سياسة “صفر مشاكل” التركية أصبحت حلما بعيد المنال

سياسة “صفر مشاكل” التركية أصبحت حلما بعيد المنال

قال جيمس إم دورسي، الزميل البارز في الجامعة الوطنية، معهد الشرق الأوسط في سنغافورة، إن تركيا ربما سعت إلى إصلاح العلاقات مع القوى الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، لكن سياستها الخارجية المعنونة “صفر مشاكل مع الجيران” التي تم التباهي بها ذات يوم أصبحت الآن حلماً بعيد المنال.
الآن، تحتل تركيا أراضي جيرانها في سورية والعراق وقبرص، وتنخرط في حرب كلامية مكثفة مع اليونان، زميلتها في عضوية حلف الناتو.

وقال دورسي في صحيفة “أوراسيا ريفيو” يوم الأربعاء أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد أيضا بشن عملية عسكرية ضد الأكراد في سورية، وتحويل البحر الأسود في شمال تركيا إلى منطقة حرب.
وفيما يلي نسخة كاملة من المقال:
* * *
لا تكاد مصالحة تركيا لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تفعل شيئًا يذكر لإعادة البلد إلى سياسة “صفر مشاكل مع جيراننا” التي كانت قد أُعلنت منذ أكثر من عقد.

ومما لا شك فيه أن تركيا قد نجحت، على الرغم من هشاشتها، في تخفيف حدة التوتر مع دول الخليج عندما تخلى الرئيس رجب طيب أردوغان فعليًا عن هذه السياسة التي كان قد انتهجها من خلال دعم الثورات الشعبية العربية في العام 2011 ودعم “الإخوان المسلمين”، وتقديم المساعدة لقطر خلال فترة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي قادتها السعودية للدولة الخليجية، وقيامه بتحميل السعودية المسؤولية عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول في العام 2018.

في الآونة الأخيرة، أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد أكثر من عقد من التوترات التي اندلعت في العام 2010، عندما قتلت القوات الخاصة الإسرائيلية 10 نشطاء أتراك على متن سفينة المساعدات التركية، “مافي مرمرة”، في محاولة لكسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة.

ومع ذلك، مع تصاعد المخاوف من تصعيد العنف في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، تشكل القضية الفلسطينية التي لم تُحل قنبلة موقوتة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا.

وقد أصرت تركيا على أن إعادة العلاقات مع إسرائيل لا تعني أنها تخلت عن دعمها للفلسطينيين.

لكن مشكلة تركيا تكمن في أنها حسّنت علاقاتها مع القوى الإقليمية التي لا تقع أي منها على حدودها. وعلى النقيض من ذلك، ما تزال علاقاتها مع أربعة من جيرانها الثمانية الذين تشترك معهم في الحدود البرية -العراق، وسورية، والأكراد واليونان- في حالة من الانحدار، مع بقاء شبح الصراع المسلح معلقًا في الهواء.

في الوقت نفسه، حول الغزو الروسي لأوكرانيا البحر الأسود إلى منطقة حرب.

وبالمثل، سيكون من شأن أي هجوم تركي محتمل في شمال سورية أن يخلق منطقة حرب أخرى تخاطر فيها تركيا بمحاربة المتمردين الأكراد والقوات السورية والميليشيات المدعومة من إيران.

حتى الآن، أصرت تركيا على حقها في التدخل عسكريًا مرة أخرى في شمال سورية، لكنها أوقفت شن هجوم جديد بسبب المعارضة الروسية والإيرانية.

وبدلاً من ذلك، تستكشف تركيا، برعاية روسية، طريقة مؤقتة للتعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ينتهى بزواله السياسي الذي يطالب به أردوغان منذ بداية الحرب الأهلية السورية قبل 11 عامًا.

ومع ذلك، فإن المصالحة بشروط مقبولة لدى الأسد تظل بعيدة، بالنظر إلى الفجوة الواسعة في النهجين التركي والسوري تجاه السيطرة على الجماعات الكردية وغيرها من الجماعات المتمردة في شمال سورية.

