وفقا لدراسة جديدة، فإن اشتباكاً نووياً بين الهند وباكستان يمكن أن يفضي إلى مجاعة جماعية، مما يؤدي إلى مقتل المليارات من الناس.
* * *
ليس هناك شيء اسمه حرب نووية “محدودة”، هكذا تحذرنا دراسة جديدة نشرت في مجلة Nature Food بشكل عاجل.
بقيادة الدكتورة ليلي شيا من جامعة روتغرز، يخلص هذا التقرير المذهل إلى أنه يمكن حتى لتبادل محدود بالأسلحة النووية بين أي دولتين مسلحتين نوويا -باستخدام أقل من ثلاثة في المائة من مخزونات الأسلحة النووية العالمية- يمكن أن يؤدي إلى مجاعة جماعية وموت ما يصل إلى 2.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم. والأسوأ من ذلك، أنهم يقدرون أن حربًا نووية شاملة تنشب بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن تؤدي إلى أكثر من 5 مليارات وفاة.
نعم، إنك تقرأ هذا بشكل صحيح. خمسة، مليارات، وفاة. ولا يشمل هذا الرقم ملايين الأشخاص الذين سيموتون على الفور من الانفجارات، والحرائق، والإشعاع الفوري، ولا أولئك الذين سيموتون في الأيام أو الأسابيع أو السنوات اللاحقة بسبب التعرض للإشعاع.
هذه خلاصات أحدث دراسة علمية ضمن سلسلة من التقارير التي يعود تاريخها إلى ثمانينيات القرن الماضي، بالتعاون مع علماء المناخ، مثل الدكتورين آلان روبوك وبراين تون. وتؤكد دراساتهم السابقة من جديد العواقب الكارثية التي تترتب على الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية، كما توضح الحاجة الماسة إلى التخلص من الأسلحة النووية الآن.
تهيئة الأرضية
باستخدام “نموذج نظام مجتمع الأرض” (1) للتنبؤ بالمناخ، سعت شيا والمؤلفون المشاركون إلى حساب كمية السخام الحاجب للشمس الذي سيتم حقنه في الغلاف الجوي المباشر والخارجي بعد العواصف النارية التي تعقب تفجير أسلحة نووية في ظل ستة سيناريوهات مختلفة. وركزت هذه السيناريوهات إلى حد كبير على حرب نووية محتملة بين الهند وباكستان، في ما يرجع أساسا إلى أن الدراسات السابقة التي بُني عليها هذا التقرير استخدمت هذا السيناريو، مما يتيح ضبط الدقة عندما تستخدم النماذج السياق نفسه لكل سيناريو. وبالنظر إلى التاريخ الطويل من التوتر والتنافس بين البلدين، يُعتقد أن الهند وباكستان سوف تنخرطان في تبادل نووي ذات يوم على الأرجح.
استخدم المؤلفون البيانات السكانية في مجموعة بيانات سكانية من العام 2010، حيث تم تحديد عدد سكان العالم بـ6.7 مليار نسمة. ومع ذلك، يقدر عدد سكان العالم اليوم بحوالي 8 مليارات نسمة، ولذلك يغلب أن يكون عدد الوفيات أعلى مما ورد في التقرير في حالة نشوب حرب نووية.
تفريغ البيانات
إذن، ما الذي سيؤدي بالضبط إلى مليارات الوفيات؟ عندما يتم تفجير أسلحة نووية فوق المدن، فإنها تتسبب بتصاعد الدخان والسخام من العواصف النارية الناتجة. ثم يرتفع هذا الحطام عاليًا في الغلاف الجوي للأرض، وصولاً إلى الطبقة الخارجية لهذا الغلاف، ويبقى هناك لسنوات، حاجباً دفء الشمس عن الأرض.
