بينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحتفل بعيد ميلاده السبعين ليلة السبت، وصلته أنباء جديدة عن النكسات التي تلحق بقواته في أوكرانيا، وآخرها تفجير جسر مضيق كيرتش الذي يصل روسيا بشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمها بوتين قبل سنوات، يضاف إلى ذلك ظهور أصوات في روسيا نفسها ترفض الاستمرار في الحرب وحملات التجنيد الإجباري والتعبئة. غير أن بوتين يبدو مصمماً على المضي قدما في ما اعتبرته فرنسا “هروبا إلى الأمام”.
باريس – لم يقدّم الرئيس الروسي أي سيناريو للخروج من الحرب، ما بين استحالة الدخول في مفاوضات في الوقت الحاضر، والتلويح باستخدام السلاح النووي، ومع ضم مناطق أوكرانية وتعبئة مئات الآلاف من الروس وخطاب الكرملين المتوعد، تقول الباحثة ماري دومولان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إننا نبتعد عن الحل أكثر مما نقترب منه”.
وحذرت الولايات المتحدة من “حرب نهاية العالم” في حال استخدام السلاح النووي، متسائلة حول الخيارات المتاحة للرئيس الروسي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس “كيف سيجد بوتين مخرجا؟ كيف يتموضع بحيث يحفظ ماء الوجه ولا يخسر جزءا كبيرا من سلطته في روسيا؟”، وهي أسئلة تتردد في جميع العواصم الغربية التي تسعى لفهم أهداف بوتين وتبحث عن وسيلة لوقف الحرب.
أما رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين فأعلنت وعلى غرار جميع دول أوروبا الشرقية رفضها لأي مساومة مع بوتين، مضيفة قولها إن “المخرج الوحيد من هذا النزاع هو أن تخرج روسيا من أوكرانيا”. غير أن الانسحاب الروسي غير مطروح.
وليس من الوارد في الوضع الراهن الدخول في أي مفاوضات سلام، والمستقبل يُحسَم بالفعل على الجبهة العسكرية، حيث استعادت أوكرانيا المبادرة على وقع هجمات مضادة، كان أحدثها ما كشفت عنه لجنة التحقيق الروسية، التي أمر بوتين بتشكيلها، من تفاصيل حول تفجير جسر شبه جزيرة القرم، والذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص في هجوم بشاحنة مفخخة ليست مسجلة. وأفادت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب بأنه تم تفجير شاحنة على جسر القرم فجر السبت، ما أدى إلى اشتعال النيران في عدد من صهاريج الوقود في قطار كان يسير عبر الجسر.
فيما أعلنت وكالة “تاس” عن توقف حركة القطارات بين روسيا وشبه جزيرة القرم حتى الحادي والثلاثين أكتوبر. وقالت وزارة الطوارئ الروسية إنها تمكنت من إخماد حريق اندلع في قطار على جسر القرم نتيجة الانفجار في مضيق كيرتش.
الحرب لن تنتهي بمعاهدة سلام
جو بايدن: كيف سيجد بوتين مخرجا؟ كيف يتموضع بحيث يحفظ ماء الوجه ولا يخسر جزءا كبيرا من سلطته في روسيا؟
وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس في مقابلة أجرتها معه صحف من أوروبا الشرقية “ما زلنا في زمن حرب”، بعدما دعا لفترة طويلة إلى التفاوض واُتهم باعتماد موقف مهادن حيال روسيا.
لكنه أضاف أن الحرب “لن تنتهي بمعاهدة سلام، بل في التوقيت والشروط التي يختارها الأوكرانيون”، ولو أن باريس تردد أن الخروج من الحرب يجب أن يأخذ أيضا بالضرورات الأمنية الأوروبية.
في المقابل، اعتبرت دومولان العائدة من أوكرانيا أن الأوكرانيين “لن يتوقفوا قبل استعادة أراضيهم وإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا”، مقرّة في الوقت نفسه بأنها تجهل “في أي وقت يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي”، وما إذا كانت استعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لا تزال مطروحة.
وفيما وصفه دبلوماسيون بأنه “دبّ جريح”، ما يزيد من خطورته، يبقى من المستحيل كشف نوايا بوتين ولا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن اعتبار “ابتزازه النووي” جديا.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي مؤخرا “اليوم هو في وضع صعب، هناك حرب لا يتمكن من الانتصار فيها، فما الذي يمكن أن يرضيه؟ لا ردّ لدينا. لكن التصعيد العمودي يبقى خطرا ماثلا. لا يمكن لدكتاتور أن يخسر حربا، لأنه إن خسر فهذا يعني موته”. ويحض عدد من المحللين أوروبا والولايات المتحدة على عدم الرضوخ لـ”الابتزاز النووي” الذي يمارسه بوتين ومواصلة دعم أوكرانيا بحزم.
وكتب المؤرخ الأميركي تيموثي سنايدر على موقعه الإلكتروني أن الرئيس الروسي “يخسر الحرب التقليدية التي شنّها. وهو يأمل أن تردع تلميحاته إلى الأسلحة النووية الديمقراطيات عن تسليم أسلحة إلى أوكرانيا وتسمح له بكسب بعض الوقت لإبطاء الهجوم الأوكراني”.
كذلك اعتبر الباحث جوريس فون بلاديل في مذكرة للمعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الدولية أن “روسيا تحاول كسب الوقت على أمل أن تنهار الدول الأوروبية أمامها”.
ويبدو أن كافة المخارج الممكنة تقود إلى انهيار نظام بوتين، وفقاً للباحثين، وهم يستندون إلى إشارات استياء ظهرت مؤخرا في صفوف النخب الروسية حيال الهزائم في أوكرانيا، ولاسيما الانتقادات اللاذعة التي صدرت عن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف ومؤسس مجموعة فاغنر شبه العسكرية القريبة من الكرملين إيفغيني بريغوجين.
كما انتقد عدد من المسؤولين والمشرفين على الدعاية الروسية حملة التعبئة الجزئية التي دفعت عشرات الآلاف من الروس إلى الفرار من البلاد، معتبرين أنها كانت فوضوية واعتباطية.
كافة المخارج الممكنة تقود إلى انهيار نظام بوتين وفقا للباحثين، وهم يستندون إلى استياء النخب الروسية من الهزائم المتكررة
وأشارت الباحثة في معهد كارنيغي تاتيانا ستانوفايا إلى أن النخب الروسية خلافا لبوتين لا تعتبر أن أوكرانيا تطرح “مشكلة وجودية” لروسيا. وكتبت في مجلة “فورين بوليسي” هذا الأسبوع أن “المسألة الجوهرية تكمن في معرفة ما إذا كانت النخب الروسية والمجتمع عموما مهيّأة للحاق به في رحلته إلى الجحيم، أم أن بوتين فتح الطريق لسقوطه بنفسه بتصعيد رهانه الكارثي في أوكرانيا”.
وأوردت صحيفة واشنطن بوست الجمعة أن أحد أفراد الدائرة المقربة من بوتين عبر له صراحة عن عدم موافقته على قيادة الحرب في أوكرانيا، غير أن مصادر في أجهزة الاستخبارات لفتت، ردّا على أسئلة الصحيفة، إلى عدم وجود مؤشرات على مخاطر بإطاحة النظام.
وقالت ماري دومولان في هذا الصدد “يجب ألا نعتبر تمنياتنا واقعا”، مشددة على أن التوترات بين “الفصائل داخل النظام” لا تطال الرئيس الروسي نفسه. وختمت “لا أحد يعلم متى سيحصل ذلك، ووفق أي سيناريو، ومن سيأتي بعد بوتين”.
العرب