الولايات المتحدة تجد صعوبات في عزل روسيا

الولايات المتحدة تجد صعوبات في عزل روسيا

واشنطن – بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يبدو أن خطط الولايات المتحدة وحلفائها لعزل روسيا وثنيها عن مخططاتها العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية قد نجحت ولو قليلا في ذلك.

ودائما ما تكرر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن روسيا أصبحت معزولة دوليا بسبب غزوها لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن كبار المسؤولين في موسكو ليسوا منعزلين في الكرملين، فهم يلتقون الجميع، حتى من حلفاء واشنطن، وأصبحت الولايات المتحدة هي من تريد التحدث معهم.

والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقادة العالم، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تنتمي بلاده إلى الناتو. كما يتنقل كبير دبلوماسييه وزير الخارجية سيرغي لافروف بين دول في جميع أنحاء العالم ويلتقط الصور مع القادة الأجانب، بمن في ذلك بعض أصدقاء الولايات المتحدة.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في حديثه الأسبوع الماضي إنه يريد إنهاء أشهر من القطيعة الدبلوماسية الأميركية رفيعة المستوى مع لافروف ولمناقشة الإفراج عن المعتقلين الأميركيين والقضايا المتعلقة بأوكرانيا.

هناك تجاهل للنداءات الغربية لإقناع الدول الآسيوية والأفريقية والشرق أوسطية بالابتعاد عن روسيا

وتلقي المصافحات والمكالمات الهاتفية بظلال من الشك على جزء أساسي من إستراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى إنهاء حرب أوكرانيا. حيث كانت ترى أن العزلة الدبلوماسية والاقتصادية والنكسات في ساحة المعركة ستجبر روسيا على سحب قواتها في النهاية.

واستمر إصرار بلينكن، حتى عندما أعلن عن خطط المكالمة، على أن روسيا معزولة بالفعل. وقال إن سفر كبار مسؤوليها هو مجرد حدّ من الأضرار وردّ فعل على الانتقادات الدولية التي تواجهها موسكو بسبب حرب أوكرانيا.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن روسيا تحاول تعزيز التحالفات القليلة المتبقية لها، وبعضها مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران. لكن البلدان التي يُزعم أنها شريكة للولايات المتحدة، مثل مصر وأوغندا، ترحب بالسياسيين الروس الكبار بحرارة أيضا.

وبعد أن أكّدت الولايات المتحدة منذ فبراير بأنه لا جدوى من التحدث مع روسيا لأن موسكو ليست جادة بشأن الدبلوماسية ولا يمكن الوثوق بها، أقرّت بحاجتها إلى التعامل مع هذا البلد أيضا.

وتفاجأ الكثيرون بالتواصل العام مع لافروف مع الإعلان عن “اقتراح جوهري” لروسيا للإفراج عن الأميركيين المحتجزين بول ويلان وبريتني غرينر.

وتعدّ المحادثة التي جرت بين بلينكن ولافروف الجمعة هي أعلى مستوى اتصال بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الخامس عشر من فبراير، أي ما قبل الغزو الروسي. وانتظر مراقبون أن تمهد هذه المحادثة الطريق لمناقشات شخصية، لكنها اقتصرت على الحديث عن عرض واشنطن بشأن الإفراج عن الأميركيين المحتجزين في روسيا، بالإضافة إلى موقفها من الحرب المستمرة في أوكرانيا.

وقال إيان كيلي الدبلوماسي المتقاعد الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في جورجيا في إدارتي أوباما وترامب “سيماطلون ويحاولون إذلالنا قدر المستطاع. لا أعتقد أن هذا يتماشى مع سياسة الإدارة العامة”.

واعتبر كيلي أن طلب الاتصال “يأتي بنتائج عكسية لجهودنا الأوسع لعزل روسيا”. وقال “ستنظر دول أخرى في هذا الأمر وتفكر في التعامل مع لافروف أو الروس علنا وعلى نطاق أوسع”.

ويبدو أن هناك تجاهلا للنداءات الغربية لإقناع الدول الآسيوية والأفريقية والشرق أوسطية بالابتعاد عن روسيا بينما يسافر لافروف حول العالم.

ومع ذلك، قلل بلينكن من أهمية رحلة لافروف العالمية. وقال إنها كانت رد فعل على الاستقبال البارد الذي تلقاه روسيا مع نقص القمح والحبوب المرتبطين بأوكرانيا والذي تعاني منه الآن أجزاء كبيرة من دول العالم النامي، خاصة وأن اتفاقية مدعومة من الأمم المتحدة لتحرير تلك الإمدادات لم تُنفذ.

وقال بلينكن “ما أراه هو لعبة دفاع يائسة لمحاولة تبرير الإجراءات التي اتخذتها روسيا للعالم (…) ومحاولة تبرير ما هو غير مبرر بطريقة ما”.

ويشير المسؤولون الأميركيون والأوروبيون إلى أن روسيا تعرضت لانتقادات شديدة بسبب غزو أوكرانيا ونقص الغذاء وأمن الطاقة الذي نتج عن ذلك.

ولاحظ المسؤولون في إدارة بايدن، بمن في ذلك بلينكن، بارتياح أن لافروف اختار مغادرة الاجتماع الأخير لوزراء خارجية مجموعة العشرين في إندونيسيا بعد الاستماع إلى سلسلة من الشكاوى من نظرائه حول تأثير الحرب على المستوى العالمي.

المحادثة التي جرت بين بلينكن ولافروف الجمعة تعدّ أعلى مستوى اتصال بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الخامس عشر من فبراير

وعلى الرغم من ذلك، لا توجد علامة على استبعاد روسيا من الأحداث الدولية الكبرى مثل المنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا الذي سيعقد هذا الأسبوع، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، أو القمم الثلاثية للزعماء في آسيا المقرر عقدها في نوفمبر.

وتواصل روسيا الحفاظ على علاقات وثيقة مع الصين والهند والعديد من الدول النامية في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا. ويعتمد الكثيرون على موسكو للحصول على الطاقة وغيرها من وارداتهم الأساسية، رغم أنهم يعتمدون على أوكرانيا للحصول على الحبوب أيضا.

ولم تتجنب الهند روسيا على الرغم من عضويتها في ما يسمى بـ”الرباعية” مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان. فمع علاقة وثيقة طويلة الأمد مع روسيا، عززت الهند واردات الطاقة من روسيا على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة وأوروبا التي خيّرت الابتعاد عن الغاز والنفط الروسيين.

واستخدمت الهند، على سبيل المثال، ما يقرب من 60 مليون برميل من النفط الروسي في 2022 حتى الآن، مقارنة بـ12 مليون برميل فقط كامل سنة 2021، وفقا لشركة كبلر المتخصصة في تحليلات لبيانات السلع الأساسية.

وعلى الجانب الآخر، ألغت الفلبين، حليفة الولايات المتحدة في المعاهدة، هذا الأسبوع صفقة لشراء 16 طائرة هليكوبتر نقل عسكرية روسية بسبب مخاوف من عقوبات أميركية محتملة.

وردت وزارة الخارجية الروسية بسرور على مزاعم العزلة من خلال نشر صور لافروف في عواصم العالم المختلفة.

ومن بين الصور، ظهر لافروف في اجتماع مجموعة العشرين في بالي مع وزراء خارجية الصين والهند وإندونيسيا، وفي أوغندا مع شريك الولايات المتحدة الرئيس يوويري موسيفيني، وفي مصر مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو حليف للولايات المتحدة أيضا.

العرب