القاهرة – يبلغ عدد الفقراء في مصر أكثر من 30 مليون شخص، بنسبة 29.7% من بين 103 ملايين نسمة إجمالي تعداد السكان وفق آخر إحصاءات حكومية، وهو ما يحتم على الدولة أخذ هذا الرقم الضخم بعين الاعتبار خلال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والعالم، والتي تصفها الحكومة المصرية بأنها غير مسبوقة.
وبهدف التخفيف من حدة الأزمة التي اندلعت في أعقاب حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي أعلنت الحكومة المصرية اتخاذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية لتوفير الحماية الاجتماعية للأسر الفقيرة، ومساعدتها على مواجهة الأزمة التي من المتوقع أن تتفاقم خلال الفترة المقبلة.
وأعلنت وزارة التموين عن برنامجها لزيادة الدعم التمويني للأسر الأكثر احتياجا بمبالغ تتراوح بين 100 و200 و300 جنيه طبقا لعدد الأسر الموجودة على بطاقة الدعم لتوفير الحماية الاجتماعية لها (الدولار يساوي 19.17 جنيها).
وصرح المتحدث الرسمي للوزارة بأن الدولة تصرف الدعم المخصص للسلع لـ64 مليون مواطن شهريا، مشيرا إلى أن المخزون من السلع الإستراتيجية يكفي لمدة 6 أشهر.
ويتعرض الاقتصاد المصري إلى ضغوط قوية نتيجة الحاجة الماسة للعملة الصعبة قد تؤدي خلال الأيام القادمة إلى خفض جديد لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وهو ما شدد عليه صندوق النقد الدولي، حيث دعا إلى مرونة أكبر في سعر صرف الجنيه من أجل الحصول على قرض جديد.
وكان وزير المالية المصري محمد معيط قد أكد أن حجم الدعم المطلوب من صندوق النقد الدولي أقل من 15 مليار دولار، وذلك ضمن آلية تسهيل تمويلات موسعة يجري التفاوض عليها بين الجانبين منذ عدة شهور.
وهوى الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له على الإطلاق إلى نحو 19 جنيها مصريا مقابل الدولار، ويسجل في كل يوم مستوى قياسيا جديدا، إذ ينخفض بقرش أو بضعة قروش في كل مرة إلى أن بلغ 19.18 جنيها لكل دولار، بانخفاض قدره 22% منذ مارس/آذار الماضي.
تفاقم الديون
تعود الضغوط الاقتصادية إلى حاجة مصر لشراء السلع الأساسية والوفاء بأقساط الديون الدولية، وأظهرت بيانات البنك المركزي سداد نحو 20 مليار دولار كمدفوعات عن خدمة الدين الخارجي خلال أول 9 أشهر من العام المالي الماضي.
وتوزعت هذه المدفوعات بين نحو 16.6 مليار دولار أقساط الدين الخارجي و3.3 مليارات دولار للفوائد المسددة، بحسب بيانات النشرة الشهرية للبنك عن يوليو/تموز الماضي.
وقفز الدين الخارجي لمصر بنهاية مارس/آذار الماضي إلى نحو 157.8 مليار دولار مقابل 137.9 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2021، بزيادة قدرها نحو 19.9 مليار دولار في أول 9 أشهر من العام المالي 2021-2022.
وعن حزمة الإجراءات التي تسعى الحكومة إلى توفيرها، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن “الدولة تتحرك بشكل فوري لتنفيذ حزمة الحماية الاجتماعية الجديدة التي وجه بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لرفع العبء عن كاهل المواطنين والبدء في تطبيقها في أسرع وقت”.
وأضاف مدبولي -في مؤتمر صحفي عقد بمقر مجلس الوزراء في مدينة العلمين الجديدة- أنه سيتم استخراج بطاقات “ميزة”، وهي بطاقات للمواطنين ممن لا يملكون بطاقات لصرف الدعم المقدر بـ100 جنيه لمدة 6 أشهر، فضلا عن المنضمين الجدد لمعاش تكافل وكرامة.
وقدر مدبولي تكلفة إجراءات الحماية الاجتماعية الجديدة بما يتراوح بين 11 و12 مليار جنيه (نحو 620 مليون دولار).
وتشير البيانات الرسمية للحكومة المصرية إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 14.6% لشهر يوليو/تموز 2022 مقابل 6.1% للشهر نفسه من العام السابق، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
في غضون ذلك، واصل الاحتياطي النقدي تراجعه لدى البنك المركزي المصري، وسجل نحو 33.143 مليار دولار في نهاية يوليو/تموز 2022 مقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بانخفاض 19%.
إجراءات ترشيد
وفي سبيل توفير العملة الأجنبية قررت الحكومة المصرية -خلال اجتماعها الأسبوع الماضي- إعلان عدد من الإجراءات لترشيد استهلاك الكهرباء على مستوى الجمهورية بهدف توفير الغاز الطبيعي لتصديره إلى الخارج، وزيادة العائد من النقد الأجنبي.
وأكد مدبولي خلال حديثه أن توفير 10% من استهلاك الغاز الذي يتم ضخه في محطات الكهرباء سيوفر ما يقارب 300 مليون دولار شهريا في حال تصديره للخارج.
وتشمل خطة الرشيد تخفيض إنارة الشوارع والمحاور والميادين الرئيسية والمباني والمنشآت الحكومية ليلا، مع إغلاق المحال والمراكز التجارية في الـ11 ليلا وضبط أجهزة تكييف الهواء المركزية على درجة حرارة 25 فأكثر.
بالتزامن مع هذه الإجراءات، قررت الحكومة المصرية توسيع مظلة برنامج الحماية الاجتماعية، وزيادة عدد الأسر المستفيدة من برنامج “تكافل وكرامة”، وضم مليون أسرة جديدة إلى البرنامج، ليستفيد أكثر من 20 مليون مواطن من المعاش المخصص للبرنامج الذي يقدم بين 300 و450 جنيها لكل أسرة (ما يعادل 16 دولارا).
وقد بلغ عدد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي خلال العام المالي الحالي 2023/2022 نحو 4.1 ملايين أسرة، بإجمالي 17 مليون مواطن، ويصل حجم الموازنة المخصصة له إلى نحو 22.5 مليار جنيه سنويا.
إطالة أمد الأزمة
بدوره، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف في حديثه للجزيرة نت إن “إجراءات الحكومة المصرية مجرد محاولات لإطالة أمد الأزمة حتى لا تنفجر الأوضاع وتخرج عن السيطرة في ظل الشح النقد الأجنبي وارتفاع الأسعار”.
وأوضح يوسف أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وتضغط بقوة على عملتها المحلية ليست نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية فقط، بل نتيجة سياسة البلاد الاقتصادية الخاطئة في التوسع بالاقتراض واستنزاف الأموال في مشروعات عديمة الجدوى في الوقت الراهن.
وأشار إلى أن المشكلة الكبيرة التي تواجهها مصر هي أن الحكومة اعتمدت على مؤشرات وهمية لتسويق تحسن الاقتصاد، و”وعدت القيادة السياسية أكثر من مرة بأن البلاد سوف تتغير للأفضل ولن تكون هناك زيادة في أسعار السلع حتى نهاية العام، لكن ما حدث هو العكس تماما، والأمور تسير في الاتجاه الخاطئ نحو منحدر خطير حيث يجر معه الطبقة الوسطى التي كانت تتمتع لفترة قريبة بحماية كافية من الصدمات”.
المصدر : الجزيرة + وكالات