منذ عام 2003 يعيش العراق على وقع أزمات سياسية غيبت في طياتها جميع التوافقات بين الكتل التي يتشكل منها النظام السياسي.
مساء الإثنين الماضي، انتقدت مبعوثة الأمم المتحدةللعراق جينين بلاسخارت خلال جلسة إحاطة بمجلس الأمن، الطبقة السياسية وفشلها في إدارة البلاد، مشيرة إلى أن الفساد ينخر جميع مفاصل الدولة.
وجددت بلاسخارت دعوتها القادة العراقيين إلى أهمية الشروع في مسار نحو تحقيق الاستقرار السياسي، مؤكدة أن الوقت قد حان لأن ينخرطوا في حوار ويحددوا بشكل جماعي احتياجات البلاد الأساسية ويبعدوا بها عن حافة الهاوية.
تتزامن تلك الانتقادات مع قرب انطلاق تظاهرات جديدة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بعد مرور سنة على إجراء الانتخابات التي طالب بها المتظاهرون في أكتوبر 2019 وعدم تشكيل الحكومة الجديدة.
لا حل إلا بالحوار
توقع السياسي المستقل محمود الحياني عودة التيار الصدري إلى الحوار بعد الإحاطة التي قدمتها بلاسخارت إلى مجلس الأمن الدولي حول العراق.
وقال الحياني في تصريح صحافي إن “بلاسخارت شخصت خلال إحاطتها غياب التيار الصدري عن الحوار الذي حصل برعاية رئيس الوزراء ما يلزمه العودة إلى الحوار”.
وأضاف أن “طرح بلاسخارت في الإحاطة لا يعتبر فرض الإرادة من المجتمع الدولي، لكنه يعد رسائل إلى القوى السياسية بأنه لا يوجد حل سوى الحوار”.
وأشار إلى أن “المجتمع الدولي يرى ضرورة تشكيل حكومة خلال المرحلة، خصوصاً في ظل استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا ولا يرغب بحصول صدام مسلح داخل البلاد”، مؤكداً أنه “في حال حصول صدام سيتم فرض الوصاية على العراق ضمن البند السابع، وهذا الأمر لا يرغب به الشعب العراقي ولا القوى السياسية”.
أزمات وتحديات
بدوره، أكد الباحث السياسي صالح لفتة أن النظام السياسي العراقي الحالي منذ تشكيل العملية السياسية مر بأزمات وتحديات كادت تنسفه، لكنه قاوم واستطاع عبور التحديات.
وقال إن “جميع من يشارك بهذه العملية حتى من يدعي المعارضة لا يريد لهذا النظام أن ينهار على الرغم من أنه مليء بالمشكلات والأزمات، من فساد ومحاصصة وخطاب طائفي تحتاج لمعالجة، لكن حتى في ظل بقاء وتفشي المشكلات المذكورة فإنها لا يمكنها تعجيل سقوطه من الأساس، بل تبقيه مريضاً وتطيل معاناته لأطول فترة ممكنة”.
ويرى لفتة أن هناك “أطرافاً دولية خارجية ترغب في بقاء العراق مفككاً وضعيفاً اقتصادياً وعسكرياً لا يشكل أي تهديد على جيرانه، وسوقاً لتصريف منتجات تلك الدول”، إضافة إلى “قوى سياسية داخلية مستفيدة من بقاء الوضع كما هو عليه لتسهل تقاسم خيرات البلاد الكثيرة وذهابها لجيوب نخبة معينة، وعدم وجود محاسبة تهدد المكاسب التي يحصلون عليها”.
وشدد على أن هناك حاجة ملحة لتخفيف الأزمات وإبعاد العراق عن حافة الهاوية، ولا حل إلا بالعودة للالتزام بالدستور، وتحكيم القانون بحق كل فاسد أو طائفي أو مجرم من دون تمييز.
وأشار إلى أنه على الرغم من المحاولات الكثيرة لإنقاذ النظام السياسي، لكنها ضعيفة غير مجدية، لأن الآليات التي تطالب بالإصلاح إما ضعيفة من دون قيادة يسهل سرقة مكتسباتها وخطابها وشعاراتها من قبل الأحزاب الحاكمة أو أن الدعوات تطلق ممن هم سبب في وصول النظام السياسي العراقي لهذه الحال، ولا يمكن أن يكون من هو سبب المشكلة طرفاً في الحل.
فريق غير منسجم
لكن يبقى السؤال، هل بات النظام السياسي العراقي بعد 2003 على حافة الهاوية؟ يشير الباحث السياسي نبيل جبار التميمي إلى أن “القوى السياسية تلعب اليوم بفريق سياسي غير منسجم ومتعدد الجنسيات، وفي دقائق الشوط الإضافي الثاني، على الرغم من النتيجة السلبية أمام فريق الشعب العراقي”.
وأضاف التميمي أنه “بعد خمس دورات انتخابية وما يقارب العقدين من الحكم، ما زالت المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والخدمية سلبية، وانتقلت القوى السياسية من صراعات المكونات والمذهبية والقومية إلى صراع مركب آخر يتضمن إضافة صراع البيوتات المكوناتية تهدف إلى السيطرة على السلطة.
ولفت إلى انحسار تأثير الخطاب السياسي إلى مستويات منخفضة، وهذا ما قد تثبته نسب المشاركة في كل انتخابات، حيث انخفضت من 70 في المئة إلى مستويات 35 في المئة سنة 2022، وتشير التوقعات إلى انحسارها أكثر فأكثر إذا ما استمر الحال على ما هو عليه من سوء إدارة وتفشي للفساد.
وأوضح التميمي “عادة ما يتأمل العراقيون، وإن كان تطلع وأمل سلبي، إلى أن يقترب حدث يسهم بإزاحة الطبقة السياسية بالكامل، عن طريق انقلاب عسكري، أو تظاهرة غاضبة، أو حتى تدخل دولي على غرار ما حدث في 2003، وهو مؤشر خطر نلتمس خلاله دخول هذا النظام إلى مرحلة الشيخوخة، ونفاد العقد الاجتماعي بين السلطة والشعب”.
اندبندت عربي