تصعد الميليشيات في العاصمة سواء الموالية لحكومة فتحي باشاغا أو حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة من هجماتها في العاصمة الليبية، ما يهدد بعودة البلاد إلى مربع العنف في غياب مواقف جادة من القوى الدولية لفرض ضغوط من أجل إنهاء القتال بينما تصم المجموعات المسلحة آذانها أمام الدعوات الأممية لإسكات البنادق.
طرابلس – عاد الهدوء إلى طرابلس الأحد غداة اشتباكات بين مجموعات مسلحة اندلعت في العاصمة الليبية ليل الجمعة – السبت أسفرت عن سقوط 32 قتيلا و159 جريحا، حسب حصيلة رسمية، وسط مخاوف من عودتها في ظل انتشار السلاح وغياب الضغوط الخارجية لمنع الميليشيات من التصعيد.
وسمع إطلاق نار كثيف ودوي قصف مدفعي طوال ليل الجمعة والسبت حتى حلول الظلام في عدد من أحياء العاصمة وسط فوضى سياسية مع حكومتين متنافستين.
وتتنافس حكومتان على السلطة منذ مارس: واحدة مقرها طرابلس ويقودها عبدالحميد الدبيبة، والأخرى بقيادة فتحي باشاغا ويدعمها مجلس النواب.
وذكرت وسائل إعلام وخبراء أن الاشتباكات “انتهت بهزيمة محاولة باشاغا للإطاحة بحكومة منافسه”.
ولعبت مجموعات مسلحة محايدة في هذه المواجهة السياسية، ولاسيما “قوة الردع” التي وقفت إلى جانب الدبيبة، دورا حاسما في نتيجة القتال ما يشير إلى الخطر الذي تمثله الميليشيات على الاستقرار في ليبيا ووضع العراقيل أمام الحلول السلمية.
الدعوات الأممية لوقف القتال في طرابلس لا تلقى آذانا صاغية من الميليشيات بسبب غياب الضغوط الأجنبية
ودعت الأمم المتحدة الأطراف الليبية إلى “الحوار” لحل الخلافات. وحثت في بيان كافة الأطراف على “الانخراط في حوار حقيقي لحل المأزق السياسي الحالي وعدم اللجوء إلى القوة لحل خلافاتهم”.
وفي المقابل لا تلقى هذه الدعوات الأممية آذانا صاغية من قبل القوى المتصارعة في ليبيا، وذلك بسبب غياب الضغوط التي عادة ما تمارسها القوى الدولية على الميليشيات لمنع الاقتتال وفرض الهدنة.
ويرى مراقبون أن هنالك مسعى دولي لإعادة خلط الأوراق في ليبيا من خلال السماح بالاشتباكات ومنح المتحاربين الضوء الأخضر للتصعيد وعدم القيام بما يلزم لإيقاف القتال سوى من بعض التصريحات المحتشمة لمسؤولين غربيين أو من الجهات الأممية رفعا للعتب.
وتمتلك العديد من القوى الخارجية على غرار تركيا العديد من أوراق الضغط في ليبيا حيث تدعم أنقرة مجموعات من الميليشيات كما تحتفظ بقوات ومرتزقة وتستخدمهم كلما تعرضت مصالحها للخطر.
كما تتدخل القوى الغربية على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا في الملف الليبي وتلعب روسيا دورا هاما في الملف حيث تنعكس الخلافات بين موسكو والغرب بسبب الصراع في أوكرانيا على الوضع في الساحة الليبية.
وكانت المبعوثة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز أكدت مرارا أن القوى الخارجية بتدخلاتها السلبية ستكون عقبة أمام إيجاد حلول حقيقية للأزمة الليبية.
