لا موازنة بدون حكومة جديدة.. كيف سيتدبر العراق وضعه عام 2023 من دون إقرارها؟

لا موازنة بدون حكومة جديدة.. كيف سيتدبر العراق وضعه عام 2023 من دون إقرارها؟

يتخوف العراقيون كلما اقتربت السنة المالية الحالية 2022 من نهايتها في 31 ديسمبر/كانون الأول القادم، إذ إن العراق لم يشهد إعداد موازنة عامة للبلاد للعام الحالي بسبب عدم تشكيل الحكومة الجديدة التي يتطلب تشكيلها توافقا سياسيا بين الكتل السياسية، وهو ما لم يحدث حتى الآن بعد مرور 11 شهرا على الانتخابات التشريعية الأخيرة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ومع استمرار الانغلاق السياسي الذي يعيق تشكيل حكومة جديدة، يتجه العراق إلى عام 2023 من دون موازنة مالية التي يحتاج إعدادها من الحكومة الجديدة في حال شُكّلت لـ4 أشهر وفق خبراء اقتصاد.

حصرية – الخبير القانوني علي التميمي
الخبير القانوني علي التميمي: للحكومة سند قانوني للاستمرار بصرف الرواتب في ظل عدم إقرار الموازنة اعتمادا على آخر موازنة تم اعتمادها (الجزيرة)
رواتب الموظفين مؤمنة
وبعد موجة غضب شعبي عصفت بالبلاد إثر الحديث عن احتمالية توقف رواتب الموظفين، أكدت وزارة المالية العراقية أن رواتب الموظفين مؤمنة وأنه في حال استمرار الوضع المالي على ما هو عليه، فإن اللجوء إلى قانون الإدارة المالية سيؤمن رواتب الموظفين من خلال معادلة صرف ما قيمته 1 إلى 12 من قيمة آخر موازنة مقرة في البلاد.

وفي هذا الصدد، يقول الخبير القانوني علي التميمي إن نص المادة من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 6 لعام 2019 واضح وصريح ويتضمن “في حال تأخر إقرار الموازنة العامة للبلاد لغاية 31 يناير/كانون الثاني من السنة المالية؛ أنه يعمل وزير المالية على إصدار تعميم بالصرف بنسبة 1 على 12 من مجموع نفقات الموازنة السابقة المقرة”.

وتابع التميمي في حديثه للجزيرة نت، أن للحكومة سندا قانونيا للاستمرار بصرف الرواتب في ظل عدم إقرار الموازنة لعام 2023، حيث تعتمد موازنة عام 2021 أساسا لنسبة الصرف التي نص عليها قانون الإدارة المالية، وفق التميمي. يشار إلى أن موازنة العراق لعام 2021 بلغت 90 مليار دولار.

ويذهب في هذا المنحى مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، حيث أضاف في حديثه للجزيرة نت أن رواتب الموظفين مؤمنة وتصرف وفق الاستحقاق مع إيقاف الترفيعات لموظفي الدوائر الحكومية، لافتا إلى أن عدم إقرار الموازنة سيؤثر على المشاريع التنموية ومشاريع البنى التحتية التي كانت الحكومة تنوي الشروع بها.

جمال كوجر: يشترط الدستور العراقي أن تعمل الحكومة العراقية كاملة الصلاحية على تقديم مشروع الموازنة (الجزيرة)
الوضع الاقتصادي
ومن المخاوف الاقتصادية من عدم إقرار موازنة عامة للبلاد للعام الثاني على التوالي، يقول عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر إن العراق يشهد وضعا اقتصاديا وصفه بـ”الممتاز” نتيجة العائدات النفطية التي تعززت مع ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الماضية.

AD
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح كوجر أن العراق يمتلك قرابة 85 مليار دولار كسندات في البنك الفدرالي الأميركي، إلا أن الحكومة لا تستطيع التصرف بهذه الأموال في المشاريع الاقتصادية التنموية وفي مشاريع البنى التحتية، مرجعا ذلك لعدم وجود موازنة وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يرأسها مصطفى الكاظمي على التصرف بعائدات العراق المالية.