أضف إلى علاقات تركيا المتوترة مع جيرانها نزاعًا تمت إدارته بعناية حتى الآن بين تركيا وحلف شمال الأطلسي حول عضوية السويد وفنلندا في الناتو، الأمر الذي يهدد العلاقات التركية المضطربة بالفعل مع الولايات المتحدة.

تطالب تركيا دول الشمال الأوروبي بتسليم العشرات من الأكراد ومن أتباع رجل الدين المنفي، فتح الله غولن، مقابل مصادقة البرلمان التركي على عضوية السويد وفنلندا. وتحمل تركيا غولن المسؤولية عن الانقلاب العسكري الفاشل في العام 2016.

بدلا من تخفيف التوترات، كان أردوغان ورفاقه يؤججون الحرائق. وفي آخر بيان صريح، بدا وزير داخلية أردوغان، سليمان صويلو، وكأنه ينطق بلسان إيران، التي سعت لعقود إلى إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من الشرق الأوسط. واتهم صويلو “حزب الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد في تركيا، الذي يقبع زعيمه وراء القضبان بتهم الإرهاب، إلى جانب “حزب العمال الكردستاني” المحظور الذي يخوض حربًا منخفضة الحدة منذ أربعة عقود في جنوب شرق كردستان، بأنه مدعوم من الولايات المتحدة.

وكان حزب العمال الكردستاني ووزارة الدفاع التركية قد اختلفا مؤخراً حول سبب خسارة مروحية تركية من طراز “سيكورسكي” في كردستان العراق، حيث كان الجيش التركي يستهدف قواعد المتمردين الأكراد.

وتسببت العمليات التركية في توتر العلاقات مع الحكومة العراقية في بغداد. وزعم “حزب العمال الكردستاني” أنه أسقط المروحية انتقاما لقتل تركيا أحد قادته، بينما أكدت تركيا أنها تحطمت “بسبب مشاكل فنية”.

ولكي تتعقد الأمور أكثر، تخوض تركيا وإيران وإسرائيل حربًا سرية منخفضة المستوى في شمال العراق على ظهور أكراد العراق.

وقال صويلو، في إشارة إلى “حزب العمال الكردستاني” وتفرعاته في سورية وكذلك الولايات المتحدة، وإلى الوجود العسكري في الدولة التي مزقتها الحرب: “لسنا في حاجة إلى الولايات المتحدة. لسنا في حاجة لأوروبا تريدنا أن نكون مقسمين وغير مبالين بديننا وثقافتنا ومعتقداتنا… بينما نقوم بتفكيك المنظمة الإرهابية، يجب أن تعلم أننا نريد أيضًا إخراج الولايات المتحدة الأميركية من هنا”.

ولم يتضح ما إذا كان صويلو يشير إلى الاتحاد الأوروبي ككل أو السويد وفنلندا فقط، اللتين تماطلان، وفقًا لتركيا، في الاتفاقات المبرمة عشية قبول الناتو لطلب عضوية دولتي الشمال.

وعلى نفس المنوال، قال أردوغان مؤخراً، مهدداً اليونان الزميلة في حلف شمال الأطلسي بعد أن اتهمت تركيا اليونان بمضايقة الطائرات التركية في مهمة استطلاع باستخدام نظام دفاع جوي روسي الصنع من طراز إس-300: “ألقوا نظرة على التاريخ. إذا ذهبت (اليونان) إلى أبعد من ذلك، فسوف تدفع ثمناً باهظاً”.

وكان يشير بذلك على ما يبدو إلى التطهير العرقي في العام 1923، عندما أُجبر اليونانيون على مغادرة تركيا وطُرد الأتراك من اليونان فيما يوصف باختصار بـ”التبادل السكاني”.

وما يزال أولئك الموجودون في تركيا على استعداد للمخاطرة بإغضاب السيد الاستبدادي. ويمزح أردوغان قائلاً إنه لو كان رئيسًا خلال الحرب العالمية الثانية، فإن تركيا كانت ستقاتل الألمان والبريطانيين والروس جميعًا في نفس الوقت.

الغد