ويرى مراقبون أن الحل يكون في تحقيق توافق بين القوى المتصارعة خاصة حكومة باشاغا وحكومة الدبيبة، لكن السؤال المطروح من هو الوسيط المحايد الذي سيلعب دورا في إيجاد التسوية وهل سيحظى بالتأييد والقبول من القوى المتصارعة؟
وجرت الاشتباكات الأخيرة على نطاق غير مسبوق منذ فشل محاولة قائد الجيش الوطني الليبي المشير حفتر في يونيو 2020 لدخول العاصمة عسكريا، في ذروة الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
وكانت ليبيا غارقة في أزمة سياسية كبيرة منذ نهاية حكم القذافي مع التنافس بين المناطق الرئيسية وصراعات على السلطة والتدخل الأجنبي.
وشكلت حكومة مؤقتة في طرابلس مطلع 2021 في إطار عملية رعتها الأمم المتحدة ومهمتها الرئيسية تنظيم انتخابات في ديسمبر الماضي.
لكن الانتخابات تأجلت إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات شديدة على الأساس القانوني للانتخابات ووجود مرشحين يسببون انقساما بينهم بالتحديد الدبيبة وباشاغا، إلى جانب ابن القذافي المثير للجدل سيف الإسلام.
ونظرا لانتهاء مدة ولايته، عيّن مجلس النواب في فبراير الماضي باشاغا رئيسا للوزراء، ما دفع الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى أزمة سياسية خطيرة. وأكد الدبيبة مرات عدة أنه لن يخضع إلا لحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع.
ولم يرد باشاغا الذي نصب حكومته مؤقتا في سرت (وسط) ليبيا، على هذه الهزيمة الجديدة. وظهر خصمه الدبيبة في مقطع فيديو ليل السبت في أحد مقار قواته وهو يحيي المقاتلين الداعمين لحكومته.
وصافح الدبيبة الذي كان محاطا بحراسه أنصاره، والتقط صورا تذكارية وتبادل بضع كلمات تشجيعية معهم.
وقال لحشد من المقاتلين في تسجيل نشره على حسابه على تويتر إن “هذا البلد لن نتركه للأوغاد”، مشيرا إلى أن الهجوم مدعوم “داخليا وخارجيا”.
وعلت هتافات تأييد في صفوف المقاتلين وقادتهم المحيطين به وسط مخاوف من تداعيات التصعيد على المدنيين وممتلكاتهم.
الأمم المتحدة تدعو كافة الأطراف إلى الانخراط في حوار حقيقي لحل المأزق السياسي الحالي وعدم اللجوء إلى القوة لحل خلافاتهم
وسبب القتال أضرارا جسيمة في العديد من المباني بينما احترقت العشرات من السيارات وأصيبت ستة مستشفيات في إطلاق النار.
وأرجئت امتحانات المرحلة النهائية للمدارس الثانوية وأغلقت جامعة طرابلس حتى إشعار آخر. كما تم تعليق الرحلات الجوية في مطار معيتيقة الدولي، وهو الوحيد الذي يخدم طرابلس.
وأمر الدبيبة رئيس حكومة طرابلس باعتقال أي شخص متورط في “الهجوم على طرابلس” سواء كان “عسكريا أو مدنيا”.
وقالت قوة العمليات المشتركة وهي مجموعة مسلحة قوية مقرها في مصراتة داعمة للدبيبة، في بيان صحافي الأحد، إنها أوقفت العديد من “المهاجمين” المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها باشاغا.
لكن الأزمة لم تنته بعد، والوضع الأمني غير مستقر إطلاقا لاسيما في طرابلس، حيث مازال عدد لا يحصى من المجموعات المسلحة ذات الولاءات المتغيرة “مؤثرا جدا”.
وقال ولفرام لاشر الخبير الدولي في شؤون ليبيا إن “المجموعات المسلحة التي وجدت نفسها في جانب واحد في قتال الأمس في طرابلس، ستشتبك غدا على الأراضي والمواقف والميزانيات”.
وأضاف الخبير في المعهد الألماني الدولي للشؤون الدولية والأمنية أن “الفصائل التي كانت موالية للدبيبة أمس ستتحداه غدا، هذه قصة لا نهاية لها”.
وفعلا يظهر أن الأزمة الليبية لا تزال تراوح نفسها في غياب الضغوط الخارجية لوقف تحركات الميليشيات والعمل على إيجاد حل مستدام.
العرب