زادت اتفاقيات إبراهيم بشكل كبير من خيارات المنطقة لمواجهة التهديدات الإيرانية، لكن الأداء السابق للتحالفات العربية يجب أن يجعل صناع السياسة حذرين بشأن توقع الكثير من التحالفات الجديدة.
تم تحضير الشهادة التالية لجلسة استماع أمام “اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومكافحة الإرهاب العالمي” بـ “مجلس النواب الأمريكي”.
لقد تغير الكثير في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين اللذين أعقبا توقيع “اتفاقيات إبراهيم” التاريخية. فقد مضت البحرين والإمارات العربية المتحدة قدماً وبسرعة وتصميم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتبّنى البلدان “سلاماً ودياً” مع الدولة اليهودية. وبالإضافة إلى الأردن ومصر والمغرب، يكون نحو ثلث الدول العربية قد اختار الآن السلام مع إسرائيل، الأمر الذي ينهي أحد المحرمات القبيحة ويخلق زخماً إقليمياً إيجابياً. وقد شجعت هذه البيئة الإقليمية المتحسنة بدورها الدول العربية الأخرى – من بينها تلك التي ليس لها علاقات دبلوماسية رسمية والتي لا تزال من الناحية المنطقية “في حالة حرب” مع إسرائيل – على التصرف بالمثل والانخراط [في اتفاقيات]، حتى لو بشكل سري.
وإحدى النتائج الواعدة لهذه الديناميكية الإقليمية الجديدة هي إمكانية توسُّع كتلة السلام هذه، المتعاظمة في حجمها والموالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لتتحول إلى تعاون استراتيجي إقليمي غير مسبوق. ولطالما كان التعاون الأمني في المنطقة مصلحة أمريكية في الشرق الأوسط، لكن الحاجة إليه أصبحت أكثر إلحاحاً مع ما يسمى بـ “التحول نحو آسيا” والطلبات المتزايدة على الجيش الأمريكي في جميع أنحاء العالم، والخطر المتزايد الذي تشكله إيران. غير أن هذا النوع من التعاون الملموس لم يصبح ممكناً إلا في الآونة الأخيرة مع توقيع “اتفاقيات إبراهيم” وانتقال إسرائيل من منطقة عمليات “القيادة المركزية الأوروبية” إلى منطقة عمليات “القيادة المركزية الأمريكية”.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، ومع انتشار التقارير عن حصول اتصالات بين كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين والعرب، احتدم النقاش في واشنطن حول تحالف استراتيجي إقليمي جديد. وفي حين يصعب معرفة مقدار التقدم المُحرز حتى الآن، إلا أن القصص المتداولة بهذا الشأن مثيرة للإعجاب.
فوفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال“، عقدت “القيادة المركزية الأمريكية” خلال شهر آذار/مارس الماضي اجتماعاً لمسؤولي الدفاع من المملكة العربية السعودية وقطر ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل في شرم الشيخ في مصر، لمناقشة التهديد الجوي الإيراني. وفي حزيران/ يونيو، ادّعى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس انعقاد ما يقرب من 150 اجتماعاً بين عناصر الدفاع الإسرائيليين ونظرائهم من دول المنطقة، “باستثناء مصر والأردن”، منذ آب/أغسطس 2019. بعد ذلك، أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله أنه “سيكون من أوائل المؤيدين لحلف مشابه للناتو في الشرق الأوسط”. وأثارت كل هذه الضجة بدورها تكهنات واسعة النطاق بأن الرئيس بايدن سيجعل هذا التعاون محور رحلته إلى الشرق الأوسط في تموز/يوليو. ومع ذلك، بينما كان موضوع الأمن مدرجاً على جدول أعمال بايدن، إلّا أنه لم يَصدر أي إعلان كبير عن إحراز تقدم على صعيد التعاون الاستراتيجي الإقليمي.
