وإزاء تطورات الأربعاء، باتت مهمة “الإطار التنسيقي” تشكيل الحكومة الجديدة، شديدة الصعوبة، وسط ترجيحات بعودة طرح خيار حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
اقتحام البرلمان العراقي من قبل أنصار الصدر
واقتحم المئات من أعضاء “التيار الصدري”، أول من أمس الأربعاء، المنطقة الخضراء وسط بغداد، ذات التحصين الأمني، والتي تضم المقرات الحكومية الرسمية، والبعثات الدبلوماسية، ودخلوا مبنى البرلمان ومكثوا فيه أكثر من 3 ساعات، ورفعوا شعارات وهتافات ترفض تشكيل الحكومة الجديدة من قبل “الإطار التنسيقي” ومرشحه محمد شياع السوداني، قبل أن يوعز الصدر إليهم بالانسحاب منها.
وبدا واضحاً وجود قرار سياسي بعدم التصعيد أو الاحتكاك بالمحتجين، وهو ما أتاح لهم الوصول إلى المنطقة الخضراء من دون اعتراضهم من قبل الأجهزة الأمنية.
ويوم أمس بقي التوتر قائماً بين الطرفين، ومع تأكيد قيادات في “الإطار التنسيقي” التمسك بالسوداني مرشحاً لتشكيل الحكومة، وإثر نشر صور لزعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، وهو يحمل السلاح وسط عدد من عناصر حمايته، ويتجول داخل المنطقة الخضراء، كان الصدريون في المقابل يحذرون من أن ما حصل “مجرد بداية”.
وقال القيادي في تحالف “الإطار التنسيقي”، النائب عارف الحمامي، لـ”العربي الجديد”، إن “اقتحام البرلمان، لن يؤثر بمساعينا في تشكيل الحكومة”. وأوضح أن “مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني لا ينوي الاعتذار عن الترشيح، كما أن الإطار لا يفكر في قضية تغيير مرشحه”.
قيادي في “الإطار التنسيقي”: اقتحام البرلمان لن يؤثر بمساعينا في تشكيل الحكومة
لكن مصادر مطلعة على مجريات الحوارات داخل تحالف “الإطار التنسيقي” في بغداد، قالت لـ”العربي الجديد”، إن زعيم فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، الذي زار بغداد الأربعاء بهدف تحقيق اتفاق داخل التحالف حول تشكيل الحكومة، استمع إلى رأيين داخل “الإطار”.
وأوضحت أن أحد الرأيين يؤيد حكومة انتقالية تعمل على إعداد انتخابات مبكرة، والثاني يصر على المضي بتشكيل الحكومة وعدم الخضوع لإملاءات الصدر.
وأضافت المصادر أن “الإيرانيين لا يريدون أي تدخّل لقادة الفصائل المسلحة في الأزمة لتجنّب استفزاز الصدريين أكثر وحتى لا تحسب اصطفافاً إيرانياً ضد معسكر شيعي على آخر”.
مقابل ذلك، قال صالح محمد العراقي، المعروف بوزير الصدر، والذي يتولى عملياً إصدار مواقف وتوجيهات مقتدى الصدر: “جماهير منضبطة، مظاهرات سلمية، سرعة اقتحام ومباغتة، (للمنطقة الخضراء) شجاعة وقوة قلب، طاعة للقائد، تفهم عالي المستوى لذوقه وأمانيه”.
وأضاف: “اليوم جرة إذن.. وغداً؟ هذه رسالة استلمتها الأحزاب وفهمها القضاء”. وأضاف في بيان أمس نقلاً عن الصدر أنه “إذا استمر الفاسدون على غيهم وعنادهم وفسادهم وظلمهم وتبعيتهم وكرههم للوطن، فالشعب إذا كان بهذا الانضباط فسيستحق أن يكون هو القائد وهو من يقرر مصيره”.
