تشريع الإنتاج يحسن أوضاع مزارعي القنب الهندي في المغرب

تشريع الإنتاج يحسن أوضاع مزارعي القنب الهندي في المغرب

كتامة (المغرب) – ينتظر مزارعو القنب الهندي بفارغ الصبر منحهم تراخيص تمنحهم الصك القانوني للإنتاج وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، بعد سنوات من العمل المهمش الذي رأت السلطات أنه من الضروري تقنينه.

وتغطي نبتة القنب الهندي حقول قرية أزيلا، الواقعة عند سفح جبل تدغين بمنطقة الريف شمال المغرب، الجاهزة للحصاد، حيث يستخرج منها مخدر الحشيشة، في انتظار أن يدخل تقنينها لاستعمالات مشروعة حيز التنفيذ.

وتقول المزارعة سعاد (اسم مستعار) “لا نزال متشبثين بهذه الزراعة، رغم أنها لم تعد توفر لنا شيئا”.

وتضيف مستاءة “لم يعد يرغب فيها أحد”، حيث يواجه القنب الهندي المزروع في المغرب منافسة نظيره الذي يزرع في أوروبا على الخصوص، ويعتبر أجود.

مشروع التقنين يهدف إلى محاربة مهربي المخدرات والتموضع في السوق العالمي للاستعمالات المشروعة للنبتة الخضراء

وتأسف الأرملة الستينية التي لا تزال تساعد أبناءها في حرث الحقل العائلي على “سنوات الرخاء، اليوم نعيش في ظروف صعبة”. لكنها تعلق آمالا عريضة على تقنين هذه الزراعة للخروج من الهشاشة.

وتبنى المغرب العام الماضي قانونا يبيح زراعة القنب الهندي لاستعمالات صناعية وطبية، بينما تعمل السلطات في نفس الوقت على تضييق المنافذ على التجارة المربحة لتهريب الحشيشة نحو أوروبا خصوصا.

ولا يزال مشروع التقنين المعقد في خطواته الأولى، لكنه يحمل هدفا طموحا يتمثل في محاربة مهربي المخدرات والتموضع في السوق العالمي للاستعمالات المشروعة للنبتة الخضراء.

وتؤكد السلطات المغربية أن القانون يهدف إلى تحسين دخل المزارعين وحمايتهم من مهربي المخدرات، الذين يسيطرون على تجارة القنب ويصدرونه بشكل غير قانوني إلى أوروبا.

ويمثل تقنين زراعة القنب الهندي واستعماله في أغراض طبية وصناعية، فرصة للمزارعين المحليين لمزاولة نشاطهم في العلن ودون خطر الملاحقات القانونية، كما من شأنه أن يخلق دينامية اقتصادية، لن ترتبط فقط بالزراعة، بل وأيضا بالصناعة المرتبطة بهذه النبتة، وهو ما سيجلب استثمارات هامة وواعدة في مجال صناعة الأدوية، ستساعد على خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة لأبناء المناطق الشمالية من المغرب.

وتسعى الحكومة أيضا إلى إنماء منطقة الريف الجبلية الهامشية اقتصاديا، التي ظلت معقلا لزراعة القنب الهندي منذ قرون، حتى عندما منعت هذه الزراعة قانونيا منذ 1954، لكن السلطات ظلت تغض الطرف عنها. ويعيش منها نحو نصف مليون شخص، وفق تقديرات رسمية.

وشهد سوق القنب الهندي في الفترة الأخيرة “انهيارا حادا، لم يبق لنا سوى السجن”، كما يقول المزارع كريم (اسم مستعار) ساخرا.

ولم يتمكن هذا المزارع من استغلال سوى جزء صغير من الحقل العائلي في قرية أزيلا هذا العام، “بسبب ضعف الطلب والجفاف” الاستثنائي الذي ضرب المغرب.

وتراجعت المداخيل السنوية لزراعة القنب الهندي من حوالي 500 مليون يورو بداية سنوات الألفين إلى أقل من 325 مليون يورو في العام 2020، وفق دراسة لوزارة الداخلية نشرت العام الماضي.

ويرى المزارعون أنفسهم “الحلقة الأضعف” في سلسلة هذه التجارة غير القانونية، كما يقول مزارع أربعيني يبدو الإنهاك على محياه، مضيفا “نحن من يؤدي الثمن، لكن التقنين يمكن أن يكون مخرجا بالنسبة إلينا”.

فبالإضافة إلى خطر الملاحقة القضائية والسجن، لا يجني المزارعون سوى قرابة “4 في المئة من رقم تعاملات السوق غير القانونية”، بينما يتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى حوالي “12 في المئة في السوق القانونية”، بحسب تقديرات رسمية نشرت في 2021.

وترى سعاد هي الأخرى في التقنين طوق نجاة، موضحة “سيكون أمرا جيدا إذا كانوا جادين”، لكن آثار التقنين لم تظهر بعد في الميدان.

ويقول المزارع نورالدين (اسم مستعار) “لم يتغير أي شيء إلى حدود الساعة بالنسبة إلينا، لا نزال نعتبر خارج القانون أو مجرمين، رغم أننا لسنا سوى مزارعين”.

وتؤكد السلطات على طمأنة المزارعين. ويقول مصدر رسمي في الرباط “يمكن أن تكون هناك مخاوف لدى المزارعين، لكن التقنين سيبددها وسيكون مفيدا بالنسبة لهم”.

والثلاثاء، أعلنت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي منح عشرة تراخيص، “لممارسة أنشطة تحويل وتصنيع القنب الهندي، وكذلك تسويق وتصدير منتجاته لأغراض طبية وصيدلية وصناعية”.

وذكرت الوكالة أنها ستشرع في الترخيص للمزارعين بأقاليم الحسيمة وشفشاون وتاونات لممارسة نشاط زراعة وإنتاج القنب في إطار تعاونيات فلاحية. وسيتم منح الرخص للمزارعين بشكل تدريجي، بناء على الاحتياجات التي يعبّر عنها الفاعلون الصناعيون المرخص لهم.

وقد بدأت هذه الهيئة الرسمية العمل في يونيو، وهي التي تشرف على مراقبة كل حلقات السلسلة من الإنتاج إلى التصنيع. وتعتقد السلطات أن من “المهم عدم التسرع”، مؤكدة أن هناك “مراحل يجب احترامها”، بحسب ما أوضح مصدر رسمي.

وبناء على الحاجيات المرتقبة للمستثمرين الذين يتم الترخيص لهم، سوف تتسلم الوكالة محاصيل القنب الهندي من المزارعين الذين يتوجب عليهم أن يؤسسوا تعاونيات.

ولا يجب أن تتجاوز المحاصيل القانونية “حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية”، وفق نص القانون.

وسيطبق القانون في ثلاث محافظات بشمال البلاد اشتهرت تاريخيا بزراعة القنب الهندي. وبلغت مساحتها العام 2019 حوالي 55 ألف هكتار، وفق أرقام رسمية.

وفي انتظار ذلك يعمل نشطاء المجتمع المدني في المنطقة على شرح الجوانب التقنية للمشروع للمزارعين. ويقول الناشط المحلي سفيان زحلاف إن هذه “الوساطة معقدة لأسباب مسطرية، لكن إذا عملت السلطات على مقاربة تدمج الجميع ستتحقق أشياء جميلة”.

العرب