الحل الأخير.. حوار برعاية أممية قبل فرض الوصاية على العراق

الحل الأخير.. حوار برعاية أممية قبل فرض الوصاية على العراق

مخاوف عديدة أثارتها المبعوثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارت مؤخراً، لناحية أنها تشكل تمهيدا لفرض الوصاية الدولية على البلاد، إلا أن الاتجاه الحقيقي يذهب إلى الإعلان عن مبادرة حوار ثالثة تحت إشراف الأمم المتحدة لعرض مقترحات حلول للخروج من الأزمة.

بغداد – أشارت المبعوثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارت خلال إحاطتها لمجلس الأمن إلى أن هناك حلولا للأزمة السياسية في البلاد بالفعل، ولكن ينقصها توفر الإرادة بين الأطراف السياسية المتنازعة.

وسارع مقتدى الصدر زعيم “التيار الصدري” إلى الإعلان عن دعمه للحوار، على الرغم من أنه وضع شروطا لذلك، من قبيل أن يكون الحوار علنيا، وأن يتخذ إجراءات لملاحقة الفاسدين.

كما أعلنت جماعات “الإطار التنسيقي” عدولها عن اللجوء إلى الشارع وقبولها بالعودة إلى طاولة الحوار. وبرغم أنها رفضت الشروط المسبقة للحوار، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه أنه لا حكومة من دون مشاركة “التيار الصدري”. وهو ما يشكل إشارة أولى مهمة على التراجع عن فرض حكومة برئاسة محمد شياع السوداني، برضا الصدر أو عدم رضاه، كما كانت تزمع القيام به.

ما يمكن أن يقبله الفرقاء
هناك تنسيق مستمر بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وبين بلاسخارت حول ما يمكن لأطراف النزاع القبول به، وما يمكن للأمم المتحدة أن تفرض تسوية فيه.

لا توافق محتملا بين الإطار التنسيقي الذي يصر على استئناف جلسات البرلمان والتيار الصدري الذي يصر على حلّه

وتشير الأرضية الراهنة إلى أنه لا سبيل إلى التوافق بين طرفي الأزمة الرئيسيين لو تُرك الأمر لهما وحدهما. فجماعات الإطار التنسيقي تصر على استئناف جلسات البرلمان وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات، وتعديل قانون الانتخابات. بينما يصر التيار الصدري على حل البرلمان، وبقاء قانون الانتخابات كما هو، وبقاء حكومة الكاظمي لمدة تسعة أشهر، وتعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون بعيدة عن نظام المحاصصة الذي تشكلت المحكمة بموجبه.

إلا أن ذلك ليس بالضرورة هو الصورة النهائية للوضع. فقضايا الخلاف تشير إلى أن هناك نقاطا يمكن العثور على تسويات بشأنها.

ونقطة التوافق الرئيسية هي إجراء انتخابات مبكرة جديدة. وهو ما يعني أن الحاجة تقتصر على رسم خارطة الطريق إليها.

سبعة مسارات
ويقول مراقبون إنه من خلال قراءة المواقف المختلفة، فإن جدولا محتملا للتسويات يمكن أن يتخذ المسارات التالية: أولها، هل ستكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات أم حكومة تصريف أعمال؟ والبديل هو حكومة مصغرة تستمر بالعمل لعام واحد غير قابل للتمديد، تكون وظيفتها الرئيسية تسيير الشؤون الرئيسية العامة، ومنها إقرار ميزانية هذا العام، والإعداد لإجراء انتخابات عامة جديدة في غضون أكتوبر من العام المقبل.

وثاني المسارات يطرح السؤال حول حكومة محاصصة طائفية أم حكومة مستقلين؟ وهنا يكون البديل المحتمل رئيس وزراء مستقل، على غرار الكاظمي، يترأس حكومة كفاءات وطنية، على أن يقوم كل طرف من الأطراف الرئيسية بتسمية مرشحين لما كان من حصته، على أن يترك للأطراف الأخرى شطب غير المقبول منها.

أما المسار الثالث فيمكن أن يكون استئناف عمل البرلمان أو حله. والبديل هو أن يستأنف البرلمان عمله، لتمديد عمل رئيس الجمهورية، وانتخاب رئيس جديد للحكومة، مع إمكانية بقاء الكاظمي في منصبه، وذلك طالما أن مدة عمل الحكومة لن تزيد عن عام واحد، ما يجعل الاختلاف حول اسم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء زائدا عن الحاجة. ولكن الأمر يمكن أن يُترك للتوافق بين الأطراف المعنية. ما يعني أن يتم سحب ترشيح محمد شياع السوداني لحساب شخصية مستقلة أخرى. بينما يتوافق الأكراد على مرشح بديل للرئيس برهم صالح.