وقبل الزيارة، حدد مسؤولٌ كبير في الإدارة الأمريكية بشكل عام ما قد يبدو عليه التعاون، وانطوى على “جمع البُلدان معاً لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة، وهو أمر تتقنه الولايات المتحدة بشكل فريد، ضمن أطر جديدة تهدف إلى تسخير القدرات الأمريكية الفريدة لتمكين الشركاء من العمل معاً بشكل أوثق”. وبالفعل يُعتبر دور الولايات المتحدة هنا فائق الأهمية. ومع ذلك، فإن ما تتصوره إدارة بايدن لا يرقى إلى درجة “الناتو العربي” الذي طرحه الملك عبد الله، بل هو مبادرة تعاون استراتيجي إقليمي تدعمها الولايات المتحدة وتركز على التصدي للصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، بما يتضمنه ذلك من تبادل المعلومات المستمدة من أجهزة الرادار ودمج منظومات الدفاع الصاروخي المتعددة المستويات. ويبدو أيضاً أن هذا التعاون يشمل تدريبات ومناورات مشتركة للقوات الجوية، فضلاً عن بيع معدات إسرائيلية تشمل على وجه التحديد صفقة بيع منظومة دفاع صاروخي بقيمة 500 مليون دولار إلى المغرب. وعلى العموم، لم تظهر حتى الآن إلّا تفاصيل قليلة حول ما يسمى بـ “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط”، ومن ضمنها الدول المعنية ومستوى مشاركتها. مع ذلك، ووفقاً لوزير الدفاع الإسرائيلي، فإن “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط” جارٍ على قدم وساق و”يحبط المحاولات الإيرانية” لاستهداف المنطقة.
في الواقع، إن هذا النهج الأقل طموحاً أمراً مستحسناً. وليس بالأمرالجديد أن تساعد واشنطن على تسهيل التعاون الاستراتيجي بين الشركاء، فالولايات المتحدة تقوم بذلك في جميع أنحاء العالم، وبنجاح كبير. ولكن في الشرق الأوسط، لم تنجح الولايات المتحدة بالقدر نفسه في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين شركائها العرب. كما أن سجلّ التنسيق العسكري بين الدول العربية، دون دعم أمريكي، ليس متميزاً بالقدر نفسه. وفي حين أن الحماسة الحالية في المنطقة هي سبب لبعضللتفاؤل، تشير السوابق إلى ضرورة توخّي الواقعية عند توقع ما يمكن تحقيقه وما سيتم إنجازه.
المحاولات السابقة
تاريخياً، كانت التجارة الثنائية بين الدول العربية ضئيلة للغاية. وكذلك الأمر بالنسبة للتعاون الاستراتيجي البيني في المنطقة.
لقد نشرت جامعة الدول العربية عدداً من قوات حفظ السلام وقوات الحملات العسكرية منذ إنشائها في عام 1945. ففي عام 1976 تم إنشاء ما يسمى بـ “قوات الردع العربية” للمساعدة على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية. وفي نهاية المطاف، ما فعلته هذه القوة المكونة بشكل أساسي من قوات سورية معززة ببعض القوات السعودية والسودانية والليبية الرمزية، هو أنها سهّلت الاحتلال العسكري السوري للبنان الذي استمر لعقود. وفي عام 1982، ساهمت الدول الست الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” في “قوات درع الجزيرة”، وهي وحدة قوامها 40 ألف جندي مصممة لمواجهة التخريب الإيراني. ولكن باستثناء عام 2011 حين أُرسلت قوة لقمع انتفاضة شعبية في البحرين، لم تشهد”قوات درع الجزيرة” معارك قتالية مِن قَبل.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت سبع دول عربية إلى حد ما في عملية “عاصفة الصحراء” (1991)، عندما قام تحالفٌ بقيادة الولايات المتحدة مكوَّن من خمس وثلاثين دولة بتحرير الكويت من العراق في عهد صدام حسين. وفي أعقاب “حرب الخليج”، وافق “مجلس التعاون الخليجي” على تشكيل قوة عسكرية إقليمية تضم مصر وسوريا، ولكنها لم تبصر النور. والواقع أن “حرب الخليج” شكلت ذروة التعاون العسكري العربي، تحت مظلة أمريكية منسقة بعناية، ولم يتكرر هذا المستوى من التنسيق منذ ذلك الحين.
