السياسة الواقعية تخلق تقاربا بين الهند وطالبان

السياسة الواقعية تخلق تقاربا بين الهند وطالبان

واشنطن- تحاول باكستان منذ أشهر تحسين علاقاتها مع طالبان رغم أنها كانت طرفا داعما “لأعدائها” طوال عقدين، في المقابل لا تبدي الحركة الإسلامية التي تحتاج دعما دوليا واقتصاديا رفضا للتقارب، ويقول محللون إن البلدين يسيران وفق ما تفرضه السياسة الواقعية والتغيرات العالمية.

والتزمت الحكومة الهندية الصمت بعد الإعلان عن مقتل أيمن الظواهري في الأسبوع الماضي، وهي الدولة التي حددها زعيم القاعدة كهدف، واستنبط العديد من المحللين من حقيقة أنه كان قادرا على التمركز في العاصمة الأفغانية على أنه فشل لطالبان في ما يخص الوفاء بوعدها حول قطع علاقاتها مع الجماعات المتطرفة التي تهدد دولا أخرى.

وانتشرت النظريات بأن باكستان قد أعطت موقع الظواهري للأميركيين، ما يمثل خيانة كبيرة له، وفي كلتا الحالتين، كان مقتل الظواهري في شرفة كابول من غارة أميركية بطائرة دون طيار لحظة محرجة للهند لأنها سلطت الضوء على محاولات نيودلهي لبناء علاقات جيدة مع طالبان، وهو ما كان يعتبر في يوم من الأيام في طور المستحيل.

◙ نيودلهي تؤكد أن هدفها في أفغانستان لم يكن دعم تحالف عسكري مناهض لطالبان ولكن منع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل الجماعات الإرهابية

وأعلنت الهند في شهر يونيو إعادة فتح سفارتها في كابول بعد إغلاقها عندما وصلت طالبان إلى السلطة قبل عام، وكانت الهند وطالبان أعداء على مر التاريخ. واعتبرت مؤسسة الأمن القومي الهندية جماعة طالبان وكيلا لباكستان، وحرصت حركة طالبان سابقا كحكومة بين عامي 1996 و2001 على منح باكستان والجماعات الإرهابية المناهضة للهند عمقا استراتيجيا.

ومن وجهة نظر طالبان، دعمت الهند الحكومة الأفغانية السابقة، وكذلك القوات المناهضة لطالبان في التسعينات، وعليه فمن المدهش أن كلا الجانبين يسعيان للتعامل مع بعضهما البعض.

ومع ذلك، يرى المحلل الهندي دانيش كامات أن السياسة الواقعية قد أوصلت كلا الجانبين إلى هذه النقطة.

وتحتاج طالبان إلى المساعدات التنموية والإنسانية بصورة ملحة، حيث انهار الاقتصاد الأفغاني، وتفاقم الوضع بسبب واحدة من أسوأ موجات الجفاف التي ضربت البلاد في الذاكرة الحية، وتسبب زلزال مدمر في مقتل 1000 شخص في شهر يونيو الماضي، وأرسلت الهند 30 ألف طن من القمح و500 ألف جرعة من لقاحات كورونا إلى أفغانستان في شهر فبراير. ولن تقدر باكستان على مجاراة المساعدة الهندية على المدى البعيد، نظرا لأن اقتصادها متخبط وبسبب حالة عدم الاستقرار السياسي، بالرغم من أنها لطالما اعتبرت المستفيد الأول من حركة طالبان.

وأصبحت العلاقات بين باكستان وطالبان متوترة بصورة متزايدة في الأشهر الأخيرة حيث رفضت طالبان الاعتراف بالحدود الأفغانية – الباكستانية، تماما مثل الحكومات الأفغانية السابقة، وتعتبرها فرضا استعماريا، ومنعت قوات حرس الحدود التابعة لطالبان محاولات باكستانية لتسييج الحدود. كما أن إسلام أباد غير راضية عن عدم رغبة طالبان أو عدم قدرتها على كبح جماح جماعة “تحريك طالبان” (تي.تي.بي) المتشددة المناوئة لباكستان، والتي تملك قواعد لها في أفغانستان. وشنت باكستان في شهر أبريل الماضي غارات جوية على ما تعتقد أنها قواعد حركة “طالبان باكستان” في شرق أفغانستان، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين الأفغان.

