للعمل على إخراج جميع الميليشيات من “المنطقة الدولية” في بغداد

للعمل على إخراج جميع الميليشيات من “المنطقة الدولية” في بغداد

في المواجهات الأخيرة التي وقعت داخل “المنطقة الخضراء” في بغداد، كانت وحدات «قوات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران هي الأولى التي أطلقت النار، لذا لا ينبغي أن تكون هي المسؤولة عن الأمن في المركز الحكومي.

في 29 و30 آب/أغسطس، أطلق المقاتلون بقيادة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر وابلاً من الرصاص وقذائف الهاون والصواريخ على “المنطقة الدولية” (“المنطقة الخضراء”) التي تضم الوكالات الحكومية الرئيسية والمجمعات الدبلوماسية في البلاد. ومع ذلك، لم يتم تسليط الضوء كثيراً عن حقيقة أنه في وقت سابق من ذلك اليوم، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران الطلقات الأولى بالقرب من القصر الجمهوري، مما دفع مثيري الشغب التابعين للصدر، الذين كانوا في الغالب غير مسلحين في ذلك الوقت، إلى الانسحاب، وحشد عدد أكبر من إخوانهم، واللجوء إلى إطلاق النار من أسلحة ثقيلة. ومنذ ذلك الحين، أمر الصدر جميع مناصريه بمغادرة “المنطقة الدولية”، لكن على الولايات المتحدة وشركائها أن تحث بغداد على الطلب من جميع الميليشيات أن تحذو حذوهم، حتى تلك التي تتنكر كوحدات تديرها الحكومة.

كيف اندلع العنف؟

في 29 آب/أغسطس، اقترب أنصار التيار الصدري – الذين شقوا طريقهم نحو “المنطقة الدولية” خلال سلسلة احتجاجات وأعمال غوغائيةفي الأسابيع الأخيرة – للمرة الأولى من القصر الجمهوري. ويُعتبر هذا القصر الواقع في وسط المنطقة موقعاً رمزياً لاستقبال الشخصيات الأجنبية البارزة، علماً بأن بعض الوظائف الحكومية تنفذ في مكاتبه الكثيرة. وما يكتسي أهمية كبيرة هو أن أراضي القصر والشوارع المحيطة به تضم أيضاً مكاتب وثكنات تابعة للميليشيات المدعومة من إيران على غرار “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”حركة حزب الله النجباء“، وهي جماعات تصنفها الولايات المتحدة إرهابية وتتنكر بعباءة وحدات تتقاضى أجرها من الحكومة ضمن «قوات الحشد الشعبي» العراقية على الرغم من أنها تواصل عملها خارج سيطرة الحكومة. وحين بدأ الصدريون بالتدفق إلى المنطقة، أطلقت هذه الوحدات التابعة لـ «الحشد الشعبي» النار وأرغمتهم على العودة إلى المداخل الشمالية لـ “المنطقة الدولية”.

لسوء الحظ، حالما أعادت قوات الصدر تعبئة صفوفها وبدأت مجدداً برد النيران على “المنطقة الدولية”، شكلت عناصر قوات الأمن العراقية الحقيقية الهدف الأوضح بالنسبة لها. وفي المقابل، أظهرت قوات الأمن درجة عالية من ضبط النفس من خلال عدم الرد على النيران بنيران قاتلة، إذ كانت تعمل بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضمن “قيادة العمليات المشتركة”. لكن قناصي وحدات «الحشد الشعبي»المدعومة من إيران واصلوا إطلاق النار على مناصري الصدر الذين ردوا بدورهم. وبحلول الليل، عمّت الفوضى المكان وخرج غوغائيو الصدر عن السيطرة تماماً وهاجموا “المنطقة الدولية” بالرشاشات والقذائف الصاروخية (من نوع “آر بي جي”). وعندما هدأت المعركة، ناهزت حصيلة القتلى إثني عشر شخصاً من الصدريين ونحو إثني عشر قتيلاً أيضاً في صفوف قوات الأمن العراقية، من بينهم نحو ستة قتلى من عناصر «الحشد الشعبي» المدعومة من إيران.

استقرار العراق يتطلب مركز حكم مستقر

خلال المواجهات، أظهر كل عنصر من عناصر قوات الأمن العراقية درجة عالية من ضبط النفس، باستثناء «قوات الحشد الشعبي». وفقطالميليشيات التابعة للصدر وتلك المدعومة من إيران نفذت عملياتها خارج سلطة رئيس الوزراء و”قيادة العمليات المشتركة”. كما بدأ عنصر واحد فقط، أي مقاتلو قوات الحشد المدعومون من إيران، باستخدام الذخائر الحية ضد مدنيين غير مسلحين داخل “المنطقة الدولية”. ويسلط هذا الأمر الضوء على ضرورة طرد جميع وحدات «الحشد الشعبي» من المنطقة ليس فقط حفاظاً على سلامة الحكومة العراقية بل على عناصر السلك الدبلوماسي فيها أيضاً.