ومؤخراً، أنشأت الرياض تحالفاً في عام 2015 لدعم السعودية في تدخلها في اليمن في أعقاب التمرد الحوثي المدعوم من إيران. وفي حين شارك سبعة أعضاء من جامعة الدول العربية في عملية “عاصفة الحزم”، تفاوتت درجة المشاركة بين الدول، شأنها شأن الأداء في ساحة المعركة والقدرة على العمل المتبادل. وباختصار، لم تعمل القوة “بشكل مشترك”. فضلاً عن ذلك، خرجت قطر والمغرب من التحالف في عامَي 2017 و 2019 على التوالي. كما انسحبت أبو ظبي – الشريك الذي لا غنى عنه للرياض في الحملة – في عام 2019، دون موافقة السعودية وفقاً لبعض التقارير. (لا تزال الإمارات منخرطة في اليمن حالياً، ولكن ليس كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية. وفي الواقع، كان الجهد العسكري الإماراتي في أوائل عام 2022 لوقف هجوم الحوثيين في مأرب حاسماً في جلب الجماعة المدعومة من إيران إلى طاولة المفاوضات.)
ضبط التوقعات
أدى التصوّر المشترك للتهديد الإيراني إلى تغيير المقاربة المتبعة لتحقيق التعاون العسكري الإقليمي مع إسرائيل. وفي حين أن المسار الحالي للتعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والدول العربية غير مسبوق، إلّا أنه لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام بناء “تحالف” عملي فعال.
المنافسة بين العرب: إن الحديث الدائم عن العلاقات “الأخوية” لا يعني بالضرورة أن الوفاق والوئام يسودان بين الدول العربية. فبين عامَي 2017 و 2021، فرضت ست دول عربية حصاراً سياسياً واقتصادياً على قطر. وفي حين تم رأب الصدع، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة. وبالمثل، خلال السنوات الأخيرة، كانت السعودية والإمارات شريكتين استراتيجيتين في اليمن ومتنافستين في الاقتصاد. فالمملكة تسعى حالياً إلى إرغام الشركات متعددة الجنسيات على نقل مقراتها الرئيسية من دبي إلى الرياض. وفي عام 2021، أفادت بعض التقارير أن السعوديين حاولوا تقويض صفقة المياه والطاقة الشمسية بين القدس وأبوظبي وعمّان. [وبالتالي]، قد تؤدي المنافسات الإقليمية وانعدام الثقة إلى تقويض الجهود المبذولة لإقامة تعاون أمني وثيق.
التعاون العلني مقابل التعاون الهادئ: تشير استطلاعات الرأي العام والأدلة التجريبية على حد سواء إلى أن “اتفاقيات إبراهيم” ومسألة التطبيع مع إسرائيل لا تحظى بشعبية كبيرة في الخليج والشرق الأوسط إلى حد بعيد. ولهذا السبب، فضّل كلٌّ من الأردن ومصر – الشريكان الأولان لإسرائيل في السلام – تاريخياً إبقاء التعاون الدبلوماسي والاستراتيجي مع الدولة اليهودية بعيداً عن الأضواء. وتم أيضاً التعامل بسرية مع العلاقات الناشئة بين إسرائيل ودول الخليج، التي تشكلت في أعقاب “اتفاقيات أوسلو” عام 1993. وفي أعقاب “اتفاقيات إبراهيم”، أصبحت تعاملات الدول العربية مع إسرائيل أكثر علنية، لكن التحفظ لا يزال قائماً.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن الرياض ستعمل حتماً على التطبيعمع إسرائيل، إلا أن المملكة حرصت حتى الآن على سرية تعاملاتها مع القدس. وفي الشهر الماضي، أدت الخلافات الناتجة من نشر إسرائيل لمكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى إحباط مخططلفتح قنصلية إسرائيلية في الدوحة خلال كأس العالم. لذلك فإن تردد بعض الدول العربية في الإعلان عن تعاون استراتيجي قد يجعل من الصعب نشر المعدات الإسرائيلية و/أو العناصر الإسرائيليين في الدول التي لم تنضم إلى “اتفاقيات إبراهيم”. فميل المسؤولين الإسرائيليين إلى تسريب المعلومات لن يُطمئِن الدول التي ما زالت مترددة بشأن رفع الرهان.