وثمة ما هو أكثر من ذلك: لم يتم بناء النماذج المناخية المستخدمة لتضع في حسابها تأثيراً شديداً آخر: الأضرار التي تلحق بطبقة الأوزون. يخبرنا تقرير مصاحب صادر عن منظمة “أطباء دوليون لمنع الحرب النووية: (IPPNW)، بأن أشعة الشمس تقوم بتسخين السخام الذي يحجبها. وسيكون من شأن تسخين السخام (حسب أصغر تبادل نووي في النموذج) أن يدمر حوالي 25 في المائة من الأوزون، ولو أن التدمير قد يصل إلى 50-70 في المائة فوق نصف الكرة الشمالي المرتفع. وهذا يعني أن الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا وشمال آسيا، بما في ذلك أجزاء من روسيا والصين، ستكون المناطق الأكثر تأثرًا. ويزيد تلف طبقة الأوزون من تعرضنا للأشعة فوق البنفسجية، مما يؤدي إلى زيادة المشكلات الصحية المختلفة، مثل حروق الشمس، وإعتام عدسة العين والسرطانات.
مع كل أشعة الشمس المحجوبة بسحب كثيفة من السخام والرماد، سوف ينخفض إنتاج المحاصيل. وبالجمع بين البيانات المستقاة من الدراسة التي قادتها شيا والدراسات السابقة، اعتمادًا على حجم وكمية الأسلحة النووية المنفجرة، ستنخفض درجات الحرارة العالمية في أي مكان بين 1.3 درجة مئوية في الحالات الأكثر ضيقًا، إلى 6.5 درجة مئوية في الحالات الأكثر خطورة. ومن أجل السياق، يجدر التذكير بأن علماء المناخ كانوا يدقون ناقوس الخطر لسنوات من أن الارتفاع المفاجئ لدرجات الحرارة العالمية حتى بمقدار 1 درجة مئوية ستكون له عواقب وخيمة على البشرية. وإضافة إلى ذلك، كان العصر الجليدي الأخير الذي حدث أكثر برودة بحوالي 6 درجات مئوية من درجات الحرارة التي نشهدها اليوم.
بغض النظر عن السيناريو، سوف يؤدي الانخفاض الحاد في درجات الحرارة إلى تقويض إنتاج المحاصيل، وتقليل إنتاج الثروة الحيوانية والأغذية المائية بشدة نتيجة للإفراط في الاستهلاك في أعقاب نضوب المحاصيل. وفي سيناريو أصغر حرب نووية بين الهند وباكستان، سينخفض إنتاج السعرات الحرارية من المحاصيل بنسبة سبعة في المائة في غضون خمس سنوات من الصراع، وما يصل إلى 50 في المائة في السيناريو الأكبر. وستترتب على ذلك مجاعة جماعية. ولوضع الأمور في سياقها، فإن انخفاض السعرات الحرارية العالمية بنسبة سبعة في المائة فقط سيكون حدثاً غير مسبوق. وسيتجاوز هذا الانخفاض أكبر انخفاض مسجل على الإطلاق منذ أن بدأت الأمم المتحدة في تتبع هذه المعلومات في العام 1961.
مرة أخرى، سوف تكون الدول الأكثر تأثرًا بشكل مباشر هي الولايات المتحدة، وكندا، والكثير من أوروبا، وروسيا، والصين. ومع ذلك، فإن العديد من المناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق آسيا تعتمد على هذه المناطق لاستيراد المواد الغذائية منها، وبالتالي فإن الآثار ستمتد بلا شك إلى بقية العالم. ومن المثير للاهتمام أنه نظرًا لأن هذه المنطقة يمكن أن تتكيف مع كوكب أكثر قتامة وبرودة بشكل أفضل من غيرها، فإن انخفاض درجات الحرارة العالمية لن يؤثر إلى حد كبير على أستراليا ونيوزيلندا. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن هذا لا يقلل من الآثار الأخرى مثل التداعيات الإشعاعية أو استنفاد طبقة الأوزون. ومن المرجح أيضا أن تضطر أستراليا ونيوزيلندا إلى التعامل مع تدفق هائل للاجئين من آسيا وأماكن أخرى.
حجة قوية لإزالة الأسلحة النووية
بتأسيس حركة لإزالة الأسلحة النووية مستندة إلى البيانات والعلوم التجريبية، يجعل هذا التقرير الأخير من الصعب للغاية المجادلة ضد الحاجة الماسة إلى التخلص من هذه الأسلحة. سيقول النقاد إنه لن يستخدم أي زعيم لدولة مسلحة نوويًا هذه الأسلحة على الإطلاق، لذلك لا داعي للقلق بشأن الآثار التحويلية للعالم التي يمكن أن تسفر عنها حرب نووية محتملة.