وكانت هذه المسألة تتفاقم طيلة سنوات. وتختلف التقديرات عن عدد«قوات الحشد الشعبي» داخل “المنطقة الدولية” إلى حدّ كبير (بين 500 و 10 آلاف عنصر)، كما يتغير الرقم على الأرجح حسب الظروف المختلفة. وخلال عهد الكاظمي، تمّ تقليص عدد القوات إلى جانب أسلحتها الثقيلة التي وضعتها داخل المنطقة (على سبيل المثال، المدافع المضادة للطائرات من عيار 23 ملم) وهامش حريتها في تعزيز صفوفها متى شاءت. وبالفعل، أثبتت الأيام القليلة الماضية أن قوات الأمن العراقية الشاملة قادرة على منع «الحشد الشعبي» من زيادة عددها بشكل كبير داخل “المنطقة الدولية” خلال حالات الطوارئ. ومع ذلك، يُظهر النزاع الدائر أيضاً أنه حتى مع خفض عناصر «قوات الحشد الشعبي»، إلّا أنهلا يزال بإمكانها التسبب بفوضى عارمة وأضرار جسيمة تطال أيضاً العلاقات الدولية للعراق. وبسبب عدم انضباط عناصر هذه القوات، اندلعت معركة شاملة لمدة ليلة واحدة في قلب “المنطقة الدولية”، مما أعاد بغداد إلى أوضاع أشبه بالحرب الأهلية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها «قوات الحشد الشعبي»موقعها داخل “المنطقة الدولية”. فالإرهابيون المدعومون من إيران والذين يتنكرون بعباءة مقاتلي الحكومة حرّضوا على الهجمات ضد السفارتين الأمريكية والبريطانية ومسؤولين عراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، ووفروا المعلومات الضرورية لتنفيذها. فعلى سبيل المثال، حاولوا اجتياح السفارة الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر 2019، ليهددوا باندلاع معركة مدمرة في العراق. وفي وقت لاحق، طوقوا مقر إقامة الكاظمي في “المنطقة الدولية” في حزيران/يونيو 2020 وقصفوه بطائرات مسيرة متفجرة بينما كان نائماً هناك في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

وربما ما حدث هذا الأسبوع قد لقن الصدر درساً مفاده أن قتل عناصر قوات الأمن العراقية هو وصمة عار رهيبة بغض النظر عن سياق إطلاق النيران. ومع ذلك، فإن الإرهابيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على «قوات الحشد الشعبي» لم يتحملوا بعد تبعات إراقة أول نقطة دماء، وما زالوا قابعين في قلب مركز الحكم، ولم تصدر أي أوامر بعد بطردهم.

وخلال المرحلة القادمة، تملك قوات الأمن العراقية وقائدها العام، رئيس الوزراء الكاظمي، صلاحية طلب خروج جميع الميليشيات والحراس الشخصيين الذين يكثر عددهم من “المنطقة الدولية”، وهذا واجب أخلاقي عليها، وعلى المسؤولين الأمريكيين حث الكاظمي على ذلك. وفي 30 آب/أغسطس، وعد الكاظمي بالتحقيق في الاستخدام الافتتاحي للذخيرة الحية ضد المحتجين من قبل “جماعات غير منضبطة” – وهي العبارة التي يستخدمها رجال السياسة لوصف «قوات الحشد الشعبي» – وندد بها لعدم التقيد بأوامره. ومن شأن اتخاذ الخطوة المهمة بطرد جميع الميليشيات من “المنطقة الدولية” أن يقلل من خطر اندلاع اشتباكات جديدة، ونشر قوات أمنية أكثر خضوعاً للأوامر في المنطقة، والبدء باستئصال ورم خبيث متواجد منذ فترة طويلة ينخر استقرار الحكومة والأمن الدبلوماسي. وبغض النظر عن المستقبل السياسي للكاظمي، على المجتمع الدولي أن يذكّره بأنه لا يزال بإمكانه ترك إرث دائم في مجال واحد مهم، وهو: إقامة مركز حكم تسيطر عليه قوات الأمن العراقية بالكامل ويتمتع بالولاء للحكومة العراقية. وبدلاً من ذلك، إذا لم تتدارك بغداد ناقوس الخطر هذا وتترك المحرضين الذين تسببوا بمعركة الشوارعالتي دارت هذا الأسبوع في مواقعهم، فسيكون ذلك مؤشراً آخر على وجود حكومة ضعيفة وغياب الشركاء الخارجيين.

معهد واشنطن