كان ميخائيل غورباتشوف شخصية ذات أبعاد مأساوية على الطريقة الإغريقية. وبامتلاكه النوايا الحسنة والفضول الفكري، أصبح غورباتشوف الرجل الأكثر إثارة للاشمئزاز واللعن في روسيا بعد زوال الاتحاد السوفياتي.
ومع ذلك، كانت أسوأ صفات غورباتشوف مرتبطة بأفضلها. كان غورباتشوف الرجل الخطأ الذي تواجد في الوقت الخطأ لحل التناقضات التي خلقها النموذج البيروقراطي الستاليني، ثم نموذج بريجنيف البيروقراطي للاشتراكية القائمة في الاتحاد السوفياتي.
وبينما كان غورباتشوف يصبح مكروها بشكل متزايد في الداخل، كان محبوبًا لدى زعماء العالم في “الغرب” باعتباره الرجل الذي قام سلميًا (على الأقل بالمقاييس المقارنة للإمبراطوريات المنهارة) بتفكيك الاتحاد السوفياتي، حتى لو أنه كان يحاول إنقاذ طابعه الاتحادي.
وفي الوقت نفسه، بالنسبة للصين، قدم غورباتشوف دروسًا في ما لا يجب فعله عند إصلاح نظام ما بعد الستالينية المتصلب الذي يتطلب إصلاحات اقتصادية، إن لم يكن تحويله بالكامل.
ما الذي حدث عندما أنتج الاتحاد السوفياتي أول زعيم له بعد الحرب العالمية الثانية غير مرتبط بجوزيف ستالين (وأولئك الذين عينهم)؟ الجواب: جاء زعيم اشتراكي يسعى إلى إضفاء الطابع الليبرالي واستعادة أصول الرسوخ الديمقراطي للاتحاد السوفياتي بروح “السوفييتات”.
وعلى النقيض من تأكيدات فريدريش فون هايك بأن الاشتراكية تمثل “الطريق إلى العبودية”، أشار ظهور غورباتشوف إلى عكس ذلك. كان الإرهاب والطغيان في الاتحاد السوفياتي قد نشآ من الحرب ومطالب أجهزة أمن الدولة المطلوبة للبقاء على قيد الحياة، والسياسة المسكونة بجنون الارتياب التي مكَّنتها، أكثر مما فعل أي مسار اشتراكي “حتمي” تم السير فيه.
وبمجرد أن تجاوز الاتحاد السوفياتي الجيل الذي مر بهذه الصدمة (والقادة المرتبطين بذلك الجيل)، ظهر رئيس للحزب الشيوعي سعى إلى عودة إلى أيديولوجية مترسخة في الاشتراكية الديمقراطية.
وكما هو الحال مع كل قيادة الاتحاد السوفياتي تقريباً، كان غورباتشوف من أصول إقليمية، في حالته ولد في العام 1931 في ستافروبول كراي في جنوب شرق أوكرانيا. كان أجداده من جهة الأم من أصل أوكراني.
وارتقى في صفوف الحزب مع سمعة العمل الجاد وإيجاد حلول للتحديات المحيرة. وبحلول العام 1979 كان عضوًا في أعلى هيئة حاكمة في الاتحاد السوفياتي، المكتب السياسي، وبحلول العام 1985، تم اختياره لأعلى منصب في البلاد ليكون “الأمين العام” لقيادة الاتحاد السوفياتي إلى الخروج من ركوده الاقتصادي.
كان غورباتشوف لينينيًا جادًا، وليس مجرد بيروقراطي يتلو التعاليم الشفهية للمادية التاريخية بدافع الزخم أو النفعية السياسية.
وفي تأكيد لما أكده المؤرخ ستيفن كوتكين في سيَرِه الذاتية لستالين، لم يكن قادة الحزب السوفياتي حزبيين مُدَّعين، وإنما مؤمنين حقيقيين بالشيوعية، غالبًا ما كانوا يحولون الأقوال إلى أفعال. لكنّ ما اعتقد الكثيرون أن الاتحاد السوفياتي كان في حاجة إليه في وقت متاعبه هو يد لينين الحازمة، وليس التجارب المستوحاة من الاشتراكية الديمقراطية التي أجريت على عجل.
