منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، في أكتوبر من العام الماضي، والعراقيون ينتظرون أن ترى النور حكومة جديدة تطرح موازنة تنهي حالة الشلل السياسي الذي يهدّد بحرمان بلدهم من مشاريع بنى تحتية وفرص إصلاح هو في أمسّ الحاجة إليها.
جرس الإنذار
جنين بلاسخارت: لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه
مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى سنوات من التمويل الثابت من الحكومة، كما يرى يسار المالكي الخبير الاقتصادي في “ميدل إيست إيكونوميك سيرفيس”، مضيفاً قوله إن “الوضع السياسي تسبّب باضطراب كبير زاد في إضعاف موقف العراق، الهش أصلا، أمام مستثمريه”، موضحاً أن “الأزمة السياسية أضيفت إلى مخاوف أخرى قائمة منذ زمن، لاسيما الأمنية والفساد”.
فالخلافات السياسية لم يجر حسمها بعد بين المعسكرين الشيعيين البارزين، التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلاً تمثّل الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل مسلحة موالية لإيران باتت منضوية في أجهزة الدولة.
وبلغت الأزمة السياسية في العراق كل ما يمكن أن تصل إليه من مستويات التوتر، حتى اندلعت في 29 أغسطس أعمال عنف في بغداد بين مقاتلين من التيار الصدري من جهة والقوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي من جهة ثانية، راح ضحيتها نحو 30 من مناصري الصدر.
واعتبرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت أمام جلسة لمجلس الأمن مؤخراً أن تلك الأحداث كان يفترض أن تمثّل “جرس إنذار”، مضيفةً أن “الوضع لا يزال شديد التقلب”.
وتابعت بلاسخارت “لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه”.
البنك الدولي يقدّر نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4 في المئة سنوياً بين 2022 و2024، لكنه يظل محفوفاً بالمخاطر
وفي حين قدّر البنك الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4 في المئة في المتوسط سنوياً بين عامي 2022 و2024، إلا أن “توقعات الاقتصاد الكلي تحيطها درجة كبيرة من المخاطر نظراً للاعتماد الكبير على النفط، واستمرار أوجه الجمود في الموازنة، والتأخير في تشكيل الحكومة الجديدة”، كما ورد في تقرير للبنك صدر في
يونيو الماضي.
وينفق العراق اليوم، نتيجة غياب موازنة، على أساس قانون الإدارة المالية الاتحادي، أي ما أنفق في الموازنة السابقة مقسّماً على 12 شهراً، لا يعكس واقع الإيرادات التي حققتها البلاد في 2022.
لكن “هذه ميزانيات الحدّ الأدنى، تماثل الماضي وليس الحاضر أو المستقبل وتنعدم فيها فرص النمو الاقتصادي، وتحرم العراق من مشاريع إستراتيجية كبيرة”، وفق المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر صالح الذي يضيف ”نضيّع فرصًا كبيرة، فرص الاستثمار بمشاريع مهمة وإستراتيجية ومخطط لها”.
فقراء يملكون المليارات
وقّع العراق عقداً الصيف الماضي مع شركة “توتال إنرجي” الفرنسية، ينضوي على مشاريع عديدة لاسيما في مجال استغلال الغاز المصاحب والطاقة الشمسية، بقيمة عشرة مليارات دولار يموّل جزئياً من الحكومة العراقية، ولا يزال في بداياته.
وتعمل الحكومة العراقية بجد في تسريع العمل فيها ورفع العقبات أمامها. إلا أن مشاريع أخرى تسير “بوتيرة بطيئة” في قطاع النفط، ومع “غياب حكومة بصلاحيات كاملة، وزارة النفط لا تستطيع أن تموّل وتوقّع وتمنح عقوداً لهذه المشاريع الأساسية”، كما يشرح المالكي.
فالبرلمان العراقي ولتلبية النفقات الطارئة شرّع قانون الدعم الطارئ في يونيو الماضي بقيمة 25 تريليون دينار، ما سمح بسدّ حاجات طارئة للسكان وشراء حبوب لضمان “الأمن الغذائي”، لكن أيضاً ضمان شراء الطاقة والكهرباء من الخارج.
مظهر صالح: ميزانيات الحدّ الأدنى تنعدم فيها فرص النمو الاقتصادي
وعند استقالته من منصبه كوزير مالية في أغسطس، لم يتوان علي علاوي، صاحب المشروع الاقتصادي الإصلاحي الذي لم يتحوّل تماماً إلى واقع ملموس، عن تحديد المشكلة بصراحة تامة.
وقد كتب في رسالة استقالته “كل خطط وبرامج الحكومة مقيّدة دائماً بالحاجة إلى الحصول على اتفاق واسع من طبقة سياسية ممزقة”، مبيّناً أن “كل دعوات الإصلاح جرت إعاقتها بسبب الإطار السياسي لهذا البلد”.
ولم تتحسّن كثيراً حياة أمين سلمان الذي كان بين المتظاهرين في الذكرى الثالثة لانتفاضة تشرين 2019 غير المسبوقة، التي خرجت ضدّ النظام والفساد، على الرغم من كل تلك العائدات النفطية الهائلة.
ويقول سلمان إن “البلد يمرّ بأزمة سياسية وهذه الأزمة السياسية تؤثر على الناس. الناس كلهم متعبون”، وهو لا يتقاضى سوى 400 ألف دينار، مبلغ بالكاد يغطي قوته اليومي، أما ولداه، فعاطلان عن العمل.
ويضيف الرجل الذي تقاعد مؤخراً من الجيش العراقي إن “العراق فيه المليارات، فيه أموال وفيه ذهب، لكن السياسيين لا تهمهم سوى أحزابهم وجيوبهم”.
ومع اقتراب العام 2023 دون موازنة، سيكون على السلطات إما تشريع قانون جديد مماثل للأمن الغذائي أو الاستمرار بالصرف على أساس الـ12 شهراً، أي “تقليص الإنفاق مرة جديدة”، كما يشرح يسار المالكي، فمن بين كل عشرة شباب يوجد الآن أربعة عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة، فيما ثلث السكان الـ42 مليوناً، هم تحت خط الفقر.
صحيفة العرب