في نهاية شهر مايو/أيّار من عام 2013 حذّر الديكتاتور السوري بشار الأسد “إسرائيل” من أن سورية سترد على أية ضربة جوية تقوم بها في المستقبل، وأضاف في مقابلة مع محطة المنار التلفزيونية، التابعة لحزب الله اللبناني، أنه يواجه “ضغطاً شعبياً” يطالب بفتح جبهة عسكرية في مرتفعات الجولان، ثم استدرك قائلاً إن أسلوب الرد يعتمد على “الظروف”، متذرعاً بالتعبير الذي طالما لجأ إليه إثر كل ضربة صهيونية: “التوقيت المناسب”.
استمرت الضربات الصهيونية على مدار السنوات التسع الماضية، لكن لم يجد النظام السوري “التوقيت المناسب” حتى الآن، ولم يستجب للضغط الشعبي الذي تحدث عنه، إذ كان منشغلاً بقمع الثورة التي اندلعت من أجل الخبز والحرية، فضلاً عن انشغالاته الإقليمية والدولية بتنفيذ إملاءات كل من طهران وموسكو. قالت طهران من جهتها، على لسان قائد القوة الجو فضائية للحرس الثوري، العميد حاجي زادة، في شهر أغسطس/آب الحالي: “صواريخنا ورؤوسها الحربية تكفي لحرث إسرائيل”، وأردف: “إسرائيل سوف تتدمر” و”محاولات الكيان الصهيوني للنجاة عبثية”. وغرد مساعد وزير خارجية إيران محمد صادق فضلي، عبر “تويتر”، في يوليو/تموز الماضي، قائلاً: “إسرائيل لن تنعم بالهدوء”، واصفاً الكيان بـ”البيت العنكبوتي الهزيل”. كذلك أعلنت طهران في شهر مارس/آذار الماضي أنها “ستثأر” بعد الضربة الجوية الإسرائيلية على سورية، التي أفضت إلى مقتل أربعة أشخاص، منهم اثنان من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن محاسبة إسرائيل على مثل هذه الهجمات “من الأهداف الرئيسية لقوات المقاومة في المنطقة”.
مثل هذه التصريحات التي تصدر تباعاً عمّا يُدعى بـ”محور الممانعة“، لا تزال ممنوعة من الصرف، وعصية على الترجمة إلى فعل ملموس على أرض الواقع. جبهة الجولان لم ولن تفتح في ظل نظام الأسد، الذي نجح في إقناع الغرب “الديمقراطي” بمعادلة: “إما نحن وإما داعش”. طهران من جهتها لن تغامر بخوض حرب إقليمية في ظل نجاحها” بالتنسيق مع واشنطن” في فرض هيمنتها شبه المطلقة على العراق، واستمرار نفوذها في كل من سورية ولبنان. ما يُسمى “الحرس الثوري” هو في الواقع استمرار للثورة المضادة، التي قادها الخميني في عام 1979 ضد حزب تودة الشيوعي الذي لعب دورا هاما في إسقاط نظام الشاه.
أما حزب الله اللبناني، التابع لطهران، الذي هدد في شهر أغسطس/آب الجاري، على لسان أمينه العام حسن نصر الله، بـ”قطع يد إسرائيل إذا امتدت إلى نفط لبنان وغازه”، فلا يزال عاجزاً عن فتح جبهة الجنوب اللبناني، التزاماً بذات الترتيبات التي أجرتها الدبلوماسية الإيرانية مع واشنطن. حتى إذا وجه الحزب ضربة عسكرية إثر مسألة الحدود البحرية مع الاحتلال، ستكون مجرد ضربة خاطفة بأهداف انتخابية داخلية بحتة. المستقبل القريب سيكون خير دليل على ذلك.
الحرب متعددة الجبهات، التي حاكتها تدريبات جيش الاحتلال في قبرص من العام المنصرم، لا تزال احتمالاً بعيداً وربما مستحيلاً، فالتحالف الإيراني – الأسدي عاجزٌ عن خوض أية مواجهة حقيقية مفتوحة على كل الاحتمالات، كي لا تهدد بقاء كلا النظامين. أضف إلى ذلك عدم قدرة إيران وسورية على إزعاج حليفهما الدولي في موسكو، في وقت لم تقدم واشنطن دعماً كافياً للمقاومة الأوكرانية ضد الاحتلال الروسي، إذ لا يزال الدعم الغربي لأوكرانيا في حدوده الدنيا، بهدف إطالة أمد الحرب.
ما يُسمى “محور الممانعة” الذي ثبّت النفوذ الإيراني في كل من سورية ولبنان والعراق، ليس مستعداً لخوض مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، من أجل تجنب خسارة موافقة واشنطن على بقاء هذا النفوذ، بل ولوجوده المحض. ادعاء قائد حرس الثورة المضادة الإيراني، اللواء حسين سلامي، امتلاك حزب الله اللبناني “أكثر من مئة ألف صاروخ جاهزة لفتح باب جهنم على إسرائيل”، لا معنى له في ظل الهروب المستمر من استراتيجية حرب الجبهات المتعددة، رغم كل ما يصدر من تصريحات عبثية تحاول محاكاة صوت قرع طبول المعركة.
العربي الجديد