“ثورة” الصدر لا تلقى تفاعل الشريحة الصامتة في العراق

“ثورة” الصدر لا تلقى تفاعل الشريحة الصامتة في العراق

لا تلقى الشعارات التي يرفعها التيار الصدري لتبرير خطواته التصعيدية في الشارع، من قبيل الثورة على المنظومة وتحقيق التغيير المنشود، صداها لدى جزء مهم من العراقيين، الذين يعتبرون أن المعركة التي يخوضها الزعيم الشيعي هي من أجل طموحات سياسية في علاقة برغبته في الاستئثار بالسلطة وموارد الدولة.

بغداد – يحاول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر جاهدا كسب دعم شريحة مهمة من الشارع العراقي تلتزم الصمت حتى الآن حول ما يجري من تصعيد، رغم مخاوف تسكن هذه الشريحة من مآلات ما يحصل والذي قد ينتهي بضرب ما تبقى من الدولة، بعد تعطل الاستحقاقات الدستورية من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

ويتخذ الصدر من “الثورة” و”تغيير المنظومة” عناوين بارزة لحملته التي تستهدف خصومه من الإطار التنسيقي، الذي يطلق عليهم “الفاسدين”، لكن هذه العناوين لا تجد تفاعلا لدى ما يعرف بالشريحة الصامتة، التي ترى في أن دوافع المعركة الجارية، بعيدة كل البعد عن “الإصلاح المنشود”، وأنها انعكاس لصراع على السلطة وموارد البلاد.

وفي خطوة لا تخلو، وفق كثيرين من شعبوية، أعلن الصدر السبت عن مطلب جديد دعا فيه جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 بما فيها التيار الصدري إلى الانسحاب من المشهد، والعمل على توقيع اتفاقية بهذا الصدد خلال 72 ساعة لحل الأزمة الحالية (تنتهي الاثنين).

وقال الصدر في بيان نقله عنه صالح محمد العراقي المعروف بـ”وزير الصدر”، إن “هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة”، في إشارة إلى المطالب السابقة للتيار.

وأضاف “الأهم هو عدم اشتراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا هذا، بما فيها التيار الصدري”.

وتابع “أنا على استعداد خلال مدة أقصاها 72 ساعة لتوقيع اتفاقية تتضمن ذلك ومن الآن. لا أن يقال إن تحقيق ذلك بعد الانتخابات المقبلة ولا أن يتحقق بطريقة دموية”. وزاد قائلا “إذا لم يتحقق ذلك فلا مجال للإصلاح، بالتالي فلا داعي لتدخلي بما يجري مستقبلا، لا بتغريدة ولا بأي شيء آخر”.

وتقول أوساط سياسية عراقية إن الصدر يدرك جيدا استحالة تنفيذ هذا الطلب، الذي لن يقبل به الحلفاء قبل الخصوم، لكنه أراد من خلف هذا الطرح إعلاء سقف مطالبه عاليا، وأيضا التسويق للشارع العراقي ولاسيما الشريحة “المتحفظة” أو “الصامتة”، على أنه متعفف عن السلطة، وأن تحركاته تصب في صالح بناء عراق جديد.

ودعا “وزير الصدر” الأحد إلى بناء عراق جديد لا تبعية فيه ولا ميليشيات ولا سلاحا منفلتا ولا عنفا ولا اقتتالا ولاطائفية ولا أحزابا مجربة ولا محاصصة طائفية.

وطالب صالح محمد العراقي، في بيان جديد، بدولة فيها “قانون وأخوّة تسود والأقلّيات تكرم وقضاء نزيه وعلاقات متوازنة مع الخارج وسلام يسود وجيش يحمي وحكومة تخدم وفيها تحترم الأديان وتسلم العقائد والطاعة لله محبوبة”.

ويشهد العراق منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في أكتوبر الماضي أزمة سياسية، جراء خلافات بين زعيم التيار الصدري والإطار التنسيقي، الذي يقوده خصمه زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حول إدارة العملية السياسية.

واتخذت الأزمة منعطفا جديدا في يونيو الماضي على إثر إعلان الصدر الانسحاب من العملية السياسية، وتقديم كتلته النيابية البالغ عددها 73 نائبا استقالتها من البرلمان. وفي خطوة تصعيدية أقدم الصدر في يوليو الماضي على حشد أنصاره في الشارع لمنع الفريق المقابل، الذي آلت له الغالبية البرلمانية، من السيطرة على دفة الأمور وتشكيل حكومة جديدة.

رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق يجددان الدعوة إلى حوار بين الفرقاء لكونه السبيل الوحيد لحل الأزمة

ومازالت جماهير التيار الصدري ترابط أمام مقر البرلمان العراقي للأسبوع الخامس على التوالي في أكبر اعتصام أمام مقر البرلمان العراقي، للمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة.

بينما يرابط أتباع قوى الإطار التنسيقي منذ نحو أسبوعين عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء، للمطالبة بالإسراع بعقد جلسة للبرلمان وتشكيل حكومة خدمة بكامل الصلاحيات.

ويشكل قرار المحكمة لاتحادية العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، المنتظر أن تعلن عنه في الثلاثين من الشهر الجاري بشأن دعوى التيار الصدري لحل البرلمان، نقطة فاصلة في الأزمة.

وكان التيار حاول الضغط على المجلس الأعلى للقضاء بشأن حسم هذه المسألة عبر استدعاء أنصاره للاعتصام أمام مقر المجلس، لكنه فوجئ بتحرك حاسم من هيئة المجلس التي رفضت منطق الابتزاز، معلنة تعليق كافة أعماله وأعمال الهيئات القضائية، ما اضطر التيار إلى الانسحاب.

وتقول الأوساط السياسية إن من المرجح على نحو كبير أن ترفض المحكمة الاتحادية العليا الدعوى لحل البرلمان، في ظل وجود نصوص تشريعية صريحة حول سبل الحل، وهي إما أن يقدم ثلثي أعضاء البرلمان بطلب حول الحل، أو قيام رئاسة الجمهورية بذلك، ليجري التصويت عليه بالغالبية.

وتلفت الأوساط نفسها إلى أن الصدر يستشعر حاليا حالة من تضخم الأنا لديه والتي يستمدها من أنصاره، لكن من غير الثابت أن يحقق أهدافه، في ظل المقاومة التي يواجهها من خصومه، فضلا عن أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع العراقي تبدو متحفظة على هذا التصعيد، وهي ترنو إلى استقرار عبر تشكيل حكومة جديدة تنكب على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق.

وترى أن استثمار الصدر في شعارات مثل الثورة والتغيير، لن يؤتي أكله لدى الكثير من العراقيين، لعدة أسباب من بينها أن الصدر كان ولا يزال جزءا من المنظومة السياسية القائمة، حيث إن العديد من قيادات التيار تتقلد إلى حد اللحظة مناصب مهمة في الدولة، إلى جانب أن انقلاب الصدر على “احتجاجات تشرين” لا تجعله محل ثقة القوى والفعاليات المدنية.

قرار المحكمة لاتحادية العليا بشأن دعوى التيار الصدري لحل البرلمان يشكل نقطة فاصلة في الأزمة

وتحذر الأوساط من أن زعيم التيار الصدري يتلاعب باستقرار العراق من أجل تحقيق غايات سلطوية تقوم على احتكار دواليب الدولة ومواردها المالية، مشددة على أن محاولته التملص من المسؤولية عن الفساد الذي ضرب العراق طيلة السنوات الماضية، وعدم القيام بمراجعات ذاتية على هذا المستوى، تؤكد أن ما يسوقه من شعارات ليست سوى محاولات لتصدير أوهام للعراقيين، من أجل أطماع سياسية.

وجدد رئيسا الجمهورية والحكومة في العراق الأحد الدعوة إلى ضرورة الحوار بين الفرقاء، باعتباره السبيل الوحيد للوصول إلى مخرج للأزمة السياسية في البلاد.

وقال بيان للرئاسة العراقية إن الرئيس برهم صالح اجتمع مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لبحث القضايا المتعلقة بالأوضاع العامة في البلد وتداعيات الأزمة السياسية القائمة.

وذكر البيان أنه تم “التأكيد على أهمية الحوار الجاد والفاعل للوصول إلى مخارج للأزمة، وحلول تأخذ في الاعتبار الظرف الدقيق الذي يمر به البلد وتطلعات المواطنين”.

ووفق البيان، جرى التأكيد “على ضرورة تمتين الجبهة الداخلية وانتهاج مسارات عمل ترتكز على المصلحة الوطنية العليا، وتسهم في إخراج البلد من الأزمة الراهنة، وتواجه التحديات السياسية والاقتصادية والمالية، وتستجيب للاستحقاقات المنتظرة وترسّخ الأمن والاستقرار وتحمي السلم الأهلي والاجتماعي”.

العرب