على غير عادته، التزم حزب الله الصمت تجاه رفض إسرائيل للتعديلات التي اقترحتها الحكومة اللبنانية على مسودة الاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ما اعتبره محللون مؤشرا على قبول الحزب بما تم التوصل إليه والمضي قدما في توقيع الاتفاق، إذ أن التعديلات لا تمس من جوهره بل كانت جس نبض لتحقيق المزيد من المكاسب.
بيروت – وصفت مصادر سياسية صمت حزب الله عن رفض إسرائيل لتعديلات اقترحها لبنان على مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية بالضوء الأخضر لمضي الحكومة اللبنانية في توقيع الاتفاق، إذ أن مسودة الاتفاق دون التعديلات تلبي مطالبه وتخدمه داخليا.
وقالت المصادر إن حزب الله دأب على التصعيد مع إسرائيل والتلويح كلما كانت نتائج مفاوضات الحكومة اللبنانية مع تل أبيب لا تلبي مصالحه الداخلية والخارجية، إلا أن صمته عن التعليق على الرفض الإسرائيلي للتعديلات اللبنانية المقترحة على مسودة الاتفاق التي باركها مؤشر على قبوله بصفقة التسوية.
وأضافت المصادر أنه في وقت أوعز فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إلى الجيش بالاستعداد لأي توتر محتمل مع حزب الله حال فشل مفاوضات ترسيم الحدود، اختار الحزب الانكفاء ومراقبة تطور المفاوضات دون حملة مضادة للتصعيد والابتعاد عن أي تصريحات استفزازية تجاه تل أبيب على غير العادة.
جبران باسيل: اتفاق الترسيم عادل والتعديلات لا تمس من جوهره
ويرى مراقبون أن انكفاء حزب الله عن المرحلة الدقيقة من المفاوضات وترك الحكومة اللبنانية تدير الملف يؤشر على قبول ما تم التوصل إليه إلى حد الآن، وأن التعديلات المقترحة التي رفضتها تل أبيب لا تغير من جوهر الاتفاق.
ويأتي انكفاء حزب الله عن الساحة تزامنا مع ضغوط تقودها الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية من أجل التراجع عن التعديلات والتعجيل بتوقيع الاتفاق مع إسرائيل قبل انتخابات نوفمبر المقبل، والتي قد تنتج وصول حكومة أكثر تشددا تجاه ترسيم الحدود إلى السلطة يقودها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو المعارض بشدة لما يصفه بـ”تنازلات” في اتفاق الترسيم المحتمل.
ويرى نتنياهو، المنافس الرئيسي للابيد، أن الاتفاق قد ينطوي على تنازل عن الحقوق البحرية الإسرائيلية ويصب في مصلحة حزب الله.
والخميس جدد نتنياهو، الذي يبدو أنه لم يطلع على المقترح الأميركي، التأكيد على أن الحكومة المتشددة التي يأمل في تشكيلها مع حلفائه في اليمين المتشدد واليهود المتدينين لن تكون ملزمة بأي اتفاق بحري مع لبنان.
وقال وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هورويتز لهيئة البث الإسرائيلية الجمعة “أعتقد بأن هناك فرصة لتوقيع الاتفاق مع لبنان قبل الانتخابات، فكلا البلدين لديهما مصلحة كبيرة في هذا الاتفاق”.
وأضاف “لدى كلا البلدين جدول زمني سياسي يزيد من احتمال حدوث ذلك في المستقبل القريب جدا. العمل على الاتفاق مستمر”.
ويأمل سياسيون لبنانيون في أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها.
ومن شأن الاتفاق أن يجلب أرباحا للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلص من أزمته الاقتصادية.
ووفق الاتفاق البحري المحتمل ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق البحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة.
وكشف ليئور شيلات مدير عام وزارة الطاقة الإسرائيلية الجمعة أن أرباح الغاز الطبيعي من الخزان الواقع في منطقة الخلاف مع لبنان تقدر بحوالي 3 مليارات دولار.
ونقلت مواقع إسرائيلية عن المسؤول الإسرائيلي أن المبلغ المتوقع الحصول عليه من خزان الغاز الطبيعي في منطقة الخلاف بين لبنان وإسرائيل يقدر بثلاثة مليارات دولار، والمفترض أن تحصل تل أبيب على نسبة 17 في المئة فقط.
وأوضح شيلات أن أرباح هذا الموقع أو خزان الغاز الطبيعي في البحر المتوسط ستقسم أرباحه بين شركة توتال الفرنسية ولبنان وإسرائيل.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن السبب الرئيسي وراء رفض إسرائيل لملاحظات الجانب اللبناني يعود إلى مطالبته بتغييرات جوهرية بشأن “خط العوامات”، الذي تعتبره إسرائيل حدودا دولية، مشيرين إلى أن تل أبيب قد قامت بتثبيت هذا الخط البالغ طوله 3 أميال بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي أحادي الجانب من لبنان، صيف العام 2000.
وتبدي الأوساط السياسية الإسرائيلية تفاؤلا بإبرام اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ولكنها تحذر من تغيير في النص الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل ولبنان.
وحظيت مسودة الاتفاق، التي لم يتم الإعلان عن تفاصيلها، بترحيب مبدئي من جانب الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية. ولكن تحت ضغط معارضة داخلية من الجانبين طلب لبنان الثلاثاء من المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين عدة تعديلات.
ليئور شيلات: البلدان لديهما مصلحة كبيرة في توقيع الاتفاق
ويقول رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل (حليف حزب الله) إن “اتفاق الترسيم عادل بالنسبة إلى لبنان والتعديلات المطروحة مهما كان تصنيفها لا تمس من جوهره لكن بديله الحرب”.
وفي وقت سابق الخميس، صرح رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بأن ترسيم الحدود مع إسرائيل على مشارف الإنجاز، معتبرا أنه عبر ذلك “نتفادى حربا أكيدة في المنطقة”.
وتلقت إسرائيل الأسبوع الماضي صيغة اتفاق نهائي من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
وانطلقت المفاوضات بين لبنان وإسرائيل في العام 2020، ثم توقفت في مايو 2021 جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها، بعد مطالبة لبنان بتعديل الخارطة التي استخدمتها الأمم المتحدة خلال المحادثات، وقال إنها استندت إلى تقديرات خاطئة.
وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات بين الجانبين لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومترا مربعا تُعرف حدودها بالخط 23، بناء على خارطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة.
لكن لبنان اعتبر لاحقا أن الخارطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعا إضافية تشمل أجزاء من حقل كاريش وتُعرف بالخط 29.
وتسارعت منذ مطلع يونيو التطورات المرتبطة بالملف بعد توقف لأشهر، إثر وصول سفينة إنتاج وتخزين على مقربة من حقل كاريش تمهيدا لبدء استخراج الغاز منه. وتعتبر بيروت أن الحقل يقع في منطقة متنازع عليها، في حين تقول إسرائيل إنه ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة.
العرب