برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات إيجابية على إمكانية التوصل إلى حل وسط لإنهاء الأزمة السياسية في العراق، لاسيما بعد المواقف التي أعلن عنها الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة السني، لكن تحقيق التوافق يبقى رهين مدى قدرة الإطار التنسيقي والتيار الصدري على تقديم تنازلات، ومنها مسألة تمسك الإطار بمرشحه محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة المقبلة.
بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن تمسك الإطار التنسيقي بالوزير الأسبق محمد شياع السوداني مرشحا لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، لا يعدو كونه مناورة، وورقة ضغط على الأطراف المقابلة ولاسيما التيار الصدري، ستنتهي مفاعيلها بمجرد التوصل إلى حل وسط لإنهاء الأزمة السياسية.
وتوضح الأوساط أن الإطار التنسيقي يدرك أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لن يقبل بالمطلق تشكيل حكومة برئاسة السوداني الذي يعد أحد قيادات حزب الدعوة الذي يترأسه زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وأن الصدر سيكون مستعدا للعودة مجددا إلى الشارع في حال أصر قادة الإطار على هذا الخيار.
وتلفت الأوساط إلى أنه حتى وإن تم تجاهل موقف الصدر من السوداني فإن الإطار سيصطدم أيضا بمعارضة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وائتلاف السيادة السني، اللذين وإن أظهرا مؤخرا مرونة كبيرة في التعاطي مع مطالب الإطار لجهة استكمال باقي الاستحقاقات الدستورية، وتشكيل حكومة “كاملة الصلاحيات” تتولى الإشراف على انتخابات تشريعية جديدة، فإنهما ليسا بصدد الذهاب بعيدا في كسر الزعيم الشيعي.
تركي جدعان: حتى اللحظة لا يزال السوداني مرشح الإطار لرئاسة الحكومة
وجددت قيادات في الإطار التنسيقي خلال اليومين الماضيين تأكيدها على أن السوداني لا يزال مرشحها لتولي رئاسة الحكومة المقبلة.
وقال القيادي في الإطار تركي جدعان الأربعاء “حتى هذه اللحظة لا يزال محمد شياع السوداني مرشح الإطار لقيادة الحكومة المقبلة، ولم نر أي رأي مخالف من القوى السنية أو الكردية حياله، حتى اللحظة بل على العكس، أغلبها داعم لهذا الخيار”.
وأضاف جدعان في تصريحات صحافية أن “حكومة السوداني ستكون أمامها أربعة ملفات، ذات أولوية مطلقة أبرزها الملف الاقتصادي، والمتعلق بأسعار صرف الدولار، والبطالة والفقر، وإعادة إحياء قطاعات العمل لامتصاص جيوش العاطلين، بالإضافة إلى الملف الأمني بتعقيداته الكثيرة، ومنها دعم تسليح العراق بمنظومة دفاع جوي متطورة، وحسم مصير مخيم الهول السوري”.
واعتبر القيادي في الإطار أن “حكومة السوداني ستعتمد على مبدأ تصفير الأزمات من خلال السعي الحقيقي لحل كل الإشكاليات في المشهد العراقي”، مشددا على أن “الحكومة المقبلة ستكون حكومة حلول عراقية”.
وكان الإطار التنسيقي قد أعلن في معرض ترحيبه بمواقف الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة السني المؤيدة لاستكمال باقي الاستحقاقات الدستورية قبل البت في الانتخابات المبكرة، أن السوداني لا يزال مرشحه لرئاسة الوزراء.
وتترافق تصريحات الإطار بشأن استمرار التمسك بخيار السوداني، مع حديث عن نية الحليفان الكردي والسني، في طرح خيار إعادة تكيلف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في محاولة لإقناع الصدر بهذا الحل الوسط.
وكان الصدر قد عرض مؤخرا مبادرة جديدة تقوم على انسحاب الحزب الكردي والائتلاف السني من البرلمان، وتولي حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي التهيئة للانتخابات التشريعية، لكن الحليفين رفضا طلب الانسحاب، وحاولا الإمساك بالعصا من المنتصف.
ويقول مراقبون إن إعادة تكليف الكاظمي، لتولي الحكومة المقبلة قد تشكل الخيار الأنسب، حيث أنه يلقى تأييدا من التيار الصدري، كم أنه من غير المنتظر أن يجد ممانعة من إيران، لكن المعضلة تبقى في وجود فيتو من المالكي وأيضا من زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
وكان الطرفان قد وجها انتقادات حادة للكاظمي، عقب الاستحقاق التشريعي في أكتوبر الماضي، وتوالت هذه الانتقادات لرئيس الوزراء حيث يتهمه الطرفان بالتماهي مع أجندة الصدر.
