من باريس ساحة العرض الدموي الإرهابي المتوحش، الى إنطاليا ساحة العرض السياسي اللاهث والمعيب، بكى العالم كله ليضحك اثنان فقط:
أولاً أبو بكر البغدادي الذي أغرق فرنسا وعبرها الغرب لا بل الأسرة البشرية بالدماء، وثانياً بشار الأسد الذي أغرق العالم مرة جديدة عبر الرعب الباريسي بالذعر من “داعش”، ما يجعل الخلاص من التنظيم مهمة ملحّة باتت بالنسبة الى الكثيرين، تتقدم ضرورة الخلاص من النظام الذي صنع “داعش” ويستعمله قناعاً للتمويه على وحشيته!
لماذا يضحك البغدادي والأسد ؟
يضحك البغدادي عندما يستمع الى تصريحات باراك اوباما الذي وعد بمضاعفة الجهود للقضاء على “داعش” وأنه يتضامن مع الشعب الفرنسي وسيعمل على ملاحقة مرتكبي الجريمة وتقديمهم الى العدالة، وهذه وعود نظرية يكررها يومياً منذ تشكيل الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب قبل ١٥ شهراً، ويضحك البغدادي ايضاً عندما يقرأ تصريح رجب طيب أردوغان عن ان قمة انطاليا ستقدّم رداً قوياً جداً وقاسياً على التهديد الإرهابي!
أما الأسد فيضحك لأن جريمة “داعش” في باريس، أتاحت له ان يوبّخ وفداً من الجمعية الوطنية الفرنسية كان يزوره بالقول “إن السياسات الخاطئة التي انتهجتها فرنسا هي التي ساهمت في وصول الإرهاب الى باريس”. لكنه يضحك أكثر عندما يتابع وقائع الخلاف الأميركي – الروسي على الحل في سوريا وعلى موقعه الشخصي من الحل، فمن فيينا الى انطاليا إستمر عضّ الأصابع بين روسيا وأميركا على هذا الموضوع!
وقبل الحديث عن عضّ الأصابع، يهمني الحديث قليلاً عن إنعدام المنطق كي لا أقول انعدام الأخلاق، فقد استمعنا الى اوباما وأردوغان يتحدثان عن جرائم “داعش” الوحشية في باريس أمس وفي أنقرة قبل أكثر من شهرين، ويتعاميان عن جريمة “داعش” البربرية في الضاحية الجنوبية من بيروت التي وقعت قبل يومين والتعامي داعشية سياسية!
كانت المذبحة السورية تستحق من أوباما وبوتين أكثر من جلسة عابرة في زاوية الفندق التركي انتهت بالإعلان عن “الحاجة الى عملية انتقال سياسي تقودها سوريا وتملكها سوريا تجري من خلال مفاوضات بواسطة الأمم المتحدة بين المعارضة السورية والنظام إضافة الى وقف النار”!
“تقودها وتملكها سوريا”؟
ولكن أي سوريا وأي معارضة ومن يضمن وقف النار، وعلى رغم ان هذا الإعلان هو نوع من الهراء التافه، لم يتردد الكرملين بعد دقائق في إصدار بيان يؤكد إستمرار الخلاف مع واشنطن على سوريا، ليتذكّر الجميع ما شاهدوه قبل ساعات في المؤتمر الصحافي في فيينا الذي كاد ان يتحوّل حفلة ملاكمة بين جون كيري وسيرغي لافروف حول مستقبل الأسد، تولى التحكيم فيها سائح أممي يدعى ستيفان دو ميستورا!
راجح خوري
صحيفة النهار اللبنانية