مركز استخباراتي أمريكي يرسم صورة عن مستقبل العراق ودور إيران ومآلات الوضع فيه

مركز استخباراتي أمريكي يرسم صورة عن مستقبل العراق ودور إيران ومآلات الوضع فيه

نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) تقريرا قرأ فيه تطورات الأوضاع في العراقوتوقعات مآلاتها.

وجاء في التقرير أن أعمال العنف الأخيرة في بغداد تضع ضغوطا إضافية على الأطراف الفاعلة في البلاد، بما في ذلك إيران، لإيجاد حل للأزمة السياسية المستمرة منذ ما يقرب من عام.

لكن حسبه فمن غير المرجح أن تتوصل الفصائل الشيعية المتناحرة إلى حل وسط في أي وقت قريب، مما ينذر بمزيد من العنف والاحتجاجات التي قد تؤدي في النهاية إلى تعطيل صادرات النفط الحيوية للبلاد.

من غير المرجح أن تتوصل الفصائل الشيعية المتناحرة إلى حل وسط في أي وقت قريب، مما ينذر بمزيد من العنف والاحتجاجات التي قد تؤدي في النهاية إلى تعطيل صادرات النفط الحيوية للبلاد

وقتل ما لا يقل عن 30 شخصا وأصيب 700 آخرون فى اشتباكات بغداد يومي 29 و30 أغسطس/آب، في أخطر اضطرابات شهدتها العاصمة العراقية في السنوات الأخيرة.

واندلعت أعمال العنف بعد أن أعلن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر انسحابه من الحياة السياسية بشكل مفاجئ مما أثار ارتباكًا وغضبًا بين الملايين من أتباعه.

ونزل أنصار الصدر إلى الشوارع واشتبكوا مع أنصار “الإطار التنسيقي” المنافس، ثم صعّد المتظاهرون الصدريون من مظاهراتهم باقتحام القصر الرئاسي في المنطقة الخضراء ببغداد، مما أدى إلى مزيد من الاشتباكات الدامية خلال محاولة قوات الأمن العراقية استعادة النظام.

وفي خطاب ألقاه في 30 أغسطس/آب، دعا “الصدر” أنصاره إلى التراجع وكرر قراره بالخروج من المشهد السياسي العراقي.

ومنذ ذلك الحين، عاد الهدوء نسبيا إلى العاصمة، لكن الوضع الأمني لا يزال غير مستقر، خاصة أن التوترات السياسية التي أدت إلى الاشتباكات الأخيرة لا تزال دون حل.

وتُظهر الاشتباكات أن العنف قد يكون الحل المناسب للعراقيين المحبطين من فشل قادتهم المستمر في تشكيل حكومة جديدة.

وأدى الجمود في محادثات تشكيل الحكومة منذ انتخابات العام الماضي إلى لجوء المعسكرات السياسية المتنافسة إلى التحريض على العنف وحشد مؤيديها للنزول إلى الشوارع.

وحسب “سترافور” في هذه الأجواء، لا يمكن للنظام السياسي العراقي أن يرعى عملية انتقال سياسي بشكل سلمي.

وأكد: كلما تزايدت مساحة العنف على حساب الحوار كان من الصعب على الحكومة أن تعمل بفعالية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تأجيج المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وتقليل احتمالية الإصلاحات الهيكلية، مما يبرز عدم استدامة الوضع الراهن.

ومن المرجح أن يتطلب حل المأزق السياسي الحالي تخلي الصدريين أو “الإطار التنسيقي” عن أحد مطالبهم الرئيسية لتشكيل الحكومة المقبلة (مثل من الذي يجب تسميته لمنصب الرئيس أو هل سيتم التجمع معًا في كتلة أكبر).

لكن الأمر قد يستغرق شهورًا قبل التوصل إلى مثل هذه التسوية، مما ينذر بمزيد من العنف وعدم الاستقرار في غضون ذلك.

وبحسب المركز سلط الوضع الحالي الضوء على حدود سياسة “حافة الهاوية” التي يتبناها الصدر.

وخلال السنوات الأخيرة، نجح الصدر في إشعال مشاعر أنصاره أكثر من مرة عبر إعلانه الانسحاب من الحياة السياسية.

وتظل دعوة مؤيديه إلى الشوارع أقوى أوراقه السياسية، لا سيما بالنظر إلى فشله المتكرر في تشكيل حكومة بالرغم من المكاسب القياسية في انتخابات 2021. ومع ذلك، أصبحت هذه الاستراتيجية أقل فعالية.