من عجيب المفارقات هنا أن هذه الخصائص الديمقراطية هي التي ضمنت فشل إصلاحات غورباتشوف. في كل أزمة واجهها غورباتشوف، كان بحثه عن الإلهام سيوجد في كتابات لينين. ومع أنه مثل لينين، شخصية إقليمية حولت روسيا، فإنه لم يكن لينين في نهاية المطاف. ركز غورباتشوف على رسالة لينين الديمقراطية للمستقبل، ولكن ليس على حزمه، إن لم تكن قسوته الجامحة التي سمحت له بتنفيذ الثورة السوفياتية. وعلى النقيض من ذلك، يمتلك الزعيم الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، النصف الآخر من شخصية لينين: قسوته، وإنما مجردة من أي غاية ديمقراطية.
كان غورباتشوف إلى حد كبير جداً ذلك المثقف الإقليمي، وقليلاً جداً من براغماتي بينما كان يسعى إلى إنقاذ الاتحاد السوفياتي. وبدلاً من معالجة المقاربات المادية العملية للتحديات الاقتصادية التي تواجهها روسيا، مثل اقتراح معلمه يوري أندروبوف المعقول بالحد من الهدر وجعل النقل أكثر كفاءة عبر مساحة الاتحاد السوفايتي الشاسعة من خلال تحسين عربات ومعدات السكك الحديدية، على سبيل المثال، كانت نظرة غورباتشوف فلسفية في كثير من الأحيان، تركز على دمقرطة الحياة المدنية والسياسية من أجل إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية الديناميكية لمواطنيه.
وقد سمحت إصلاحات غورباتشوف بإطلاق العنان للقوى الخلاقة كما ينبغي -ليس فقط لتلك التي جعلت الاقتصاد أكثر إنتاجية، وإنما بدلاً من ذلك تلك التي أدت إلى ظهور الأوليغارشية في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، ثم في وقت لاحق الاقتصاد الذي هيمنت عليه النخب الأمنية والعسكرية.
على سبيل المثال، تم تصميم مرسوم غورباتشوف لمؤسسات الدولة في العام 1987 والمرسوم المتعلق بالتعاونيات في العام 1988، لإطلاق العنان لطاقات تنظيم المشاريع وتوفير قدر أكبر من الاستقلالية لكل من مديري الشركات الحكومية القائمة، ورجال الأعمال المنتجين. غير أن هذه التدابير، من الناحية العملية، وفرت هياكل تسمح بالإغارة على مخزونات الدولة من المواد الخام وقيام الوسطاء في التعاونيات بإعادة بيع السلع تامة الصنع في كثير من الأحيان بأسعار أعلى. والأسوأ من ذلك أن هذه المراسيم سمحت بإنشاء بنوك تجارية بغرض تسهيل الأعمال التجارية مع العملاء الدوليين.
وقد أعطى هذا للتعاونيات ومديري الشركات الحكومية القدرة على خلق (وغسل) الأموال، التي ترتب على الحكومة دعمها بأموال حقيقية.
وقد خلق هذا أيضا فرصًا للخصخصة الفعلية المبكرة لأصول الدولة بحكم الأمر الواقع. وبالإجمال، بدلاً من إضافة مخرجات جديدة، كانت إصلاحات غورباتشوف في الغالب سببًا في تشجيع المزيد من السرقة.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت بمثابة البنية التحتية للخدمات المصرفية الخارجية offshore banking والخصخصة التي مكنت من التغذي النهائي على جثة ما بعد الاتحاد السوفياتي خلال سنوات بوريس يلتسين.
وقد تقاطع هذا الاستخدام للشبكات المصرفية الخارجية مع التحول العالمي الأكبر الذي قادته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتحويل القيمة غير الملموسة إلى أدوات مالية لاقتصاداتها حتى تظل تنافسية في مواجهة المنافسة العالمية في مجال التصنيع.
وباستخدام أنظمة اليورو-دولار المصرفية الخارجية المصممة في الخمسينيات لتجنب الضرائب المفروضة على الشركات متعددة الجنسيات في أوروبا، تم توسيع هذه الأنظمة في أواخر السبعينيات والثمانينيات ليستغلها الأغنياء للتهرب الضريبي بشكل عام.
واستغل جهاز “الكيه. جي. بي” المتمرس في استخدام هذه الشبكات لنقل رأس المال عالميًا لمختلف المشاريع السوفياتية (على سبيل المثال، تحويل الأموال إلى الحركات الثورية، وما إلى ذلك)، استغل خبرته واستخدمها في أواخر سنوات غورباتشوف وما بعدها لتسهيل سرقة السلع السوفياتية عن طريق بيعها بالأسعار العالمية ووضع الفرق في جيوبه.
