تتواصل أزمة سياسية خطيرة في العراق منذ أكثر من تسعة أشهر من إجراء انتخابات تشريعية فازت فيها كتلة الصدر بأغلبية نيابية (73 من أصل 329) لكنّها لم تتمكن من تشكيل حكومة نتيجة تمكّن الأحزاب الشيعية ضمن «الإطار التنسيقي» من منعها.
رغم تحوّل ما يسمى بـ«الأحزاب الولائية» إلى الكتلة الأكبر في البرلمان فإن الخطوة التي سمحت بذلك، وهي انسحاب نواب الصدر، وما تبعها من انكشاف ما يسمى «تسريبات المالكي» إضافة إلى الهجمات التي تشنها بعض أطرافها في أربيل، والانتهاكات التي تقوم بها في محافظات العراق الأخرى، جعلت كتلة «الإطار» في موقع أضعف شعبيا، وقد ظهر تراجع وزن تلك الأحزاب بالتوازي مع هجوم جماهير الصدر على المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان وصولا إلى الاعتصام فيه، الذي سجّل أمس يومه الثاني.
الفتاوى القانونية التي يقوم خبراء «الإطار» باقتراحها لتنصيب رئيس وزراء وتشكيل حكومة، تتضمن اعتبار الفائز بالتصويت ضمن قادة الإطار رئيسا للوزراء، أو تصويت «المكوّن الشيعي» عليه، أو بالاجتماع خارج البرلمان، أو بإعطاء بعض الكراسي الوزارية للتيار الصدر وغير ذلك من اقتراحات، فالاتفاق على رئيس وزراء لا يلغي شرطين متلازمين، وهما موافقة الشارع العراقي عليه، وقبول تيّار الصدر، وتحقق هذين المطلبين، إن لم يكن مستحيلا، فهو سيكون شديد الصعوبة.
كان لافتا في هذا السياق كشف مصادر سياسية أن قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، غادر بغداد من دون أن يلتقي بممثلين عن التيار الصدري لبحث الأزمة السياسية، ويبدو أن هذه الزيارة ساهمت في منع لجوء «الإطار التنسيقي» لتنظيم تظاهرات لأنصاره، مع ما يحمله ذلك من إمكانية حصول اشتباكات قد تنزلق بالبلاد إلى بوادر حرب أهلية.
قد يفيد هذا «التوجيه» الإيراني في ضبط «الشارع الشيعي» لوقت، لكنه لن يفيد، بالتأكيد، في حلّ الأزمات الهائلة التي ينيخ العراقيون تحت وطأتها، والتي ساهمت فيها حكومات الفساد المتوالية (منذ الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، وتصاعد النفوذ الإيراني في البلاد) والتي أسهمت في صعود معدلات الفقر والبطالة وتردي البنى التحتية والخدمات العامة رغم الثروة النفطية الهائلة للعراق، وارتفاع أسعار النفط.
أعطت احتجاجات 2019 الشعبية أملا كبيرا في تغيير النظام السياسي الفاسد، لكن أطراف اللعبة السياسية، بمن فيهم تيار الصدر نفسه، وجّهوا كل جهودهم لإجهاض تلك الاحتجاجات، واستخدموا أشكالا فظة من القمع، بينها خطف واغتيال النشطاء البارزين، ومواجهة المظاهرات والاعتصامات بالعنف الشديد، وجاء وباء كورونا ليعطي السلطات العراقية، والعربية، حجة إضافية لقمع التجمعات الجماهيرية وصولا إلى وأدها وإنهائها.
ليس ناجعا، في منطق السياسة، على أي حال، الانكفاء عن أي حلّ، واعتبار الصراعات السياسية تنازعا محضا على الغنائم، فهذه الصراعات، رغم انطباعها بالخلافات الشخصية والمصالح والطائفية، وطالما لم تنزلق إلى حرب أهلية، تفرض على أطراف النخبة السياسية العراقية اللجوء لتسويات وتوافقات وحلول يمكن لآليات النهوض الجماهيري، في الوقت المناسب، أن تستخدمها لإجراء تغييرات، إن لم تستطع إسقاط النظام نفسه.
القدس العربي