القدس المحتلة- أجمع محللون سياسيون وعسكريون ومختصون في الشأن الإسرائيلي على أن العملية العسكرية في غزة -التي أسماها الجيش الإسرائيلي “الفجر الصادق”- تأتي في سياق التنافس لانتخابات الكنيست وأزمة الحكم في إسرائيل، في محاولة من رئيس الوزراء بالوكالة يائير لبيد ووزير الدفاع بيني غانتس، من أجل البحث عن صورة انتصار تسبق حسم الصندوق.
ومثل “صورة الانتصار” التي بحث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو من خلال العملية العسكرية “حارس الأسوار” في مايو/أيار 2021، فإن محللين وباحثين في الشأن الإسرائيلي قالوا إن عملية اليوم “ما زالت ضبابية، وستبقى كذلك، إذ لا يمكن التنبؤ بتداعيات اغتيال الاحتلال القائد في سرايا القدس تيسير الجعبري”.
ويقدر محللون أن عمليات التصعيد وتبادل الضربات والهجمات بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي قد تستمر عدة أيام، ورجحوا أن تطورات ونتائج العملية العسكرية على القطاع -التي تستهدف حركة الجهاد الإسلامي “وسرايا القدس”- ستكون لها إسقاطات على المشهد السياسي ونتائج الانتخابات وستحدد ملامح الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
سيناريوهات وتداعيات
بمعزل عن المستجدات السياسية في إسرائيل والتوجه إلى انتخابات خامسة خلال أقل من 4 أعوام، يعتقد محلل الشؤون العسكرية والأمنية في التلفزيون الإسرائيلي (كان) إيال عليمة أن الأجهزة الأمنية خططت مسبقا لمثل هذه العملية، سواء من أجل اغتيال قيادات عسكرية في “سرايا القدس”، أو بهدف إبطال التهديدات الفورية من القطاع ومنع فصائل المقاومة من فرض معادلة جديدة على جبهة غزة.
ويقدر عليمة -في حديثه للجزيرة نت- أن العملية العسكرية التي تأتي كاستخلاص للعبر واستمرار لتداعيات معركة “حارس الأسوار”، قد تستمر عدة أيام، وقد تطول وتتوسع في حال انضمام حركة حماس، وذلك في حالة سقوط أعداد كبيرة من القتلى والضحايا المدنيين في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وتكبد الفصائل خسائر فادحة، علما بأن المقاومة بحوزتها ترسانة من الصواريخ طويلة المدى وأسلحة نوعية تهدد العمق الإسرائيلي.
ويوضح محلل الشؤون العسكرية أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تعمدت التضليل والمراوغة خلال أيام حالة الطوارئ تحضرت واستعدت لكافة السيناريوهات، سواء مع توسع العملية العسكرية وتبادل الضربات والهجمات مع المقاومة على جبهة غزة وحتى انضمام حركة حماس للحرب، كما لا تستبعد تل أبيب سيناريو إطلاق فصائل فلسطينية صواريخ من الجنوب اللبناني على الجليل.
وفي ظل التحريض الإسرائيلي على حركة الجهاد الإسلامي والزعم بأنها ذراع إيران في غزة والضفة الغربية، قلل عليمة من احتمال انضمام حزب الله إلى الحرب وإشعال الجبهة الشمالية مع لبنان، لكنه لا يستبعد في حال تطورت الأحداث أن يقوم حزب الله بعمليات استفزازية محددة على الجبهة الشمالية أو محاولة استهداف منصات “كاريش” للغاز.
ويجزم الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن الدافع الأساسي للحملة العسكرية ضد غزة هو انتخابات الكنيست ومأزق الحكم في إسرائيل، إذ يهدف لبيد -الذي لم يأت من خلفية أمنية- إلى الظهور بوصفه قياديا سياسيا وأمنيا، إلى جانب غانتس؛ للترويج للمجتمع الإسرائيلي بأنهم “قادة أمن ناجحون”.
ويقلل الباحث في الشأن الإسرائيلي من احتمال انجرار الحكومة الإسرائيلية إلى الحملة العسكرية ضد غزة لوجود الانتخابات في الأفق، مشيرا إلى أن الانتقادات التي وصلت إلى حد السخرية من قبل أحزاب المعارضة وحتى الجمهور الإسرائيلي خلال أيام حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة على الحدود مع غزة؛ كانت الدفاع للخروج للحملة العسكرية.
