أفضى اجتماع مغلق عُقد في منزل رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، في العاصمة العراقية بغداد، أول من أمس الجمعة، وجمع قيادات وممثلين عن قوى تحالف “الإطار التنسيقي”، إلى توافق حيال أهمية الحفاظ على الهدوء في الشارع العراقي، ومنع أي تصعيد مع “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر في بغداد والبصرة وباقي مدن جنوب ووسط البلاد، بالتزامن مع بدء توافد الزوار الدينيين إلى كربلاءوالنجف لإحياء “أربعينية” الإمام الحسين.
وكشف اثنان من أعضاء التحالف المدعوم من إيران، لـ”العربي الجديد”، عن كواليس الاجتماع الذي استمر أكثر من ساعتين، وبحضور غالبية قيادات “الإطار” الرئيسية، بينهم هادي العامري وفالح الفياض وعمّار الحكيم وحيدر العبادي وقيس الخزعلي وهمام حمودي. وأكد المصدران اتخاذ قرار بضرورة ترحيل الأزمة إلى ما بعد “زيارة الأربعين”، التي توافق السابع عشر من شهر سبتمبر/أيلول الحالي.
ضغط إيراني على “الإطار” لمنع الاستفزاز
وقال أحد العضوين، لـ”العربي الجديد”، إن التوجه هو لاحتواء أي تصعيد حتى لو بادر “التيار الصدري” لذلك، وعدم الرد، وتوجيه أعضاء التحالف بوقف تبادل الرد مع الصدريين عبر وسائل الإعلام، احتراماً للمناسبة الدينية ومنع تعكير أجواء الزيارة إلى كربلاء.
توجه الإطار للتهدئة ومنع أي تصعيد أو استفزاز للصدريين، كان برغبة من وسطاء إيرانيين
لكن العضو الآخر أشار إلى أن التوجه بإرجاء أي حراك لعقد جلسات برلمانية، أو الدخول بمفاوضات مع الكتل الأخرى لتشكيل الحكومة، كان برغبة من وسطاء إيرانيين موجودون في بغداد منذ اندلاع اشتباكات البصرة قبل يومين (بين عناصر من “عصائب أهل الحق” و”سرايا السلام” التابعة للصدر)، طلبوا وقف التصعيد. وأضاف المصدر ذاته أن “الوسطاء الإيرانيين غير راضين على انحدار الأزمة مجدداً نحو الشارع وسقوط قتلى بين الطرفيين الشيعيين، وأكدوا أهمية منع تمدد الأزمة أكثر، ومنح ما يمكن اعتباره فرصة من الوقت لجميع الأطراف”.
كشف المصدر أن الإيرانيين “طلبوا من الإطار التنسيقي وقف استفزاز الصدر، معتبرين أن خطوة الإطار في الإعلان عن استئناف مساعيه تشكيل الحكومة بعد قرار الصدر التنازلي الذي سحب فيه أنصاره وأنهى القتال، كان مستفزاً وغير صحيح”. وشدّد على أن التوجه خلال الاجتماع كان “تأجيل أي حراك لعقد جلسة مجلس النواب خلال الأيام المقبلة، وترك أي حديث بشأن تشكيل الحكومة إلى ما بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين للإمام الحسين، لمنع أي استفزاز أو تصعيد مع الصدر وأنصاره، الذي يمكن عودتهم للشارع في أي وقت”.
وتحدث المصدر عن حراك إيراني مقابل في اتجاه الصدر بهدف التهدئة أيضاً، كمرحلة أولى لمعاودة الحراك السياسي مجدداً نحو وساطة شاملة.
ولم يكشف المصدر عن طبيعة أو هوية الأطراف الإيرانية التي تقود الوساطة، لكنه أشار إلى أن من بينها “شخصيات دينية وازنة”. وختم بالقول إن “هذا الاتفاق يحظى بأغلبية قادة الإطار التنسيقي وليس جميعهم، فهناك تحفظ من نوري المالكي و(زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق”) قيس الخزعلي على الجزء المتعلق بمسألة وقف الحراك تجاه الكتل السياسية الأخرى تمهيداً لعقد الجلسة المقبلة للبرلمان”.
وبعد سحب الصدر أنصاره من المنطقة الخضراء وسط بغداد يوم الثلاثاء الماضي، عاود “الإطار التنسيقي” حراكه لاستئناف عمل البرلمان، والمضي في تشكيل الحكومة الجديدة، ما دلّ على تراجع فرص تحقيق أهداف اعتصامات الصدريين التي طالبت بحلّ البرلمان والتوجه نحو انتخابات مبكرة، الأمر الذي دفع الصدريين إلى التلويح بالنزول إلى الشارع مرة أخرى، لإفشال حراك قوى الإطار.
وفي هذا السياق، قال عائد الهلالي، القيادي في تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، لـ”العربي الجديد”، إن “قوى الإطار التنسيقي قّررت منع أي تصعيد مع التيار الصدري، بل هي تعمل على التهدئة وحل الخلاف والأزمة من خلال الحوار، ومنع أي استعمال للشارع في الأزمة، وهذا ما أكدته جميع الأطراف الداخلية”.
وبيّن الهلالي أن “قوى الإطار التنسيقي أجّلت فعلاً قضية عودة جلسات مجلس النواب إلى ما بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعين للإمام الحسين، من أجل تهدئة الأوضاع في الوقت الحالي، ومنع أي أحداث يمكن أن تؤثر على سير هذه الزيارة التي يشارك فيها الملايين من عموم العراق ودول العالم”.
