لم يُخف الإيرانيون يوما الخسائر التي تكبّدها اقتصادهم جراء انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق النووي، بل تشبثت الطبقة السياسية بضرورة تعويض هذه الخسائر تزامنا مع انطلاق مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق من جديد.
وقد تكون الحكومة الإيرانية السابقة أول من تحدث بالأرقام -على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف- عن حجم الخسائر التي بلغت تريليون دولار حتى قبل عامين، وطالبت الإدارة الأميركية الحالية بتعويضها للتوصل إلى تفاهم يقضي بإحياء خطة العمل المشتركة.
وخلافا للأوساط الاقتصادية التي تتحدث باستمرار عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الإيراني عقب عودة العقوبات الأميركية، فإن المراقبين للشأن السياسي ينقسمون بشأن المضايقات والضغوط التي تمارس بحق طهران في سياستها الخارجية والأوساط الدولية.
خسائر اقتصادية
في غضون ذلك، أظهرت دراسة لعميد كلية الاقتصاد بجامعة الخوارزمي، وحيد شقاقي شهري، أن طهران تتكبّد يوميا نحو 200 مليون دولار جراء عدم بيع حصتها من البترول في الأسواق العالمية.
وبيّن عالم الاقتصاد الإيراني، في تصريح لوسائل الإعلام الناطقة بالفارسية، أن بلاده مرغمة على بيع نفطها بأسعار منخفضة بسبب العقوبات، موضحا أن العقوبات الغربية على روسيا دفعت موسكو إلى التوجه نحو أسواق شرق آسيا، وذلك ما أدى إلى تراجع صادرات النفط الإيرانية.
وأشار إلى أن الاقتصاد الوطني بحاجة ماسّة إلى استثمار خارجي بقيمة 400 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة، موضحا أن مؤشر تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد في العقد الأخير كان سلبيا.
وفي السياق نفسه، رصد السفير الإيراني الأسبق لدى الأمم المتحدة كوروش أحمدي خسائر بلاده الاقتصادية في حقول النفط والغاز المشتركة مع دول الجوار بقيمة 250 مليون دولار يوميا، وطالب في تصريح صحفي باستغلال آخر بارقة أمل بإحياء الاتفاق النووي.
من ناحيته، رأى الباحث الاقتصادي غلام رضا مقدم أن خسائر بلاده الاقتصادية أكبر من تحصى في تقرير أو دراسة، موضحا أن العقوبات الأميركية أدت إلى خروج كبرى الشركات العالمية من البلاد، وتعطيل العديد من المشاريع الاقتصادية فيها، فضلا عن انهيار العديد من العقود مثل صفقات شراء الطائرات المدنية.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أنه فضلا عن تجميد الأصول الإيرانية في الخارج، فإن العقوبات على المبادلات المالية أدت إلى تراجع تجارة طهران مع العديد من دول العالم وزيادة هجرة الكفاءات البشرية منها.
خسائر سياسية
ووفقا لمراقبين سياسيين إيرانيين، فقد زادت خطوات طهران للتحلل من التزاماتها بالاتفاق النووي من حدّة التوتر مع عدد من الدول الإقليمية والغربية، وفتحت ملفات شائكة كانت قد أغلقت مع التوقيع على الاتفاق النووي.
وفي هذا الإطار يرى الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي أن العقوبات الأميركية أضحت تضيّق الخناق على علاقات طهران السياسية، فضلا عن حرمان الاقتصاد الوطني فرصة التعامل التجاري الحر مع مختلف الدول الإقليمية والدولية.
واستعرض مجلسي، للجزيرة نت، المضايقات السياسية المترتبة على تعثر المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، مشيرا إلى أن شيطنة إيران في الدعاية الغربية أضرّت بسمعة البلاد على المستوى الدولي.
وأشار إلى تعثر علاقات طهران الدبلوماسية مع بعض الدول الإقليمية جراء حملات التخويف من إيران وبرنامجها النووي، مؤكدا أن حكومة بلاده أمست تبذل جهودا كبيرة جدا لتكذيب ما يشاع عن سياسات طهران ومعالجة الملفات التي تثار ضدها بين فينة وأخرى في الأوساط الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ورأى أن علاقات بلاده السياسية تراجعت إلى عدد محدود من الحركات والدول الفقيرة وتلك التي تخوض حروبا، بعد أن كانت تتمتع بعلاقات سياسية واقتصادية فاعلة مع أكبر اقتصادات العالم، مشيرا إلى تطبيع بعض الدول الإقليمية مع إسرائيل وابتعادها عن إيران رغم التقارب الديني والثقافي والاجتماعي بين شعوب المنطقة.
وخلص الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أن بلاده تضررت كثيرا جراء تدهور علاقاتها السياسية مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية في السنوات الماضية، داعيا طهران إلى خفض التوتر والامتثال لقوانين اللعبة الدولية، على حد قوله.
تأقلم مع الواقع
وبمعزل عن حجم الخسائر السياسية والاقتصادية، تذهب شريحة من المراقبين للشأن السياسي في إيران إلى أن طهران لم تكن بطرة في خوضها مفاوضات نووية استنزافية استمرت طوال العقدين الماضيين، وإنما حرصا منها على ضمان مصالح شعبها، كما أن هذه الخسائر فرضت عليها فرضا، ولم تدّخر جهدا لإبطال مفعول الضغوط الدولية.
ويقول الباحث في الشؤون الدولية محسن باك آئين إن طهران رمت بكل ثقلها لتبديد هواجس المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، منها فتوى المرجعية الدينية التي تحرم صناعة القنبلة النووية وحيازتها، لكن من دون جدوى بسبب ازدواجية المعايير لدى بعض الدول الغربية.
وأكد الباحث الإيراني، للجزيرة نت، أن بلاده على أتم الاستعداد لإحياء الاتفاق النووي وفق مبدأ “الالتزام مقابل الالتزام”، نافيا أن تكون بلاده لم تجن سوى الأضرار جراء تشبثها بمواقفها في سياستها النووية.
وأوضح باك آئين أن طهران تأقلمت مع العقوبات والضغوط الأميركية وأوجدت حلولا لإبطال مفعولها على العديد من الصعد، وأن اقتصادها بدأ يتعافى إلى جانب تكوينها علاقات سياسية إستراتيجية مع عدد من دول الجوار والقوى الكبرى والتكتلات الشرقية؛ منها منظمة “شنغهاي” و”بريكس” و”إيكو”.
المصدر : الجزيرة