وهناك مسار رابع يتمثل في بقاء قانون الانتخابات أو تغييره، والبديل هو إجراء إصلاحات على القانون في بعض المواضع غير الرئيسية، لاسيما وأن القانون الحالي كان واحدا من مطالب التظاهرات التشرينية ما يجعل إلغاءه أو تغييره أو العودة إلى القانون السابق موضوعا لاحتجاجات جديدة.

أما المسار الخامس فيحتم تغيير قانون المحكمة الاتحادية أو يطرح بقاءه. والبديل هو بقاء القانون الحالي إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، لكي لا تتم زيادة الأعباء على برلمان مؤقت. وفي المسار السادس يتوجب إعادة تعريف “الأكثرية”، وإزالة الغموض الراهن من التعريف، بحيث يتم التوافق على أن “الأكثرية” هي “أكثرية وطنية”. وهي تعني ما يمكن لأي طرف أن يجمعه من التحالفات التي تحصل على أغلبية النصف زائدا واحدا. وهو مسار رضيت به جماعات الإطار التنسيقي عندما قررت إنشاء “تحالف إدارة الدولة” باستبعاد التيار الصدري منه. وهو ما يُلغي من الناحية الفعلية مبدأ “الحكومة التوافقية” الذي ظلت جماعات الإطار التنسيقي تتمسك به، والقائم على فكرة أن “الأكثرية” الوحيدة المؤهلة لقيادة الحكومة هي الأكثرية الطائفية.

الحوار المزمع في جولته الثالثة لن يكون بالضرورة علنيا، كما يطالب الصدر، بينما يريده الكاظمي وبلاسخارت إطارا عمليا للتسويات

وأخيراً يأتي المسار السابع المتجسد في السبيل إلى مكافحة الفساد، والبديل هو أن يتم تحديد إطار عام للرقابة البرلمانية على مجالات الإنفاق الحكومي والتعاقدات والمشاريع وإخضاعها لتحقيقات الهيئة المستقلة للنزاهة، وإعادة تشكيل هذه الهيئة بما يضمن نزاهة عضويتها من تأثيرات ونفوذ الأحزاب. ويعني ذلك ضمنيا الاتفاق على أسس ومعايير وأدوات الرقابة وإرجاء البحث في الملاحقات والمحاكمات، التي قد تعني في الظروف الراهنة محاولات لتصفية الحسابات السياسية بين الأطراف المتنازعة.

ويقول المراقبون إن مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة تملك تصورا واضحا للخطوط العريضة التي يمكن عرضها على الحوار المزمع. كما أنها تعرف جيدا حجم المسافة التي تفصل بين الطرفين المتنازعين وحالة انعدام الثقة في ما بينهما، وتعتبر أن التنازع يمكن أن يتخذ مسارا إيجابيا إذا ما تم وضعه على أسس تدعم الإصلاحات السياسية والقانونية، وإذا ما أمكن الحد من احتمالات الصدام المسلح التي تهدد بتخريب كل المسارات.

حالة انعدام للثقة
التصور السائد هو أن استمرار الوضع الحالي لم يعد محتملا. وهو ما أكدته بلاسخارت في إحاطتها أمام مجلس الأمن بالقول إن “خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق”.

وأظهرت بلاسخارت تفهما واضحا للمشكلة الرئيسية التي أدت إلى الوضع الراهن بالقول إن “النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي. ويمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيساً للاختلال الوظيفي في العراق. ولا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه”.

والحوار المزمع في جولته الثالثة لن يكون بالضرورة علنيا، كما يطالب الصدر، خشية من أن تتحول الجولة إلى منبر خطابات واتهامات، بينما يريدها الكاظمي وبلاسخارت إطارا عمليا للتوصل إلى تسويات حول ما يمكن عمله لوضع خارطة طريق متفق عليها للوصول إلى إجراء انتخابات جديدة.

أما فرض الوصاية على العراق فإنه ما يزال احتمالا ممكنا، ولكنه مشروط بثلاثة متغيرات متلازمة؛ الأول، فشل الحوار مجددا. وثانيا، اندلاع مواجهات مسلحة بين الأطراف المتنازعة. وثالثا، توقف صادرات النفط.

العرب