لم تشكّل الحواجز الكونكريتية عائقاً أمام تقدّم أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أمس السبت، نحو المنطقة “الخضراء” الدولية، احتجاجاً على ترشيح “الإطار التنسيقي” الشيعي، محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء الجديد.
أتباع الصدر تجمّعوا منذ ليلة الجمعة/السبت، في ميدان التحرير، وسط العاصمة الاتحادية بغداد، استعداداً للاحتجاجات، وسط إجراءات أمنية مشدّدة تمثلت بإغلاق جسور (الجمهورية- المطلّ على المنطقة الخضراء، والسنك، والشهداء والأحرار) بالحواجز الكونكريتية، فضلاً عن غلق مداخل المنطقة الدولية، خصوصاً تلك القريبة من مجلس القضاء الأعلى.
وتخلّلت الاحتجاجات صدامات بين قوات الأمن المكلّفة بحماية “الخضراء” والمحتجين، أدّت إلى سقوط عشرات الجرحى.
وطبقاً لوزارة الصحة الاتحادية، فإن مؤسساتها في بغداد استقبلت 60 مصاباً بإصابات مختلفة، مؤكدة استنفار مؤسساتها وملاكاتها لإسعاف وعلاج الجرحى.
وتكراراً لمشهد الاربعاء الماضي، تقدم المحتجون صوب “المنطقة الخضراء” واقتحموا مبنى مجلس النواب الاتحادي (البرلمان) للمرة الثانية، لكن هذه المرة قرروا الاعتصام داخله، تلبية لدعوة إبراهيم الجابري، مدير مكتب الصدر.
وحمّل صالح محمد العراقي، المقرّب من زعيم التيار الصدري، وما يعرف بـ”وزير القائد” الكتل السياسية مسؤولية أي اعتداء على المتظاهرين في المنطقة الخضراء ومحيطها.
وذكر العراقي في “تدوينة” له، أن “قوات الأمن مع الإصلاح والإصلاح معها” مخاطباً الأحزاب السياسية بالقول: “سرقتم أموال العراق فكفاكم تعديا على الدماء الطاهرة”.
كما حذر المسؤول العام لـ”سرايا السلام” الجناح العسكري للصدريين، أبو مصطفى الحميداوي، من “سفك دماء المتظاهرين خلال الاحتجاجات”.
وذكر في “تدوينة” له، أن “الجماهير أقوى من الطغاة مهما تفرعنوا.. دماء الشعب طاهرة وعزيزة”.
في حين، وجّه القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، داعياً في الوقت نفسه إلى الالتزام بالسلمية.
وأكد الكاظمي في بيان صحافي أمس، إن “على المتظاهرين الالتزام بالسلمية في حراكهم، وعدم التصعيد، والالتزام بتوجيهات القوات الأمنية التي هدفها حمايتهم، وحماية المؤسسات الرسمية”.
وشدد على أن “استمرار التصعيد السياسي يزيد من التوتر في الشارع وبما لا يخدم المصالح العامة”.
ولفت الكاظمي إلى أن “القوات الأمنية يقع عليها واجب حماية المؤسسات الرسمية” مؤكدا ضرورة “اتخاذ كل الإجراءات القانونية لحفظ النظام”.
إلى ذلك، دعا رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، قوات الأمن المكلّفة بحماية مبنى مجلس النواب، إلى عدم التعرض للمتظاهرين.
بيان لمكتب الحلبوسي أفاد بأن الأخير يدعو المتظاهرين إلى “الحفاظ على سلمية التظاهر” ويوجِّه قوات حماية البرلمان بـ”عدم التعرض للمتظاهرين أو المساس بهم، وعدم حمل السلاح داخل البرلمان، فضلاً عن توجيه الأمانة العامة لمجلس النواب بالتواجد في المجلس والتواصل مع المتظاهرين”.
كما وجَّه الحلبوسي بـ”تواجد موظفي المركز الصحي للبرلمان؛ للحالات الطارئة”.
وفي تطورٍ لاحق، وجّه “وزير القائد” المحتجين بالاحتجاج عند مبنى مجلس القضاء الأعلى.
وقال في “تدوينة” له، إن “شئتم إيصال صوتكم (للقضاء العراقي) فلا نرضى بالتعدي عليهم” مستعينا بوسّم “نزاهة القضاء مطلبنا.. استقلالية القضاء مطلبنا”.
تسارع الأحداث دفع “الإطار التنسيقي” إلى الدعوة للدفاع عن “شرعية” مؤسسات الدولة.
