مصطفى الكاظمي: القوى السياسية في العراق فتية على قيم الديمقراطية والصدر أخطأ التقدير

مصطفى الكاظمي: القوى السياسية في العراق فتية على قيم الديمقراطية والصدر أخطأ التقدير

قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق مصطفى الكاظمي الخروج عن تحفظه لناحية إبداء موقفه من الأزمة السياسية في العراق التي قاربت العام، ولا تزال تراوح مكانها، مع استمرار الخلافات بين الفرقاء الشيعة.

بغداد – حمّل رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق مصطفى الكاظمي القوى السياسية مجتمعة مسؤولية الأزمة التي تشهدها البلاد، مشيرا إلى أن التيار الصدري كان الأحق بتشكيل حكومة جديدة، لكنه أخطأ التقدير حينما قرر الانسحاب من البرلمان.

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الكاظمي عن وجهة نظره في الأزمة السياسية التي تشكلت بعد انتخابات أكتوبر من العام الماضي، حيث كان يتجنب في السابق إظهار أيّ موقف قد يفسر على أنه لصالح طرف ضد آخر، خصوصا وأن قيادات في الإطار التنسيقي تتهمه بالتماهي مع أجندة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

وبدا أن قرار الكاظمي التعبير صراحة عن موقفه من الأزمة يعود إلى قناعته بأنه لا إمكانية لإعادة التجديد له لرئاسة الوزراء، مع إصرار الإطار التنسيقي على المضي قدما بمرشحه محمد شياع السوداني للمنصب، أو في الحد الأقصى استبداله بشخصية سياسية قريبة منه.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية في حوار مطول أجرته معه صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية إن “الأطراف السياسية لم تتعامل بحكمة وعقلانية (مع الأزمة)، والسبب هو عدم الرضوخ للقانون. لدينا دستور وقوانين وتوقيتات دستورية واضحة جدا، ولكن لم يتم الالتزام بها للأسف”.

مصطفى الكاظمي يرى بأن مقتدى الصدر أخطأ في انسحابه من البرلمان ما أتاح الفرصة أمام منافسيه ليملأوا الفراغ

وأوضح أن سبب الأزمة هو أن “الكثير من القوى السياسية لا تؤمن بالقيم الحقيقية للديمقراطية، بل هم يؤمنون بالمال والسلطة فقط. قيم الديمقراطية جديدة على البلد، وبالتالي هذه القيم غريبة على الطبقة السياسية وبعيدة عن سلوكهم”.

ويعيش العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر الماضي على وقع أزمة خانقة جراء خلافات بين التيار الصدري الذي كان فاز في الاستحقاق وخصومه في الإطار التنسيقي حول إدارة العملية السياسية، إلى جانب غياب التوافق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حيال منصب رئيس الجمهورية.

وكادت الأزمة تنزلق بالعراق إلى ما لا يحمد عقباه عقب قيام أنصار التيار الصدري الذين كانوا معتصمين أمام البرلمان باقتحام مقر الحكومة في أغسطس الماضي.

وذكر الكاظمي أن البلاد كادت تنجر إلى حرب أهلية إثر المواجهات الدامية في المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد بين مناصري التيار الصدري من جهة، والقوات الأمنية والفصائل المسلحة من جهة أخرى.

وأضاف “نعم كنا على حافة حرب أهلية، ولكن الحكومة عملت بكل حكمة وتدبير كي لا ننجرّ إلى ذلك”، مضيفا أن “رهان الطرفين كان أن تكون الحكومة مع طرف، ولكنني أخذت القرار ألّا أكون طرفا”.

وعن هدف أنصار التيار الصدري يوم التاسع والعشرين من أغسطس الماضي، قال الكاظمي “كان هناك، في ذلك اليوم، فوضى لدى جميع الأطراف المتورطة. كان لدى الطرفين قرارات مبنية على معطيات خاطئة جرتهم إلى ساحة المواجهة”.

وأشار إلى أن كل الأطراف حاولت أن تستعرض عضلاتها، وحاولت بعض الأطراف أن تعبر عن غضبها، ولكنها أخطأت في اختيار طريقة التعبير عنها، مبينا أن “البدايات كانت عفوية، وقد نجحنا في إخراج المتظاهرين من القصر الحكومي بشكل سلمي، وكان المتظاهرون مصممين على الخروج من البرلمان أيضا، ولكن تطوّرت الأمور بين الطرفين فجأة وانتهى الأمر بينهما إلى مواجهة مسلحة خطيرة. ولهذا أؤكد دائما على ضرورة ترسيخ قيم الديمقراطية والالتزام بآليات الدولة المدنية الحديثة واستخدام دبلوماسية الحوار والتفاهم وفق منطق الدولة المدنية الحديثة”.