دانيش كامات: السياسة الواقعية سترسم ملامح علاقة طالبان بالعالم

وقال متحدث باسم طالبان إن الضربات الجوية ستمهد “الطريق لعداء بين أفغانستان وباكستان” وربما تكون تلك العلاقة المتوترة بين طالبان وباكستان هي ما أوجدت الفرصة لنيودلهي.

ويمكن أن يبدأ التعاون مع الهند بتقديم مساعدات تنموية وإنسانية مقابل ضمانات من جانب طالبان بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية من قبل الجماعات الإرهابية المناهضة للهند.

ولم تعلق نيودلهي رسميا حتى الآن على مقتل الظواهري، والذي هدد الهند مؤخرا في شهر مايو، ولكن على الرغم من ذلك، اختارت نيودلهي التزام الصمت، ربما لتجنب إحراج طالبان أكثر.

وتكهنت القنوات التلفزيونية التي يُنظر إليها على أنها صديقة للحكومة بقيام باكستان بطعن طالبان في الظهر من خلال الكشف عن موقع الظواهري للجانب الأميركي والذي كان يقيم في فيلا مرتبطة بفصيل حقاني التابع لطالبان، والذي يُعتبر منذ فترة طويلة قريبا من باكستان.

وقد لمحت نيودلهي وطالبان خلال الأشهر القليلة الماضية إلى عدم الحاجة إلى اعتبار نفسيهما أعداء على الرغم من تاريخهما الحافل بالعداء، وحتى عندما أغضبت الهند باكستان من خلال تجريد كشمير من حكمها الذاتي في عام 2019، رفضت طالبان التعليق على القضية، قائلة إنها شؤون داخلية للهند.

وتجنبت نيودلهي استعداء طالبان، ففي نوفمبر من العام الماضي، عندما استضافت الهند مؤتمر أفغانستان مع دول المنطقة، أوضحت أن هدفها في أفغانستان لم يكن دعم تحالف عسكري مناهض لطالبان، ولكن منع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، بل إن مستشار الأمن القومي الهندي طالب بتعزيز قدرات أفغانستان في مكافحة الإرهاب في شهر مايو، وما لم يُقل هو كيف يمكن القيام بذلك في حين لم تعترف أي حكومة بطالبان حتى الآن.

◙ الحكومة الهندية التزمت الصمت بعد الإعلان عن مقتل أيمن الظواهري في الأسبوع الماضي، وهي الدولة التي حددها زعيم القاعدة كهدف

ويمكن الحصول على مؤشرات حول مدى الانفراج الحالي بين الجانبين من صورة الترحيب على السجادة الحمراء الذي قدمته طالبان إلى 25 جنديا أفغانيا تدربوا في الهند، وهم على صلة بالنظام السابق وعادوا إلى كابول هذا الشهر، وذلك بعد تأكيدات من وزارة الداخلية الأفغانية بأنه لن يلحق بهم أي ضرر، وأُعلن كذلك أنه سيتم استخدامهم للدفاع عن البلاد. كما دعا وزير دفاع طالبان الملا يعقوب جنود طالبان إلى تلقي تدريب في الهند، ويجب النظر إلى هذا في سياق عجز طالبان عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، وقد يكون ذلك جسرا بعيدا جدا بالنسبة إلى نيودلهي في الوقت الحالي، لكنه مهم نظرا لأن وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين حقاني ينتمي إلى فصيل حقاني، الذي تم إلقاء اللوم عليه في تفجير السفارة الهندية عام 2008 في كابول.

ويقول كامات وهو محلل سياسي يركز على الشرق الأوسط وجنوب آسيا، كما أنه مستشار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للجهات الحكومية والقطاع الخاص، إن أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان ستصبح موقعا لمنافسة القوى العظمى مرة أخرى، بفضل موقعها الاستراتيجي وامتلاكها رواسب معدنية كبيرة، وقد طلبت طالبان من شركة صينية مدعومة من الحكومة الصينية العودة إلى مشروع تعدين لاستخراج النحاس بعد فترة وجيزة من وصولها إلى السلطة. ولا ترغب الولايات المتحدة ولا الهند في رؤية أفغانستان التي تحكمها طالبان تقع تحت نفوذ بكين، على الرغم من أن نظام طالبان مبغوض من الجميع، بسبب معاملته للنساء والأقليات، إلا أن السياسة الواقعية سترسم بشكل كبير ملامح العلاقات مع النظام الطالباني الجديد ليس فقط علاقاته مع الهند، ولكن مع العالم بأسره.

العرب