الانشغال الدولي عن الحل في ليبيا يعبّد الطريق لمعركة طرابلس2

الانشغال الدولي عن الحل في ليبيا يعبّد الطريق لمعركة طرابلس2

طرابلس- عزا مراقبون للشأن الليبي لجوء حكومتي فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة إلى خيار المواجهة العسكرية لحسم الخلاف بينهما إلى الإهمال الدولي للملف الليبي وغياب حراك جدي للبحث عن حل عملي ينهي الأزمة الليبية المستمرة لأكثر من أحد عشر عاما، وهو ما سيعبد الطريق أمام معركة طرابلس2.

وقال المراقبون إن داعمي باشاغا والدبيبة باتوا منشغلين بقضايا أخرى أهم -بالنسبة إليهم- من الموضوع الليبي مثل الحرب في أوكرانيا ومخلفاتها على قطاع النفط والغاز والبحث عن تحالفات جديدة للخروج بأقل الخسائر التي ستنجم عن هذه الحرب. وهذا الوضع لم يترك أمام الخصوم الليبيين سوى خيارين؛ إما المصالحة بوساطات وضغوط داخلية، وهذا غير ممكن في ظل تمسك كل طرف بشرعيته وأحقيته في السلطة، أو اللجوء إلى خيار الحرب، وهو الخيار الذي مضى فيه الطرفان من خلال الاستعدادات والتحشيد في محيط طرابلس قبل أن تبدأ المواجهات مساء أمس.

وإذا كان استنفار الأطراف الخارجية التي لها مصالح في ليبيا قد أفشل حرب طرابلس الأولى ودفع قوات قائد الجيش خليفة حفتر إلى الانسحاب نحو سرت تحت ضغط المسيّرات التركية، فإن لا شيء يمنع حاليا معركة طرابلس2، خاصة في ظل تذبذب مواقف مختلف الأطراف المتدخلة في الملف لفائدة باشاغا أو تلك التي تدعم خصمه الدبيبة.
واندلع قتال عنيف ليل الجمعة ونهار السبت بأسلحة ثقيلة وخفيفة بين مجموعتين مسلحتين في عدد من أحياء طرابلس الواقعة في غرب ليبيا على خلفية الفوضى السياسية الناجمة عن تنافس الحكومتين.

وحمّلت حكومة الوحدة المنتهية ولايتها برئاسة الدبيبة، ومقرّها طرابلس، معسكرَ الحكومة المنافسة التي يرأسها باشاغا والمدعومة من البرلمان مسؤولية الاشتباكات.

وتحدثت وسائل الإعلام المحلية عن مقتل مدنيين أيضا لكن لم تنشر أي حصيلة رسمية على الفور.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن جهاز الإسعاف والطوارئ مقتل الممثل الكوميدي مصطفى بركة الذي كان في أحد الأحياء التي تشهد معارك. وأثار خبر مقتله حزنًا شديدا على مواقع التواصل الاجتماعي حيث كان ينشر مقاطع فيديو عن الأحداث بشكل منتظم.

وخلفت الاشتباكات أضرارا جسيمة في قلب العاصمة، كما أظهرت صور عديدة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي سيارات متفحمة ومباني تحمل آثار الرصاص. وأظهرت الصور أيضًا نيرانا مشتعلة في مسجد وعيادة.

ومنذ تعيينه في فبراير الماضي من قبل البرلمان المتمركز في الشرق، يحاول باشاغا دون جدوى دخول طرابلس لإرساء سلطته هناك. وقد هدد مؤخرًا باستخدام القوة لتحقيق ذلك. ولم يعلّق بشكل فوري على الاتهامات التي وجّهتها إليه طرابلس.

اقرأ أيضا: صمت إقليمي ودولي مريب بعد ارتفاع ضجيج السلاح في طرابلس

وحظي باشاغا في البداية بدعم حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا الذي حاولت قواته دخول طرابلس في 2019. لكن حفتر يبدو أنه غير رهانه بالتحالف في الأسابيع الأخيرة مع الدبيبة الذي بدا أكثر ثقة بالنفس بتأكيده أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة.

وتصاعد التوتر بين الفصائل المسلحة الموالية للقادة المتنافسين في الأشهر الأخيرة في طرابلس. وفي 22 يوليو أودت المعارك بحياة 16 شخصا بينهم مدنيون، وتسببت في جرح نحو خمسين آخرين.

وكتبت السفارة الأميركية لدى ليبيا في تغريدة “تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء الاشتباكات العنيفة في طرابلس”.

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا “عن قلقها العميق إزاء الاشتباكات المسلحة المستمرة، بما في ذلك القصف العشوائي بالأسلحة المتوسطة والثقيلة في الأحياء المأهولة بالسكان المدنيين في طرابلس”، داعيةً إلى “الوقف الفوري للأعمال العدائية”.

وقال مراقبون إن الدبيبة أخذ مأخذ الجد تصريحات باشاغا الذي يبدو أنه صار في وضع أفضل بسبب تغير مواقف الدول المؤثرة في الصراع لفائدته، وسط حديث عن تغيير كبير في الموقف التركي باتجاه دعم باشاغا في استلامه مهام الحكومة، وهو ما يجعل الدبيبة المتحالف مع قائد الجيش في الشرق خليفة حفتر في وضع صعب.

وكانت تركيا من أكثر الدول الداعمة لحكومة الدبيبة حتى بعد انتهاء فترة عملها في ديسمبر الماضي، حيث أصدرت الخارجية التركية بيانا أكدت فيه دعمها لحكومة الوحدة الوطنية وحذرت من تشكيل حكومة موازية.

وتتصاعد المخاوف داخل ليبيا وخارجها من أن يتم إدخال باشاغا إلى العاصمة بالقوة من أجل استلام السلطة من الدبيبة، الذي يرفض التخلي عنها قبل إجراء انتخابات في البلاد، ما قد يفجّر القتال بين الميليشيات الداعمة له والأخرى الموالية لباشاغا.

ويعرف الدبيبة أن عليه الاستعداد لمعركة عسكرية كبيرة ستجري في طرابلس، وسيكون الفائز فيها هو رئيس الحكومة المعترف به محليا وخارجيا، وأن تجهيز الميليشيات الحليفة سيكون شيئا مهما لوقف خطة باشاغا لفرض نفسه رئيسا للحكومة في طرابلس بالذات. وضمن هذه الاستعدادات أمر الدبيبة الأسبوع الماضي بتشكيل تجمع ميليشياوي جديد مشكل من مسلحين تابعين لمصراتة يحمل اسم “لواء ليبيا”.

ويلعب الدبيبة على أكثر من واجهة لتثبيت نفوذه في طرابلس، خاصة من خلال البرامج الموجهة إلى الشباب وسلسلة من خطط الإنفاق الشعبوية لنيل اعتراف الشارع به، من بينها توزيع الآلاف من قطع الأراضي والشقق الجاهزة والقروض الميسرة على الشباب تشجيعا لهم على الزواج.

العرب