وكما يتضح من الاقتحام الأخير للقصر الرئاسي، تخلق التكتيكات العنيفة لأنصار “الصدر” رد فعل شعبيا معاكسا يضر بقدرة “الصدر” على الانخراط في حوار مع أصحاب المصلحة الآخرين.

لذلك قد يتجه الصدر للبقاء بعيدًا عن الأضواء السياسية لبعض الوقت والتركيز أكثر على دعم مؤهلاته الدينية، مما قد يزيد من جاذبيته الشعبية بين بعض أتباعه الشيعة المتدينين.

ويشدد “سترافور” على أنه بصفتها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً في العراق، فإن إيران أكثر الدول قدرة على تهدئة التوترات من خلال المساعدة في التوسط في تسوية سياسية.

وعلى مدار العام الماضي، دفعت إيران وكلاءها للتمسك بموقع قوي في محادثات تشكيل الحكومة، لكن إيران أيضًا لا تريد أن ترى فراغًا واسعا في السلطة في العراق، مما قد يهدد مصالح طهران وسنوات من بناء النفوذ في البلاد.

وبحسب المركز فلتجنب هذا الخطر، قد تسعى إيران إلى خفض التوترات بعد الاشتباكات الأخيرة. ويمكن لطهران أيضًا أن تدفع “الإطار التنسيقي” للتوصل إلى حل وسط مع الصدريين، بما في ذلك إمكانية إجراء انتخابات جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، تتمتع إيران بعلاقات وثيقة مع المؤسسة الدينية في العراق والتي لم تعلق حتى الآن على أحداث العنف الأخيرة في بغداد.

وإذا أصدر هؤلاء الزعماء الدينيون بيانات تدعو إلى التهدئة، فقد يؤثر ذلك على أصحاب المصلحة السياسيين، بما في ذلك اضطرارهم لتقييد تحركات أنصارهم ولجم سلاح الميليشيات.

ومن غير المرجح أن ينخرط العراق في حرب أهلية واسعة النطاق، لكن من المحتمل حدوث المزيد من الاشتباكات العنيفة.

وقد تخاطر بعض الميليشيات بفقدان رأسمالها السياسي إذا شنت هجمات أوسع ضد الجيش العراقي الذي يتسم بالتماسك إلى حد كبير ويتم تدريبه بشكل جيد. لذلك من غير المرجح أن تتصاعد أعمال العنف لتتحول لصراع أهلي شامل.

دفعت إيران وكلاءها للتمسك بموقع قوي في محادثات تشكيل الحكومة، لكنها لا تريد أن ترى فراغًا واسعا في السلطة في العراق، مما قد يهدد مصالح طهران وسنوات من بناء النفوذ في البلاد

ومع ذلك، فإن فشل قوات الأمن العراقية في السيطرة على الميليشيات غير الحكومية والمتظاهرين الغاضبين خلال التصعيد الأخير في بغداد ينذر بعدم قدرتها على كبح جماح تفشي العنف في المستقبل – مما يبقي خطر اندلاع أعمال عنف متفرقة عاليا على المدى القريب.

وسيستمر ذلك في إثارة مخاوف المستثمرين الأجانب من أن العراق قد يتجه إلى فترة طويلة أخرى من عدم الاستقرار على نطاق واسع، مما سيخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي في العراق أيضًا.

وبحسب التقرير تهدد الاضطرابات المتزايدة بتعطيل صادرات النفط العراقية. وقد امتدت احتجاجات 29 أغسطس/آب التي نظمها أنصار الصدر إلى مدينة البصرة الجنوبية، التي تضم غالبية صناعة النفط في البلاد وتستضيف عددًا من المشاريع المملوكة لأجانب.

ولم تؤثر الاضطرابات حتى الآن على صادرات النفط العراقية، لكنها قد تؤثر في المستقبل إذا استمرت الاشتباكات والتظاهرات، مما يفاقم مشاكل العراق الاقتصادية.

وبالرغم أن التقارير الأولية أشارت إلى أن المتظاهرين الصدريين أغلقوا حقول النفط بالقرب من البصرة، إلا أن “رويترز” نقلت عن مصادر أن أعمال العنف الأخيرة لم تؤثر على إنتاج وتصدير النفط العراقي.

ومع ذلك، يحذر التقرير، فقد تقع اضطرابات في هذا القطاع مستقبلا خاصة إذا استمرت الاحتجاجات حول مصافي النفط في البلاد.

القدس العربي