وفي حين أن هذه الحجة تستند إلى افتراض خاطئ بأن كل القادة سيكونون دائماً عقلانيين وسليمي الحكم في دورهم كوكلاء للهلاك، فإن كل ما يتطلبه الأمر هو حادث أو سوء تقدير لجعل المستحيل ممكنًا. توجد الأسلحة النووية الأميركية حاليًا في حالة تأهب قصوى، مما يعني أن أمام الرئيس حوالي ست دقائق ليقرر ما إذا كان يريد شن ضربة نووية أم لا إذا كان يعتقد أن الولايات المتحدة تتعرض لهجوم. وإذا أضفنا إلى ذلك قائمة طويلة جدًا من الحوادث والوقائع التي وقعت بمرور الوقت منذ فجر العصر النووي، فمن السهل أن نرى كيف يمكن أن تبدأ حرب نووية عن طريق الخطأ.
منذ أن أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين فوق هيروشيما وناغازاكي في العام 1945، نجونا فقط بفعل ضربة حظ. وحتى يومنا هذا، لا يمكن للبنية التحتية للصحة العامة في أي بلد أن تنجو من هجوم نووي.
ومع ذلك، تواصل الدول التسع الحائزة للأسلحة النووية؛ الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل، وروسيا، وباكستان، والهند، والصين، وكوريا الشمالية، تحديث ترساناتها وزيادة مخزوناتها، على الرغم من معرفتها بأنها تحتفظ بالقدرة على تدمير الحضارة الحديثة كلها كما نعرفها.
لا وقت لدينا لإضاعته
ينبغي لهذه الدراسة الأخيرة أن تحثنا على اتخاذ إجراءات بحيث توقف الدول الحائزة للأسلحة النووية هذه المقامرة الخطيرة. يمكن لروسيا أن ترفع تعليقها لعمليات التفتيش بموجب معاهدة ستارت، نظرًا لأن سلوكها يقوض فعالية الاتفاق الوحيد المتبقي للحد من التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا. ويجب على الولايات المتحدة -وأي دول أخرى حائزة للأسلحة النووية تطبق سياسة مماثلة- أن تُخرج أسلحتها النووية من حالة التأهب على حد شعرة، حتى يكون لدى الرئيس الوقت الكافي للانخراط فعليًا في تفكير عقلاني قبل الرد على هجوم نووي محتمل والمخاطرة بنشوب حرب نووية. وسوف يكون إنهاء الانفراد بالسلطة، وتنفيذ سياسة عدم الاستخدام النووي الأول، والتركيز على بناء نظام قوي متعدد الأطراف للحد من الأسلحة، خطوات أخرى يمكن للولايات المتحدة وغيرها من الدول الحائزة للأسلحة النووية اتخاذها لتخفيف التوترات المتزايدة بين الدول النووية.
وإضافة إلى ذلك، يجب أن نصر على أن يوقع ممثلونا في الكونغرس على القرارين 2850 و1185، اللذين يدعوان الولايات المتحدة إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية (TPNW)، وهي أول معاهدة تحظر الأسلحة النووية. وعلاوة على ذلك، يدعو القرار 1185 الولايات المتحدة إلى قيادة الجهود العالمية لمنع نشوب حرب نووية. وهو أمر بالغ الأهمية، بالنظر إلى البيانات المرعبة بشأن ما يمكن أن يحدث إذا تحقق مثل هذا السيناريو.
ويتعين علينا جميعا أن نعمل على إلغاء الأسلحة النووية حتى لا يصبح أي من سيناريوهات المجاعة النووية هذه حقيقة واقعة. ولأن الأسلحة النووية لا تميز الحدود ولا تعترف بها، فإن أمننا هو مسألة ملحة جماعيا. ولن يكون أحد في مأمن حتى يتم تفكيك السلاح النووي الأخير.
الغد