لكن القيادي في تحالف “الفتح” أكد أن “هذا التأجيل هو مؤقت، أما بعد انتهاء الزيارة فسيكون هناك حراك مكثف لقوى الإطار التنسيقي وباقي الأطراف السياسية من أجل إعادة عمل مجلس النواب والمضي في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، ولا تراجع عن هذا الخيار إطلاقاً”. واعتبر أن “هذا هو المسار الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، وسنعمل على إشراك التيار الصدري في الحراك المرتقب”.
“التيار الصدري” غير مقتنع
ان لكن عضواً في “التيار الصدري” وصف حديث قوى “الإطار التنسيقي” عن التهدئة والعقلانية بأنه “جزء من خبث يُراد منه التصوير بأن التيار الصدري هو المعتدي وأنه هو من بدأ التصعيد”. وأضاف العضو، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في إيضاح مكتوب لـ”العربي الجديد”، ردّاً على الموضوع، أن “السؤال الأهم هو هل ستلاحق الحكومة العراقية من اغتال أعضاء التيار الصدري في البصرة، وتكشف عن الذين قتلوا المحتجين في المنطقة الخضراء، أم تترك هذا إلى ما بعد زيارة الأربعينية أيضاً؟”.
حراك إيراني باتجاه الصدر فيما تحفظ المالكي والخزعلي على وقف الحراك تجاه الكتل السياسية الأخرى
من جهته، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبين سلام، إن “قوى الإطار التنسيقي مطالبة بالتهدئة وعدم التصعيد مع التيار الصدري، بعد سحب الصدر أنصاره من المنطقة الخضراء”، محذراً من أن “أي استفزاز للتيار، سوف يكرر مشهد اقتحام مجلس النواب من جديد”.
وبيّن سلام لـ”العربي الجديد” أن “إيجاد قنوات حوار مباشرة مع التيار الصدري للتوصل إلى تفاهمات مُرضية للطرفين بات ضرورة، لمنع أي تصعيد جديد في الشارع قد يدفع إلى توسيع دائرة الصراع المسلح، وهذا أمر خطير ويهدد السلم الأهلي في عموم المدن العراقية”.
وأضاف القيادي في “الديمقراطي الكردستاني” أن “هناك صعوبة حقيقية في عودة جلسات البرلمان والمضي بتشكيل الحكومة الجديدة، من دون قبول التيار الصدري بتلك الخطوات، ولهذا فإن تأجيل قوى الإطار التنسيقي لهذه القضية في الوقت الحالي أمر مهم للتهدئة وعدم التصعيد مع الصدريين، وهذا التأجيل ربما يكون فرصة لإيجاد حلول مرضية لكل الأطراف، خصوصاً أن مساعي إيجاد الحلول مستمرة من قبل الأطراف السياسية القريبة من التيار والإطار”.
في غضون ذلك، كشفت وكالة “رويترز”، نقلاً عمن قالت إنهم نحو 20 مسؤولاً من الحكومة العراقية والتيار الصدري وفصائل موالية لإيران، أن تدخّلاً حاسماً من وراء الكواليس من المرجع الشيعي علي السيستاني، أدى إلى إنهاء حراك مناصري الصدر الثلاثاء الماضي في العراق. ونقلت عن مسؤول في الحكومة العراقية قوله “بعث السيستاني برسالة إلى الصدر مفادها أنه إذا لم يوقف العنف، فسيضطر السيستاني إلى إصدار بيان يدعو إلى وقف القتال، وهذا من شأنه أن يجعل الصدر يبدو ضعيفاً، وكأنه قد تسبب في إراقة الدماء بالعراق”. وقال مسؤول موال لإيران إنه لولا مكتب السيستاني “لما عقد مقتدى الصدر مؤتمره الصحافي” الذي أوقف القتال.
في المقابل، قال المحلل السياسي ماهر جودة، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، إن “قوى الإطار التنسيقي وصلت إلى قناعة تامة بأنه لا يمكن عقد أي جلسة للبرلمان من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، بوجود المعارضة الشديدة للتيار الصدري، الذي يمكن أن يقتحم أنصاره من جديد المنطقة الخضراء، في حال أقدم البرلمان على عودة عقد جلساته”.
وبيّن جودة أن “قوى الإطار التنسيقي ستبقى تؤجل عقد جلسات مجلس النواب وعملية تشكيل الحكومة، إلى حين الوصول إلى اتفاق مع التيار الصدري لعبور هذه الأزمة، خصوصاً أن هناك حراكاً من أطراف داخلية وخارجية تعمل من أجل حل الأزمة ومنع أي تصعيد جديد في الشارع بين الطرفين”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن “قرار المحكمة الاتحادية العليا، المرتقب يوم الأربعاء المقبل، ربما يغيّر المشهد السياسي، خصوصاً إذا كان هناك حل للبرلمان العراقي، بشكل مشروط، أي بمعنى حل البرلمان لكن بعد تعديل قانون الانتخابات وتشكيل الحكومة، أو من خلال رفض الدعوى، فأي قرار سيصدر من المحكمة ستكون له تبعات كبيرة على المشهد السياسي وتطوراته”.
وكان العراق قد شهد، الإثنين الماضي، مواجهات دامية اندلعت إثر اعتزال الصدر العمل السياسي، حيث تظاهر المئات من أنصاره داخل المنطقة الخضراء وخارجها وفي المحافظات الأخرى، واشتبكوا مع أمن “الحشد الشعبي”، ما تسبّب بمقتل العشرات من المتظاهرين وجرح المئات، وسط ارتباك أمني خطير. ثم انتقل الاشتباك، خلال اليومين الماضيين، إلى مدينة البصرة.
وتعيش البلاد أزمة هي الأطول من نوعها، إذ حالت الخلافات بين القوى السياسية دون تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
العربي الجديد