حلول متوقعة
وعن كيفية الخروج من هذه الإشكالية، أوضح كوجر أن العام 2022 لم يشهد حتى الآن إقرار موازنة عامة للبلاد، غير أن الحكومة استطاعت تقديم مشروع قانون للبرلمان (قانون الأمن الغذائي) والذي نقضته المحكمة الاتحادية لعدم صلاحية الحكومة تقديمه للبرلمان، ثم عملت اللجنة المالية البرلمانية على تبني هذا المشروع بعد استحصال موافقة الحكومة ليتم إقراره فيما بعد؛ والذي سمح للحكومة باستئناف العديد من المشاريع والشروع بمشاريع جديدة في البنى التحتية وغيرها.

أما عن العام القادم، فأوضح كوجر أنه في حال عدم إقرار الموازنة للعام المقبل، فإنه يمكن للبرلمان أن يتخذ ذات المسار لإقرار قوانين تتعلق بمشاريع معينة، إلا أنه بالمجمل لا يمكن للبرلمان أن يتبنى تقديم مشروع الموازنة، حيث يشترط الدستور العراقي أن تعمل الحكومة العراقية كاملة الصلاحية على تقديم مشروع الموازنة إلى البرلمان ثم يقرها الأخير ويتم التصويت على قانون الموازنة ليدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية.

صورة حصرية مرسلة من قبله – المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي – مظهر محمد صالح
المستشار الاقتصادي مظهر صالح: ليس من صلاحية الحكومة الشروع بمشاريع جديدة من دون إقرار الموازنة (الجزيرة)
توقف المشاريع
وعن أعداد المشاريع التي ستتوقف أو تلك التي كان للحكومة خطة للشروع بها، يؤكد المستشار الاقتصادي مظهر محمد صالح أن المشاريع التي كانت الحكومة قد بدأت العمل بها؛ لا إشكالية في استمرارها، حيث إن التخصيصات المالية لهذه المشاريع سبق أن تم اعتمادها مسبقا، أما فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة، فإنه لا قدرة للحكومة على الشروع بها من دون إقرار الموازنة.

من جانب آخر، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي محمد الحمداني أن المشكلة الرئيسية في عدم إقرار الموازنة لا تكمن في رواتب الموظفين التي تعد مؤمنة وفق قانون الإدارة المالية، والمشكلة الرئيسية تكمن في مشاريع البنى التحتية مثل بناء المدارس، حيث إن العراق بحاجة لبناء ما لا يقل عن 10 آلاف مدرسة، ويوجد 500 مدرسة كان من المفترض أن يتم الشروع بها خلال عامي 2022 و2023.

ليس هذا فحسب، إذ يضيف الحمداني للجزيرة نت أن مشاريع الكهرباء والطرق والجسور والمستشفيات والمراكز الصحية في الأرياف كلها لن ترى النور إلا بإقرار الموازنة العامة للبلاد، لافتا إلى أن المناطق المستعادة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية قد تكون الأكثر تأثرا، معلقا أن “عدم إقرار الموازنة سيؤدي إلى ركود اقتصادي في الأسواق العراقية. القطاع الخاص العراقي ضعيف للغاية ويعتمد في جزء كبير من نشاطه على القطاع العام الذي سيكون مشلولا”.

من جانبه، وفي نظرة أكثر تشاؤمية، يعلق الخبير الاقتصادي همام الشماع، أنه لا فرق على أرض الواقع في حال تم إقرار الموازنة من عدمه، عازيا ذلك إلى ما وصفه بحالة “الفساد المستشري” في المؤسسات الحكومية، ويرى أن الموازنات السابقة سبق أن أقرت مئات المشاريع من دون أن ترى النور، وبالتالي لن يكون هناك فرق كبير، لافتا إلى أن العراق كان قد أنفق خلال السنوات الماضية ما يقرب من 85 مليار دولار على قطاع الكهرباء من دون أن يشهد هذا القطاع أي تحسن ملحوظ.

المصدر : الجزيرة