معاداة إيران: يثير الرأي العام بشأن التطبيع مع إسرائيل مخاوف متفاوتة بين الدول العربية. غير أن هذه الدول متخوفة بالقدر نفسه، إن لم تكن أكثر تخوفاً بشأن رد فعل طهران إزاء توثيق التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل. فمنذ عام 2019، حذر كبار المسؤولين في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني دول الخليج مرراً وتكراراً من مواصلة العلاقات الأمنية مع شريكهم الجديد في السلام. ومنذ البداية، أفادت بعض التقارير أن أبوظبي سعت إلى استباق هذه التهديدات عبر الإعلان أن الإمارات العربية المتحدة لن تسمح لإسرائيل بإقامة قاعدة للطائرات العسكرية على أراضيها. ولا شك في أن إيران ستجد إشكالية في وجود أنظمة الرادار الإسرائيلية على الأراضي الإماراتية، على الرغم من أن تهديدها لا يتفوق على تهديد الطائرات المقاتلة من طراز “أف-35”. وبالنسبة للإمارات والبحرين والسعودية، سيكون السؤال الرئيسي المطروح هو: إلى أي مدى يمكنها التنسيق مع إسرائيل قبل أن ترد إيران، إما مباشرة أو عبر وكلائها. وعلى غرار الإمارات، ترتبط قطر وسلطنة عُمان أيضاً بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مهمة مع إيران، وقد يتبين أنهما أكثر حذراً بشأن اتخاذ خطوات مع إسرائيل قد تثير استعداءطهران.
ما الذي يجب مشاركته؟ ومع من؟ يعتبر التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وشركائها العرب تطوراً إيجابياً. ومن المؤكد أن تبادل المعلومات الاستخباراتية سيؤدي إلى تحسين أمن الدول الإقليمية المهددة من قبل إيران ووكلائها. ولكن في الوقت نفسه، يتمتع بعضٌ من أفضل شركاء إسرائيل المحتملين في المنطقة بعلاقات وثيقة بشكل متزايد مع الصين. وإذا تم نشر المعدات الإسرائيلية – التي تم تطوير بعضها بصورة مشتركة مع الولايات المتحدة – في الخارج، فسيتعين اتخاذ تدابير معينة لضمان عدم اختراق التكنولوجيا. كما أن بعض الدول العربية التي تأمل إسرائيل في تعزيز التعاون الاستراتيجي معها في مواجهة إيران تقود حالياً جهوداً تهدف إلى مساعدة طهران على التخلص من العقوبات الأمريكية.
الخاتمة
تتمتع الشراكة الأمنية الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية بإمكانيات كبيرة لمساعدة أصدقاء واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط على التصدي بشكل أفضل للتهديد المتزايد من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، ولكن هذه الشراكة لا تزال في مراحلها الأولى. وفي حين أن تبادل المعلومات الاستخباراتية قد يتوسع في نهاية المطاف ليشمل مجموعات أخرى من التهديدات، بما في ذلك تحديات مكافحة الإرهاب على الأرض التي يطرحها وكلاء إيران، إلّا أنه من الصعب التخيل أن يتخذ هذا التعاون نهجاً حركياً استباقياً. وفي الواقع، نظراً لتفاوت درجات تحمّل التهديدات في جميع أنحاء المنطقة، تبدو العمليات الجوية البرية المنسقة والاستباقية غير مرجحة. ومع ذلك، فإن هذا التعاون يتطور، على الرغم من أنه يمثل تحسناً كبيراً عما كانت عليه المنطقة قبل عامين.
ومع ذلك، من المهم وضع توقعات معقولة بشأن حدود التعاون الاستراتيجي. ففي حين أن الدول العربية الشريكة هي في أحسن الأحوال دول غير ديمقراطية، إن لم تكن استبدادية، إلا أنها ما زالت تولي بعض الاعتبار للرأي العام. فضلاً عن ذلك، لا تزال قدرات الكثير من هذه الدول العربية محدودة، في حين تفتقر إسرائيل إلى القدرات الكافية في مجال التزود بالوقود جواً والذخائر الجوية لتنفيذ مهام معينة ضد إيران. وفي هذا الصدد، لا يعتبر “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط” الدواء الشافي، على الرغم من فائدته.
وتشكل البنية الاستراتيجية الجديدة التي أصبحت ممكنة بفضل “اتفاقيات إبراهيم” عنصراً مهماً في تقاسم الأعباء، لكنها ليست خطة بديلة يمكن اللجوء إليها عندما تصل إيران حقاً إلى العتبة النووية. وحتى لو حقق التعاون الاستراتيجي في المنطقة كامل طاقاته في التصدي لتحدي الصواريخ والطائرات المسيرة، ستبقى الولايات المتحدة الحليف الذي لا غنى عنه لشركائها الإقليميين في مواجهة التهديد النووي الإيراني.
ديفيد شينكر
معهد واشنطن