ويعتقد شلحت في حديثه للجزيرة نت أنه منذ الحرب على لبنان عام 2006، ينأى أي رئيس وزراء إسرائيلي عن الخروج لحرب متعمدا ومخططا لها وتكون واضحة المعالم والأهداف، كون كافة المعارك التي خاضتها إسرائيل مع المقاومة العربية والفلسطينية -وأبرزها عملية “حارس الأسوار”- لم تحسم، وبقيت دائرة التوتر والصراع مفتوحة.
ويوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن الإشكال في مثل هذه العمليات العسكرية أن إسرائيل تعرف كيف تبدأ، وهنا كانت تل أبيب المباغتة واستعملت عنصر المفاجئة وأطلقت النار، لكن لا تعرف كيف تنتهي، وبالتالي تبقى العمليات العسكرية وتداعياتها وإسقاطاتها على الساحة الحزبية والسياسية والانتخابية وحتى الأمنية معضلة بالنسبة لإسرائيل.
وأشار شلحت إلى أن إسرائيل تخشى أن تتطور العملية العسكرية وتتوسع في حال قيام فصائل المقاومة الفلسطينية بتنفيذ عمليات نوعية أو إطلاق صواريخ طويلة المدى تصيب تل أبيب والتجمعات الكبرى في العمق الإسرائيلي.
ويقول شلحت إن “الصراع سيبقى مفتوحا، حيث إن صورة الانتصار التي تبحث عنها إسرائيل ستبقى ضبابية، وعليه إذا كان رد المقاومة موجعا بالنسبة لإسرائيل فستترتب على ذلك أثمان باهظة للبيد وغانتس في الانتخابات المقبلة”.
وبشأن العلاقة بين انتخابات الكنيست الـ25 التي ستجري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والعملية العسكرية التي أطلق الجيش الإسرائيلي عليها اسم “الفجر الصادق”؛ يعتقد المحلل السياسي والمختص في الشأن الإسرائيلي محمد مجادلة أن “الأمر الأبرز هو أن هذه العملية تقاد من قبل لبيد وغانتس بهدف تجييش وتحشيد الساحة السياسية الإسرائيلية ومحاولة استمالة الناخب الإسرائيلي”.
وعلى هذا الأساس، وفي سياق السباق الانتخابي المحموم، يقول مجادلة للجزيرة نت إن “أحزاب اليمين والمعارضة ونتنياهو سارعوا لدعم العملية العسكرية حتى قبل تكشّف بنك الأهداف، وذلك لضمان التفوق في المشهد السياسي الانتخابي، كما أن هناك خلافات داخلية في الحكومة وتنافسا واضحا بين غانتس ولبيد حول الشخصية الأمنية التي ستدير الانتخابات”.
وأوضح المحلل السياسي أن هذه المعركة فرضت على المستوى السياسي بسبب تطورات الأحداث الأمنية على الحدود مع غزة والانتقادات للمعارضة التي أتت في سياق الحملة الانتخابية، حيث استبعد أن تنجر الحكومة للعملية العسكرية في حال لم تكن إسرائيل تعيش في أجواء انتخابات.
ورغم التنافس السياسي بين الأحزاب اليهودية والصهيونية الذي يأتي في سياق انتخابات الكنيست، فإن المختص في الشأن الإسرائيلي يقول “بدا واضحا أن المستوى العسكري وأجهزة الاستخبارات والمؤسسة الأمنية في جهوزية لمثل هذه العملية وبتخطيط مسبق لاغتيال قيادات في سرايا القدس”.
ورغم التقديرات بأن التنافس الانتخابي كان وراء مثل هذه العملية العسكرية ضد غزة، فإن مجادلة يعتقد أن كل الأمور تتعلق بكيفية خروج إسرائيل من الحرب على غزة، إذ إن نتائج العملية العسكرية سيكون لها الأثر الأكبر على تحديد نتائج انتخابات الكنيست وتحديد ملامح الائتلاف الحكومي الإسرائيلي المقبل.
المصدر : الجزيرة