ويشير المراقبون إلى أن من الخيارات المطروحة الأخرى أن يتم البحث عن شخصية على مسافة واحدة من جميع القوى، لافتين إلى أن الثابت أن السوداني لن يكون رئيس وزراء العراق المقبل.
وعمق ترشيح السوداني في يوليو الماضي الأزمة السياسية في العراق، حيث عمد الصدر إلى حشد أنصاره واقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة بغداد، وأعلنوا اعتصاما مفتوحا أمام مجلس النواب، الذي علق منذ ذلك الحين أعماله.
واندلعت بعدها بنحو شهر اشتباكات بين أنصار الصدر وميليشيات موالية للإطار التنسيقي راح ضحيتها العشرات بين قتلى جرحى، على إثر إعلان الزعيم الشيعي عن قراره اعتزال العمل السياسي.
ويقول المراقبون إن الأزمة السياسية العراقية لا تزال مفتوحة على سيناريوهات خطيرة وأشد تعقيدا، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المؤشرات الإيجابية، خصوصا على ضوء المواقف الأخيرة التي أعلن عنها كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وائتلاف السيادة السني، والذي يرجح أنها جاءت نتاج تدخلات إيرانية – تركية.
وكشف مصدر سياسي مطلع الثلاثاء عن اجتماع عقد في منزل القيادي في الإطار التنسيقي أحمد الأسدي، جمع ممثلي الكتل السياسية السنية والشيعية والكردية.
ونقلت وكالة شفق نيوز العراقية عن المصدر قوله إن “الاجتماع الذي عُقد في منزل الأسدي، ضم كلاً من محمد تميم ممثلاً عن تحالف السيادة ومثنى السامرائي ممثلا عن تحالف العزم وبنكين ريكاني ممثلاً عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وخالد شواني ممثلا عن الاتحاد الوطني الكردستاني”.
وأضاف المصدر أن “هذا الاجتماع يمثل الفريق الفني الذي اتفقت القوى السياسية على تشكيله خلال الاجتماع الثاني في القصر الحكومي، حيث بحث قضية إجراء الانتخابات المبكرة، وتعديل قانون الانتخابات، وكذلك إجراء التغييرات في المفوضية”.
الأزمة السياسية العراقية لا تزال مفتوحة على سيناريوهات خطيرة وأشد تعقيدا، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المؤشرات الإيجابية
وأشار المصدر إلى أن “خلال الأيام المقبلة، سوف تكون هناك اجتماعات جديدة لهذا الفريق، من أجل الوصول إلى تفاهم حول الفقرات المهمة التي جرى طرحها خلال الاجتماع”.
وكانت القوى السياسية العراقية قد اتفقت في جلسة الحوار الثانية، التي عقدت مطلع شهر سبتمبر الجاري، ولم يحضرها التيار الصدري، على تشكيل فريق فني من مختلف القوى لتنضيج الرؤى والأفكار المشتركة حول خارطة الطريق للحل الوطني، وتقريب وجهات النظر؛ بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، وتحقيق متطلباتها بمراجعة قانون الانتخابات، وإعادة النظر في المفوضية، وشدد المجتمعون خلال تلك الجلسة على تفعيل المؤسسات والاستحقاقات الدستورية.
وتنحصر الأزمة السياسية في العراق حاليا في تمسك قوى الإطار التنسيقي باستئناف جلسات البرلمان واستكمال الاستحقاقات الدستورية، المتمثلة في انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات، بدلا عن حكومة تصريف الأعمال الحالية. كما يصر قادة من الإطار على تعديل قانون الانتخابات الحالي الذي يحملونه مسؤولية التراجع في الانتخابات التشريعية الماضية، وتغيير مفوضية الانتخابات، قبل حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل، يتمسك التيار الصدري بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال تسعة أشهر تتولى الإشراف عليها حكومة تصريف الأعمال الحالية، ويطرح التيار شروطا إضافية من قبيل تعديل الفقرة السادسة والسبعين من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر، وتغيير قانون المحكمة الاتحادية العليا.
ويرجح أن تتكثف مساعي حلحلة الأزمة، عقب الانتهاء من مراسم إحياء أربعينية الإمام الحسين التي ستبلغ ذروتها يوم السبت المقبل في محافظة كربلاء (118 كلم جنوبي بغداد).
العرب