وبشأن تحرك التيار الصدري وما إذا كان انقلابا أو رغبة في عزل قيادات سياسية من خلال مواجهات المنطقة الخضراء، قال الكاظمي “لم تكن هناك نية انقلاب او ما شابه ذلك أبدا. كان هناك غضب شعبي تم التعبير عنه أحيانا بطرق غير سليمة، وقد صاحب ذلك أيضا استخدام غير مقبول للسلاح والعنف، وفي النهاية أخطأ كلا الطرفين التقدير وتورطا بإراقة الدماء”.

ولفت إلى أن “تصريحات عدد من القادة السياسيين ساهمت في تصعيد الموقف وفي إشعال فتيل العنف بين الطرفين… هناك في الحقيقة حرب نفسية قوية تجري بين الطرفين، يجب أن يكون القادة السياسيون على حذر منه”.

وحول الاتهامات الموجهة إليه بشأن السماح لأنصار الصدر بالدخول إلى المنطقة الخضراء، أوضح الكاظمي “لم أسمح لهم، بل وقفت القوات الأمنية بتوجيه مني بكل قوة أمامهم وقد قدمت قواتنا العديد من الجرحى لمنعهم من الدخول واقتحام مؤسسات الدولة”.

واستدرك بالقول “لكن زخم المتظاهرين كان كبيرا ولم تستطع القوات الأمنية إيقافهم، وكنت قد وجهت لهم بعدم استخدام الرصاص الحي في كل الأحوال منعا من الانجرار إلى العنف، ولكن بعض القوى ما زالت تؤمن باستخدام الأساليب الدكتاتورية للعنف والقمع، ويريدون مني إطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين، وهذا أمر مرفوض ويتعارض تماما مع إيماني بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعالم المتحضر”.

الكاظمي يدعو جميع الأطراف السياسية إلى أن تجتمع وتضع آليات إجراء الانتخابات، مع توفير المتطلبات القانونية والإدارية والمالية لإجراء الاستحقاق

وفيما يتعلق بإيقاف الصدر للمواجهة الدامية، أوضح رئيس الوزراء العراقي أن ضغوطا من مختلف الجهات ساهمت في الأمر. كما أن مشاهد إراقة الدماء والضحايا أيضا والتداعيات المحتملة لذلك على المشهد العراقي المتأزم من الأساس أدت بالصدر أيضا إلى قرار الانسحاب.

وقال الكاظمي إن الجميع اليوم متفقون على الانتخابات المبكرة. فالانتخابات الأخيرة رغم نزاهتها العالية المشهود لها من مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية الأخرى التي شاركت بمراقبتها، لم تؤد إلى تشكيل حكومة بسبب فشل القوى السياسية من الاتفاق، والتكالب على السلطة على حساب المواطن وحركة بناء البلد. وعليه، كما هو في جميع الأنظمة البرلمانية الأخرى، يجب أن تكون هناك انتخابات أخرى لحل الأزمة السياسية.

ودعا الكاظمي جميع الأطراف السياسية إلى أن تجتمع وتضع آليات إجراء الانتخابات، مع توفير المتطلبات القانونية والإدارية والمالية لإجراء الاستحقاق.

وتبنّى رئيس الحكومة رؤية رئيس الجمهورية برهم صالح في أن البلد في حاجة ماسة إلى الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، وترسيخ ثقافة القيم الديمقراطية من احترام الدستور وتوقيتاته ونتائج الانتخابات والتعامل معها بعقلانية بعيدا عن الازدواجية في النظر إليها، حيث يقبلون بنتائجها حين تؤدي إلى فوزهم ويرفضون ذلك حين تؤدي إلى خسارتهم.

ولفت الكاظمي إلى أن الصدر قد حصل على أكثر المقاعد في الانتخابات الأخيرة، وطبعا يجب أن تتاح له الفرصة في تشكيل الحكومة، ولكن في نفس الوقت على الصدر البحث عن شركاء آخرين ليتمكن من تشكيل الحكومة.

واعتبر أن الصّدر أخطأ في قراره بالانسحاب من البرلمان ما أتاح الفرصة أمام منافسيه لأن يملأوا فراغه ويتحولوا إلى أكبر كتلة في البرلمان.

وأعرب عن أمله في أن يفضي الحوار الوطني إلى نتيجة بمشاركة جميع الأطراف، في إشارة إلى التيار الصدري الذي كان قاطع جلستي الحوار الماضيتين. وقال الكاظمي “نعمل على تفعيل أدوات الحوار بكل إمكانياتنا، وبهدوء تام بعيدا عن الاستفزاز وكسر الإرادات”.

العرب