وقد عمل كل هذا لصالح نيويورك ولندن، حيث أصبحت بنوكهما هي المتلقية لهذا السيل من النقد. وتم تكليف عملاء الـ”كيه. جي. بي” في عهد غورباتشوف بمساعدة التعاونيات السوفياتية ومديري الدولة في إنشاء بنوك تجارية وحسابات خارجية. وفي عهد يلتسين، استطاع رجال الأعمال هؤلاء الذين نشأوا في سنوات غورباتشوف، التغلب على الـ”كيه. جي. بي” (العملاء) وإخراجه من المعادلة.
ولكن، في القرن الحادي والعشرين، أعاد العملاء السابقون لأجهزة الأمن تأكيد سلطتهم، واستولوا على أموال وأصول مجموعة مختارة من الأوليغارشيين، وبدأوا في استخدام هذه الثروة لإعادة بناء الجيش الروسي.
وقد صنع ذلك فوضى في النظام، حيث أدى نظام الصيرفة الخارجية الذي خدم مصالح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من خلال تصدير سلع وأموال ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى نقاط في الغرب، خالقاً في نهاية المطاف تحديات للقوة الأنجلو أميركية، والتي تجسدت في جزء منها، على سبيل المثال، في اندلاع الحرب في أوكرانيا في العام 2022.
ولكن، لم يكن في المجال الاقتصادي وحده حيث تسببت إصلاحات غورباتشوف في الفوضى.
بوصفها متحررة من عقود من سيطرة دولة متغطرسة، فككت بيريسترويكا غورباتشوف حزمة القومية التي كانت حتى ذلك الحين مُوْثقة جيداً والتي كان لينين وستالين قد احتوياها في السابق.
وعندئذٍ، أصبح القوميون في الجمهوريات يكرهون غورباتشوف بسبب محاولته إدامة الاتحاد السوفياتي، حتى لو كان اتحاداً ديمقراطيًا تتمتع جمهورياته بالحكم الذاتي.
وفي الوقت نفسه، احتقر شوفينيو “روسيا العظمى” غورباتشوف لسماحه للنظام السوفياتي بالتحلل وفشله في استخدام سلطة الدولة للحفاظ على الإمبراطورية وإبقائها متماسكة.
وكان أحد الاستثناءات البارزة في أرمينيا، حيث كانت الاحتجاجات تتسبب في فتح غير منضبط للحدود السوفياتية مع إيران. وأكدت زوجة غورباتشوف، ريسا، أن مقتل 200 متظاهر أرمني في حملة قمع أمر بها غورباتشوف تركه معذَّبًا ولم يكن هو نفسه بعدها أبدًا.
ومع ذلك، كان هذا الاستخدام المحدود للقوة في أرمينيا هو الاستثناء لرفض غورباتشوف استخدام العنف ضد المتظاهرين.
كما أن دول البلطيق لم تكن معرضة أيضاً لأي من محاولات غورباتشوف لإصلاح النظام السوفياتي.
وقد أعطتها إصلاحات غورباتشوف فرصة للبحث عن مخرج، وهي ركضت إليه.
كما استيقظ القوميون الأوكرانيون، إلى جانب القوميين الروس، في عهد غورباتشوف.
وأيد الكثيرون في الجمهوريتين، الروسية والأوكرانية، الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي لأسباب اقتصادية. لماذا؟ افترض الروس أنهم أغنياء، وأن الجمهوريات السوفياتية الطفيلية التي تستنزف ثرواتهم هي التي أعاقتهم.
وعلى نحو مماثل، وصف الأوكرانيون الاستقلال بأنه الطريق إلى الحليب والعسل.
ومن المؤكد أن “حزام الأرض السوداء” الخصب والشاسع في أوكرانيا والصناعة الهائلة في دونباس سيجعلانها غنية بمجرد تحريرها من الاتحاد السوفياتي، هكذا اعتقدوا.
وهكذا، كان المعنى الضمني لهذا هو أن المشروع القومي للقرن 19 الذي أعاقته كل من روسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي لم يبق مقيداً إلى أجل غير مسمى، وقد أفلت.
أضف إلى ذلك أن الكثيرين في الاتحاد السوفياتي اعتقدوا أنهم كانوا أغنياء حقاً، لكنَّ ثرواتهم الهائلة كانت تستولي عليها جمهوريات أخرى، وأصبح الانفصال مقنعًا، ولازماً.
لكنّ هذا يطرح السؤال: هل كان من الممكن إصلاح الاتحاد السوفياتي وإنقاذه في التسعينيات لو كانت هناك قيادة مختلفة؟ لا، على الأرجح، بالنظر إلى الظروف في ذلك الوقت. كانت القوى العاملة السوفياتية قد جُعلت حضَرية بالفعل.