وقال “الإطار” في بيان صحافي، “نتابع بقلق بالغ الأحداث المؤسفة التي تشهدها العاصمة بغداد خلال هذه الأيام، وخصوصًا التجاوز على المؤسسات الدستورية واقتحام مجلس النواب والتهديد بمهاجمة السلطة القضائية ومهاجمة المقرات الرسمية والأجهزة الامنية”.
وأضاف: “اننا إذ نوصي بضبط النفس واأصى درجات الصبر والاستعداد فإننا ندعو جماهير الشعب العراقي المؤمنة بالقانون والدستور والشرعية الدستورية إلى التظاهر السلمي دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها، وفي مقدمتها السلطة القضائية والتشريعية والوقوف بوجه هذا التجاوز الخطير والخروج عن القانون والأعراف والشريعة”.
وحمّل “الإطار” في بيانه “الجهات السياسية التي تقف خلف هذا التصعيد والتجاوز على الدولة ومؤسساتها نحملها كامل المسؤلية عما قد يتعرض له السلم الأهلي نتيجة هذه الأفعال المخالفة للقانون”.
وختم بالقول: “الدولة وشرعيتها ومؤسساتها الدستورية والسلم الأهلي خط أحمر على جميع العراقيين الاستعداد للدفاع عنه بكل الصور السلمية الممكنة”.
ولم يتبق أمام زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، سوى النزول إلى الشارع وتنّظيم احتجاجات تطيح بقرار “الإطار التنسيقي” الشيعي الأخير، القاضي بترشيح النائب محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الوزراء.
الصدر الذي استقال من العملية السياسية واستقال نوابه (73) من مجلس النواب الاتحادي (البرلمان) لم يعد يمتلك أيّة وسيلة سياسية للوقوف بوجه “التوافق” الذي يتبناه خصومه من الشيعة والسنّة والأكراد.
واعتاد الصدر الضغطّ سياسياً بـ”ورقة الشارع” عندما استخدمها أول مرة في آذار/مارس 2016 لإرغام رئيس الوزراء العراقي، حينها، حيدر العبادي، على تشكيل الحكومة.
واعتصم الصدّر آنذاك داخل “المنطقة الخضراء” شديدة التحصين وسط العاصمة بغداد، فيما اعتصم أنصاره خارج أسوار المنطقة.
إصرار التيار الصدري على رفض “السوداني” لإدارة دفّة الحكم في العراق، يقابله تمسّك “الإطار التنسيقي” بمرشحهم.
وبدأ قادة “الإطار” الجمعة الماضية، مفاوضات جديدة مع القوى السياسية بُغيّة تشكيل الحكومة الجديدة.
وتحمل الأحداث المتصاعدة في العراق، بوادر صراع “شيعي ـ شيعي” بالنظر لما يمتلكه “الصدريون” من جهة، وقوى “الإطار” من جهة ثانية، من سلاح.
المحلل السياسي العراقي، الدكتور باسل الكاظمي، يقول لـ”القدس العربي” إن “المعطيات تشير إلى إن الوضع في العراق ذاهبٌ نحو التصعيد” مبيناً إن “كل شيء اليوم مباح. كلا الطرفين يمتلك سلاحاً وفصائل وميليشيات”.
وأضاف: “الإطار والتيار يصرّان على مواقفهما. طرف يريد فرض الإرادة والآخر يريد كسرها” معتبراً إن تلك المعطيات تشير إلى إن “الوضع ماضٍ نحو التصعيد”.
وطبقاً للكاظمي فإن “الأوضاع ماضية نحو الانغلاق والانسداد، ومن المتوقع أن يكون هناك تصادم، لا سيما إن الأمور مهيّأة لذلك”.
واستبعد إمكانية نجاح “الإطار التنسيقي” الشيعي تمرير مرشحه محمد شياع السوداني، لرئاسة الوزراء “من دون موافقة التيار الصدري أو أخذ الضوء الأحمر منه”.
وفي حال تشكّلت الحكومة برئاسة السوداني، فإنها ستكون “ميّتة قبل ولادتها، ولن تستمر شهراً واحداً” حسب الكاظمي الذي أشار إلى إن حكومة السوداني “ستكون مليئة بالأزمات وعدم قدرتها على اتخاذ أيّ قرار”.
وعن السيناريو المرتقب لحلّ الأزمة المتفاقمة منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2022 رجّح “استمرار الحكومة الحالية- برئاسة مصطفى الكاظمي” مبيناً إن “هناك أطرافاً تدعو للإبقاء على حكومة الكاظمي لمدّة عامٍ واحد تمهيداً لانتخابات جديدة”.