وفي السياق، قال عضو بارز في “التيار الصدري”، طلب عدم ذكره، لـ”العربي الجديد”، إن “ما حصل في المنطقة الخضراء مجرد بداية، وعليهم أن يفهموا كيف ستسير الأمور إذا لم يتراجع الاطار التنسيقي عن المضي بعملية تشكيل حكومة توافقية وترشيح شخصية حزبية دعوية (من حزب الدعوة) لمنصب رئاسة الوزراء”.
عضو بارز في “التيار الصدري”: ما حصل في المنطقة الخضراء مجرد بداية
واعتبر أن “المضي بحل مجلس النواب والتوجه نحو انتخابات مبكرة، أحد الحلول لهذه الأزمة”، مضيفاً: “لن نسمح للإطار الخاسر بالانتخابات بتشكيل حكومة، وبقاء حكومة مصطفى الكاظمي تدير أمور الدولة أفضل من ذلك”.
وتحدثت مصادر أخرى عن معرفة مسبقة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي بنيّة الصدريين اقتحام المنطقة الخضراء، وهو ما دفع الاثنين إلى التوجه لمحافظة الأنبار في اليوم ذاته (الأربعاء) لوضع الحجر الأساس لمحطة كهربائية جديدة، وبشكل لم يعلن عنه مسبقاً، في إشارة إلى تجنبهما التواجد في المنطقة الخضراء.
صعوبات إضافية أمام تشكيل حكومة عراقية
وقال النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، لـ”العربي الجديد”، إن “الوضع السياسي في العراق والتطورات الأخيرة من دخول البرلمان من قبل المتظاهرين من الصدريين، يؤكد صعوبة تمكن أي طرف سياسي من تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.
وبيّن السلامي أن “تظاهرة الصدريين كانت رسالة واضحة بالتصعيد الشعبي لمنع تشكيل حكومة من قبل الإطار التنسيقي، وهذا ما يدفع الجميع نحو خيار الذهاب للانتخابات البرلمانية المبكرة من جديد”.
وأضاف أن “الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة يحتاج وقتاً طويلاً يصل إلى سنة ونصف، كما أن هذه العملية تحتاج إلى توفير أموال كبيرة لدعم العملية الانتخابية، إضافة إلى الاستقرار السياسي والأمني، وربما هذا هو الأقرب للمشهد خلال المرحلة المقبلة، بعد نزول أنصار التيار الصدري للشارع وبقوة”.
لكن الخبير في الشأن السياسي أحمد النعيمي اعتبر في حديث مع “العربي الجديد”، أن سيناريو اعتذار السوداني عن التكليف لرئاسة الحكومة سيكون مطروحاً بقوة في حال معاودة الصدريين النزول للشارع.
وأضاف أن “السوداني لم يصدر منه حتى الآن أي تصريح حول ترشيحه للمنصب ولم يُجر أي تحرك سياسي نحو القوى الأخرى، وهو ما يجعل مسألة اعتذاره، على غرار سيناريو 2019 عندما اعتذر محمد توفيق علاوي، أمراً مطروحاً بقوة بالأيام المقبلة”.
من جهته، رأى رئيس مركز “التفكير السياسي”، في بغداد إحسان الشمري، أن إصرار “الإطار التنسيقي” على المضي بتشكيل حكومة توافقية، بالإضافة إلى تمسكه بمرشحه السوداني، يُفهم منه إعلان مواجهة تجاه الصدر وأنصاره.
وبيّن الشمري في حديث مع “العربي الجديد” أن “ما يجري حالياً معركة سياسية لكسر الإرادات وإظهار القوة السياسية والشعبية للتيار الصدري والإطار التنسيقي، ومن ستكون له القدرة على إثبات وجوده السياسي خلال المرحلة المقبلة”.
وأضاف أن “مضي الإطار التنسيقي بتمسكه بتشكيل حكومة التوافق، سيدفع التيار الصدري إلى خطوات أكثر تصعيداً خلال المرحلة المقبلة، لمنع عقد أي جلسة للبرلمان العراقي، والأمر قد يصل إلى الاعتصام داخل مبنى البرلمان من قبل الصدريين، كما قد يتطور الامر إلى العصيان المدني”.
العربي الجديد