لم يكن هناك جيش من الاحتياطي الريفي رخيص الكلفة للغاية من العمالة للاستفادة منه كما هو الحال في الصين.
وعلاوة على ذلك، أقنعت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية بفتح صنبور النفط من أجل خفض أسعار الطاقة، وبالتالي الضغط على قطاع الطاقة السوفياتي.
ومن دون الحصول على النقد، لم يتمكن السوفيات من تمويل فترة انتقالية بينما يقومون بالتحديث في نفس الوقت، ولا شراء التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك أيضاً.
ونظرًا لعدم قدرة الاتحاد السوفياتي على الاندماج بسرعة أكبر في الاقتصاد العالمي، والسير على خطا للصين، فإنه كان في حاجة على الأقل إلى الحفاظ على الكوميكون (1) لسنوات عديدة من أجل دخول الاقتصاد العالمي كمنتِج لسلع تتجاوز السلع الاستهلاكية.
ضغطت فرنسا من أجل إبقاء الكوميكون في كتلة ما بعد الاتحاد السوفياتي الناشئة حديثًا. لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضده، سواء لجهة زيادة انفتاح روسيا على رأس المال الأجنبي، أو الأهم من ذلك، رؤية مخزونها الضخم من الموارد الطبيعية وهو يخرج إلى الأسواق العالمية.
وقد لعب انخفاض أسعار السلع السوفياتية في الثمانينيات وما بعد السوفياتية في التسعينيات دورًا مهما في استعادة مستويات الأرباح العالمية بعد أزمة التراكم في السبعينيات.
وكان الفضاء ما بعد السوفياتي عنصرًا رئيسيًا يحول دون عودة إلى تضخم أسعار المواد الخام الذي ميز الأزمة الاقتصادية للسبعينيات.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت الولايات المتحدة حريصة على تفكيك اقتصادات الكتلة السوفياتية لتقليل خطر عودةٍ الدولة التنموية(2)، وخاصة واحدة بشخصية حمراء أو سمراء.
فيما يتصل بالصين، قدم غورباتشوف دراسة لقادتهم في كيفية عدم الإصلاح.
وقد اعتبر دنغ شياو بينغ غورباتشوف وإصلاحاته دراسة مفيدة في كيفية عدم تحويل الصين للخروج من اقتصادها الستاليني القديم.
ولكن، هل كان من الممكن أن ينجح غورباتشوف لو أنه اتجه مباشرة وعلى الفور إلى الإصلاحات الاقتصادية واستخدم قبضته لفرضها كما فعلت الصين في العام 1987 في تيانانمين؟
الجواب، في اعتقادي، هو: لا. كانت علاقات الصين الجيدة مع الولايات المتحدة شرطًا ضروريًا لتحقيق معجزتها الاقتصادية.
وقد انفتحت الولايات المتحدة على الصين في عهد نيكسون لتعميق انفصالها عن الاتحاد السوفياتي. وبعد ذلك، كانت الصين في وضع مثالي لمساعدة الولايات المتحدة على تكوين جانب العرض لديها، والتحول النيوليبرالي في الثمانينيات لمعالجة أزمة الربحية في السبعينيات.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت الصين في الثمانينيات والتسعينيات في بداية تمدنها فقط. وعمل جيشها الاحتياطي الضخم من العمال على تشجيع الشركات الغربية على نقل تصنيع السلع إلى الخارج والاستعانة بالمصادر الخارجية لإنتاجها،
الأمر الذي ساعد في تطبيق ضغوط الأجور التنازلية التي سعى إليها رأس المال في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، في الثمانينيات، كانت عملية التمدن في الاتحاد السوفياتي ناجزة.
لم تكن هناك قوة عاملة ريفية ضخمة يمكن استغلالها لجعل الاتحاد السوفياتي قادرًا على المنافسة في أسواق العمل العالمية. كانت أجور العمال السوفياتية مرتفعة للغاية وكانت منشآتها الصناعية القديمة في الغالب غير قادرة على المنافسة. وحيثما كانت الصناعات السوفياتية وصناعات حلف وارسو تنافسية، سعت الشركات الغربية متعددة الجنسيات إما إلى شرائها وتشغيلها، أو شرائها من أجل إزالة المنافسة.
وفي الوقت نفسه، استولى الأوليغارشيون الجدد في روسيا على استخراج الموارد والصناعات الثقيلة الناجية عن طريق “قرض الأسهم” في التسعينيات، وهو ما استعادته النخب الأمنية والعسكرية ببطء في عهد بوتن.