وبانسحاب أعضاء “الكتلة الصدرية” من مجلس النواب، تعزّزت حظوظ “الإطار التنسيقي” في تشكيل الحكومة، بالتعاون مع حلفائه “العزم” السنّي و”الاتحاد الوطني” الكردستاني.
غير أن النائب المستقل، باسم خشان، اعتبر أن مبادرة النواب المستقلين دفعت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الانسحاب من العملية السياسية.
وذكر خشان في “تدوينة” له، ان “القصة الكاملة من ألف المشروع الثلاثي إلى ياء استقالة الصدريين، سيطر التحالف الثلاثي على السلطة التشريعية، فانتخب رئيس المجلس ونائبيه من أعضاء هذا التحالف، وعدل النظام الداخلي لمجلس النواب لكي يقصي من لا يريد من اللجان النيابية، وسعى لتشكيل حكومة تتقاسم مناصبها الأحزاب الثلاثة التي تشكل منها التحالف وفقا للقواعد المحاصصة القديمة، فتكون حصة الشيعة للكتلة الصدرية حصرا، وحصة الكرد للحزب الكردستاني، وحصة السنة لتحالف الخنجر-الحلبوسي”.
وأضاف: “لم يعرض هذا التحالف على المستقلين شيئا غير رئاسة لجنة هنا وأخرى هناك، وقد قبل بهذا العرض النواب الذين أعلنوا بقاءهم على الحياد في مسألة تشكيل الحكومة، وعارض هذا المشروع عدد لا بأس به من النواب المستقلين، وكنت أحد هؤلاء”.
وكشف خشّان عن وقوفه بوجه هذا المشروع قائلاً: “وقفت بمفردي ضده في المحكمة الاتحادية، وحصلت على أمر ولائي عطل عمل المجلس لأسابيع، وقاطعت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية كفرد، وكذلك فعل عدد من النواب المستقلين الذين أدركوا خطورة سيطرة التحالف الثلاثي على كل السلطة التشريعية وكل السلطة التنفيذية معا، فأصبح تشكيل الحكومة مستحيلا من دون التفاوض مع المستقلين المعارضين لهذا المشروع”.
ولفت إلى انه “بدلا من التفاوض مع المستقلين، منح السيد الصدر قوى الإطار 40 يوما لتشكيل الحكومة، ولم يعرض على المستقلين شيئا على الإطلاق، وقبل نهاية هذه المدة، أعلنت قوى الإطار مبادرتها التي تضمنت الاتفاق على أن يكون رئيس الوزراء من المستقلين، وفي اليوم التالي رد السيد الصدر تحية الإطار بأقل منها”.
وتابع خشان انه “ردا على مبادرة الإطار، وليس رغبة في ضم المستقلين، أعلن السيد الصدر مبادرة غير واضحة تخلى فيها عن رئيس الوزراء لصالح المستقلين لكن وفق شروط ومعايير لم يحددها في مبادرته غير الواضحة، واشترط توقيع 40 نائبا غير مشكوك في استقلالهم ليكونوا جزءا من كتلة التحالف الثلاثي”.
وبين انه “بعد إعلان المبادرتين، اجتمع النواب المستقلون وطرحنا مبادرتنا التي تضمنت تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا بقيادة المستقلين الذين سيكون لهم حق ترشيح رئيس وزراء مستقل، وعرضنا هذه المبادرة على الكتلة الصدرية فرفضتها، وعرضناها على قوى الإطار فوافقت عليها، ولم يعترض عليها الكرد ووافق عليها بعض السنة”.
وأكد أن “الصدر أدرك إن مبادرة المستقلين قطعت كل الطرق التي تؤدي إلى تحقيق نصاب الثلثين لمصلحة المشروع الثلاثي، وعليه قرر الانسحاب من العملية السياسية بعد شعوره باليأس والإحباط، وهو يدرك إنه يستطيع أن يعطل كل شيء إذا لم تأت الرياح بما لا يشتهي”.
في السياق أيضاً، حذّر رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، من خطورة “انزلاق الأوضاع”.
وأضاف في “تدوينة” له بمناسبة رأس السنة الهجرية، “أدعو الجميع ونحن أولهم إلى العمل مخلصين لمنع انزلاق الأوضاع؛ وتحمل المسؤولية الوطنية للحفاظ على مصالح الشعب والوطن. ومن لا يهتم لأمر العراقيين فليس منهم”.
القدس العربي