صمت الاتصالات في لبنان سيشل الدولة والمجتمع

صمت الاتصالات في لبنان سيشل الدولة والمجتمع

لم يضع المحللون السياسيون اللبنانيون خبر اقتحام إحدى الفتيات، الأربعاء الماضي، لمصرف تجاري في بيروت، في سياقه الصحيح. ورغم نجاح سالي في الحصول على مبلغ 20 ألف دولار من رصيدها الخاص، بعد أن أشهرت مسدساً بلاستيكياً، وهتفت “أختي تموت بالسرطان، أريد أموالي” إلا أن المسبّبات ما تزال تزداد تعقيداً. وبينما تزايدت حالات الانتحار في البلاد يحرم اللبنانيون اليوم حتى من حق الوصول إلى أرقام الطوارئ.

بيروت – تعطّل خط خدمة سيارات الإسعاف اللبناني 140 الذي يديره الصليب الأحمر اللبناني والذي يستجيب لـ560 حالة طوارئ يوميا خلال الأسبوع الواحد. والمشكلة، حسبما قال نائب أمين عام الصليب الأحمر اللبناني للدعم والتطوير نبيه جبر لرويترز، في تقرير أعدته تالا رمضان، تكمن في أن الكثيرين لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت، مضيفاً قوله إن للخطوط البديلة القائمة على الإنترنت قدرة أقل على استقبال المكالمات. وقد تواجه أيضا نفس مخاطر الانهيار بسبب نقص الوقود لتشغيل محطات شبكة اتصالات أوجيرو المملوكة للدولة.

الحكومة اللبنانية المفلسة تحاول تشغيل محطاتها الكهربائية، وجهودها تلك لم تستطع توفير أكثر من ساعة واحدة من الكهرباء يومياً للمنازل، بينما يشتري من يستطيعون تحمل التكاليف الديزل لتشغيل مولداتهم الكهربائية الخاصة.

لكن إذا فشلت كل من الخطوط العادية والمكالمات عبر الإنترنت فإن المواطنين لن يكونوا قادرين على طلب سيارة إسعاف. وقد يؤدي ذلك إلى تأخيرات كبيرة في نقل المرضى إلى المستشفيات، أو نقلهم بشكل غير آمن في سيارات مدنية. قد ينتهي الأمر بالناس إلى الموت.

وزير الاتصالات جوني قرم حذّر في وقت سابق من هذا الشهر من أن هيئة ”أوجيرو“ ستتوقف عن تقديم الخدمات في جميع أنحاء البلاد، مما يترك لبنان بلا هواتف أو خدمات الإنترنت، إذا لم تتلق الهيئة دعماً من الحكومة لاستيراد الديزل. ودخول لبنان في صمت اتصالات سيجعل 6 ملايين نسمة عاجزين عن التواصل بين بعضهم البعض، وسيتسبب بفقدانهم لوظائفهم إضافة إلى تعريضهم للخطر بسبب عدم القدرة على إنقاد أرواحهم في حالات الطوارئ.

الليرة اللبنانية كانت قد فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ العام 2019، وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 11 ضعفا، وأصبح أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
في لبنان، وعلى وقع تكاثر حالات الانتحار، تم وضع خط ساخن مخصص لمنع مثل تلك الحالات، وتوضح ميا عطوي، رئيسة جمعية إمبرايس والمؤسسة المشاركة لها، أنه مع انقطاع الخدمة من ”أوجيرو“، سوف ينقطع الخط الساخن في بعض الأحيان طوال اليوم، وتضيف ”حالياً خطنا معطل.

ولا يحصل المزيد من الأشخاص الذين يتصلون بالخط الساخن على المساعدة التي يحتاجون إليها”، والمكالمات ارتفعت منذ العام 2020 عندما حدث انفجار هائل في ميناء بيروت، بالإضافة إلى جائحة كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية.

وأشارت عطوي إلى نزوح الأطباء والممرضات بحثا عن فرص أفضل في الخارج ما سيعني أن المزيد من الناس سوف يحتاجون إلى تلك الخدمة لأنهم يواجهون الأزمة المتفاقمة ونقص خبراء الصحة.

النظام الطبي في لبنان، الذي كان من بين الأفضل في الشرق الأوسط، يعاني من انهيار متسارع، حيث تكافح المستشفيات للتعامل مع الموظفين المغادرين على رأس المشاكل المالية والنقص.

وإضافة إلى الأمراض المنتشرة بنسبها المرصودة، يعاني الكثير من اللبنانيين من الاكتئاب والإرهاق، لكن العلاج بعيد المنال مع تقلص المداخيل، وفقا لخبراء الصحة النفسية. ولكن المزيد من المتصلين ”الانتحاريين“ يطلبون من المشغلين إعادة الاتصال بهم حتى يتمكنوا من التحدث مجانا. والآن لم يعد استقبال المكالمات أو إعادة الاتصال بالناس ممكنا مع الانقطاعات المستمرة.

فزيادات الأسعار بمقدار خمسة أضعاف التي تقررت في يوليو الماضي للسماح لـ”أوجيرو“ باستيراد الوقود جعلت المكالمات الهاتفية باهظة الثمن بالنسبة إلى الكثيرين، وتبلغ تكلفة بطاقة 16 جيغابايت الآن 220 ألف ليرة لبنانية، حوالي 6 دولارات بأسعار السوق الموازية، فيما شكّل ارتفاعا من 40 ألفا، أي حوالي دولار واحد بأسعار السوق الموازية في أغسطس الماضي.

إضافة إلى التحول الإلكتروني الذي قامت به العديد من الشركات الكبرى والمتوسطة والتي تعتمد على الإنترنت في عملياتها كافة، فإن ما يقدر بنحو 230 ألف شخص يعتمدون على شبكة الجيل الثاني القديمة في لبنان، والكثير منهم من سكان الريف وكبار السن من ذوي المعرفة التكنولوجية المحدودة، وفقا لأرقام “سمكس”، وهي منظمة لبنانية تعمل على دعم المجتمعات المعلوماتية ذاتية التنظيم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأعلنت الحكومة في مايو أنها تخطط لإغلاق شبكة الجيل الثاني التي يستخدمها الأشخاص الذين لا يستطيعون شراء الهواتف الذكية للاتصال بشبكة الجيل الثالث والإنترنت الأسرع. ولكنها لم تحدد موعدا لذلك.

وكان انقطاع خدمة الاتصالات قد شلّ القطاعات الحيوية الرسمية والخاصة، بعد أن بدأ موظفو ”أوجيرو“ إضرابا مفتوحاً للمطالبة برواتبهم لشهر أغسطس، مما يعني تعليق جميع أعمال صيانة الاتصالات.

فتداعيات انقطاع الاتصالات تتسع لتتجاوز المستشفيات ممتدة إلى القطاعات المالية وفروع المصارف ومؤسسات الدولة والمحاكم التي عجزت عن إجراء تبليغات للمدعى عليهم ووكلائهم أو حتى اطلاعهم على مواعيد الجلسات والقرارات القضائية.

وحتى الأعمال التي لا ترتبط بشكل مباشر بالإعلام أو العمل الإداري مثل النقل وغيره سوف تتعرض للضرر، فهي قائمة بشكل كبير على الاتصالات والتطبيقات المجانية. ويشتكي بعض عمال النقل وصغار التجار من أنه لن تكون هناك طلبات توصيل دون خدمة الهاتف، ما يعني عدم وجود عمل.

العرب