وعلى النقيض من ذلك، كانت الصين مثل صفحة بيضاء اقتصاديًا، بأجور منخفضة للغاية ودولة قوية أبقت الانضباط العمالي متماسكاً بينما تقوم بإنشاء بنية تحتية حديثة حسب الحاجة.
وعلى عكس الاتحاد السوفياتي، كانت الصين في المكان المناسب في الوقت المناسب مع الظروف العالمية المناسبة للتنمية. كانت الولايات المتحدة في حاجة إلى ما كانت الصين تملكه بالضبط، وكانت الصين تعرف ماذا تفعل بهذه الحاجة.
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، ينظر إلى غورباتشوف بغرام في الولايات المتحدة باعتباره الشخصية التي دفعت بعجلة نزع السلاح النووي، في حين تقوم بتفكيك الكتلة السوفياتية.
لكن الروس اعتقدوا بأن غورباتشوف كان ساذجًا في تعاملاته مع الولايات المتحدة. وقد استدفأ غورباتشوف واستمتع بإشادة شركائه الغربيين، ووجد فيهم ملجأ على نحو متزايد مع تدهور وضعه الداخلي.
ومع تسارع تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبح من السهل جداً، نفسيًا، الاحتماء بالثناء الذي قدمه الغرب في حين ضربت عواصف الاحتجاج بقوة متعاظمة في الوطن.
أخذ غورباتشوف زمام المبادرة للدفع بتخفيضات الأسلحة النووية قدمًا في وقت مبكر، وبالتالي فاجأ كلاً من الولايات المتحدة وشعبه على حد سواء.
ومع ذلك، قبل نظراؤه الغربيون في نهاية المطاف بعض هذه المبادرات.
ومع الإنهاء التدريجي للحرب الباردة، أصبح غورباتشوف شخصية مثيرة للاهتمام في الغرب. كما فشل غورباتشوف في نهاية المطاف كمفاوض مع نظرائه الغربيين.
وعندما أصبح في وضع يائس للحصول على المال بحلول العامين 1989-91، ذهب غورباتشوف وقبعته في يده إلى الولايات المتحدة والألمان.
ولو أنه كان قد طلب المزيد في وقت أبكر مقابل خروج قواته من حلف وارسو، لكان قد تلقى مساعدة مالية ضخمة.
لكنه عندما طلب متأخراً وبعد فوات الأوان، كان نظراؤه الغربيون، على الرغم من تعاطفهم في بعض الأحيان، غير راغبين في المساعدة لأن اللعبة كانت قد انتهت مسبقاً إلى حد كبير.
كان عدم طلبه المال إلا بعد أن كان حلف وارسو يتحلل مسبقاً قد محا أي نفوذ تبقى لدى غورباتشوف.
وفي حين كان غورباتشوف متأخرًا جدًا في التفاوض للحصول على المال والضمانات الأمنية من حلف شمال الأطلسي، فإنه كان مبكرًا جًدا في تفكيك سلطات البنك المركزي ومؤسسات الدولة التي تمول حكومته. ولكن، لم يكن مع الأجانب فقط حيث أساء غورباتشوف التعامل؛ لقد فعل ذلك في الداخل أيضاً مع بوريس يلتسين.
وقد تفوق بوريس يلتسين عليه باستمرار، إن لم يكن قد أذله. وفي الوقت نفسه، بحلول العامين 1990/91، كانت سلطة الدولة الوحيدة المتبقية لغورباتشوف هي قوات أمن الدولة، التي كان قد رفض استخدامها في المقام الأول.
لقد بدأ غورباتشوف من قيادة الدولة الوحيدة التي تنافس الولايات المتحدة في القوة. ولكن، عندما انهار صرح الدولة الفاشلة بسرعة، لم يتبق له سوى مؤسسة تحمل اسمه.
وقد حملت “مؤسسة غورباتشوف” بعض الوزن الهامشي في التسعينيات -وإنما لا شيء في الواقع بحلول القرن الحادي والعشرين.
وقد شهد العقدان الماضيان غورباتشوف صامتاً إلى حد كبير. في بضع لحظات وجيزة وجه انتقادات إلى فلاديمير بوتين، وإنما نادرًا جدًا، وتم تجاهله إلى حد كبير. وهكذا، بوفاته في 30 آب (أغسطس) 2022، كان غورباتشوف منزوياً بسلام مُسبقاً منذ سنوات عديدة.
*جيفري سومرز
الغد