ما تزال تركيا واليونان؛ الدولتان الجارتان والحليفتان للناتو، على خلاف حول العديد من القضايا، بما في ذلك المطالبات المتنافسة على الولاية القضائية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والمطالبات المتعلقة بالحدود القارية المتداخلة، والحدود البحرية، والمجال الجوي، والطاقة، وجزيرة قبرص المنقسمة عرقيًاً، والكثير من الجزر في بحر إيجه والمهاجرين.
في الأيام الأخيرة، ادعت الحكومة التركية بأن طائراتها التي كانت تقوم بمهام فوق بحر إيجه وشرق البحر المتوسط تعرضت لمضايقات من قبل نظام دفاع الجوي اليوناني الذي استخدم صواريخ نظام (إس-300)، وفقًا لمصادر في وزارة الدفاع التركية.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب القيود المفروضة على التحدث إلى وسائل الإعلام، إن الطائرات التركية كانت “مغلقة بالرادار” يوم 23 آب (أغسطس) في مهمة في الأجواء الدولية، واصفة المضايقات اليونانية بأنها “عمل عدائي” وفقًا لقواعد الاشتباك التابعة لحلف شمال الأطلسي.
ليس هذا الخبر جديداً، وتأتي الادعاءات التركية ضد اليونان لتضاف إلى سجل طويل من الخلافات. ويقول اليونانيون إنهم سجلوا مئات الخروقات للمجال الجوي اليوناني من خلال أعمال استفزازية تقوم بها الطائرات المقاتلة التركية. وفي تعليقها المذكور، أضافت المصادر التركية، في تأكيد النوايا المسبقة للمهمة الجوية: “على الرغم من هذا الإجراء الدفاعي اليوناني، فإن الطائرات التركية استكملت مهمتها المخططة وعادت بسلام إلى قواعدها”.
وأكدت المصادر أن تلك الأعمال الدفاعية اليونانية جاءت من نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز (إس-300)، متمركز في جزيرة كريت، مشيرة إلى أن بعض دول حلف “الناتو” تواصل انتقاد تركيا على شرائها أنظمة الدفاع الجوي من طراز (إس-400) روسية الصنع، لكنها لم تقل أي شيء عن اليونان.
أخبرتنا المصادر كيف اشترت اليونان النسخة السابقة من هذا النظام منذ ما يقرب من 25 عامًا، وقالت إن قيام دولة في حلف “الناتو”، وهي اليونان، بالاستجابة ضد تحركات الطائرات الحربية لدولة أخرى في الحلف باستخدام نظام (إس-300) روسي الصنع هو تصرف “مخالف لمبادئ حلف الناتو”.
وقد اشتكت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي منذ أكثر من 70 عامًا، من الإجراءات اليونانية والخطابات اليونانية المتكررة ضد تحركات تركيا في المنطقة في الأشهر الأخيرة، قائلة إن مثل هذه التصرفات تحبط جهودها حسنة النية من أجل السلام، وإن اليونانيين أنفسهم هم الذين يحملون الموقف ذاته نحو استفزاز تركيا.
في نيسان (أبريل) 2017، عندما كانت تركيا تحاول شراء نظام دفاع جوي من الولايات المتحدة، عمدت إلى توقيع عقد مع روسيا للحصول على أحدث نظام روسي للدفاع الجوي، (إس-400). وفي رد الفعل، أعلن المسؤولون الأميركيون عن معارضتهم لنشر تركيا هذا النظام لكونه غير متوافق مع أنظمة “الناتو”. ومع ذلك مضت تركيا في سباق التسلح ضد اليونان.
شددت تركيا على أنه لن يتم دمج نظام صواريخ (إس-400) في أنظمة حلف شمال الأطلسي، زاعمة أنها لا تشكل أي تهديد للحلف أو أسلحته، واقترحت إنشاء لجنة لتوضيح هذه المسألة، مع أنها تعلم أن ذلك الإجراء لن يكون مجديًا، وأن مجرد وجود ذلك السلاح الروسي يشكل تهديداً في حد ذاته.
ومن جهته، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن اليونان تهدر أموال شعبها على شراء أسلحة مستعملة لتستخدمها ضد تركيا، مكررًا انتقاده للتسلح العدواني لأثينا وأعمالها الاستفزازية ضد تركيا. وفي الوقت نفسه، تغاضى عن انتهاك المعاهدات الدولية الذي تمارسه سلطات بلاده، وتهديداتها بالاستيلاء على جزر في بحر إيجة ضمن ما يعرف باسم “مخطط الوطن الأزرق”. وأكد أكار أن اليونان أطلقت حملة تسليح لا طائل من ورائها، بينما تمضي بلاده في انتهاج سياسات تسلح واسعة النطاق وتهدد اليونان بشكل متواصل.
كان من المضحك الاستماع لأكار وهو يقول عن اليونان إنها تُهدر أموال الشعب اليوناني على الأسلحة والمعدات متناسية الأزمة الاقتصادية، وإنها تشتري الطائرات المستعملة، والدبابات المستعملة، والمدافع المستعملة، ومهما يكن، التي تبيعها لها فرنسا وتجني من ورائها الأموال. ويتناسى أكار نفسه بالكامل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بتركيا بينما تبدد حكومته أموال الشعب التركي في المغامرات العسكرية وسباق التسلح.
إن اليونان تريد الدفاع عن نفسها ضد الأطماع التركية، وهذا ليس كثيرًا في معايير الحق في للدفاع عن النفس. وتحتاج كل دولة إلى الكثير من الأسلحة للدفاع. ولكن، إذا كان هذا الدفاع يُمارس ضد تركيا، فإن أي مقدار منه لا يكفي لأن الحكومة التركية مهووسة بتهديد الآخرين.
ما تزال تركيا واليونان؛ الدولتان الجارتان والحليفتان للناتو، على خلاف حول العديد من القضايا، بما في ذلك المطالبات المتنافسة على الولاية القضائية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والمطالبات المتعلقة بالحدود القارية المتداخلة، والحدود البحرية، والمجال الجوي، والطاقة، وجزيرة قبرص المنقسمة عرقيا، والكثير من الجزر في بحر إيجه والمهاجرين. ومع كل هذه الملفات الخطيرة، لا يحق لليونان، حسب تركيا، أن تستعد لمواجهة التهور والطيش والبلطجة التي تمارسها الحكومة التركية.
في الأشهر الأخيرة، صعدت تركيا انتقاداتها لنشر قوات يونانية في جزر في شرق بحر إيجة، بالقرب من الساحل التركي، والتي يمكن، في كثير من الحالات، رؤيتها من الشاطئ. وكان المطلوب هو نزع السلاح من هذه الجزر بموجب معاهدة لوزان للعام 1923 ومعاهدة باريس للعام 1947، اللتين تحظران تمامًا استخدام أي قوات أو أسلحة في هذه الجزر. كما تبادلت تركيا واليونان الاتهامات بخرق المجال الجوي لكل منهما في الأشهر الأخيرة.
على الرغم من قولها إنها لا تنوي الدخول في سباق تسلح مع اليونان، جارتها وحليفتها في الناتو، تواصل تركيا أيضًا تنفيذ برنامج تسلح جسور لقواتها المسلحة. وقد تم تصميم برنامج الأسلحة التركي لمواجهة إجراءات اليونان لحماية مصالحها في شرق البحر الأبيض المتوسط. وغالبًا ما حذرت تركيا اليونان من الانغماس في سباق تسلح بينما تنغمس هي بكل طاقتها في ذلك السباق.
- الغد