تواجه الحكومة التونسية تحديات كبيرة، في ظل عجز واضح عن التعامل معها، ما يدفع نحو إمكانية كبيرة لتغييرها أو إجراء تعدل حكومي موسع يشمل الفريق الاقتصادي. ويرى مراقبون أن مسألة التغيير الحكومي باتت أمرا لا مفر منه، لكن تحديد موعده يبقى رهين جملة من العناصر بينها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
تونس – أبدى الرئيس التونسي قيس سعيد خلال اللقاء الدوري الذي جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن، تذمرا حيال بطء استجابة الحكومة في معالجة الأزمات التي تشهدها البلاد، والتي باتت مثار احتقان شعبي متزايد.
ويخشى الرئيس التونسي من انعكاسات الأزمة الاقتصادية، التي باتت تهدد بالخصم من رصيده الشعبي، في ظل وجود قوى تتربص به في الداخل، وتسعى لاستثمار أيّ أزمة من أجل ضرب صورته لدى الشارع.
وللمرة الأولى يظهر الرئيس التونسي حالة من عدم الرضا على تمشي الحكومة، ما يوحي بأنه بات يفكر جديا في إجراء تعديل واسع عليها، سيشمل في حال تحقق الفريق الاقتصادي.
وبحسب بلاغ لرئاسة الجمهورية، دعا الرئيس التونسي خلال استقباله رئيسة الحكومة في قصر قرطاج، إلى ضرورة الاستعداد الجيّد وفي الوقت المناسب، تحسبّا لأيّ أزمات مرتقبة سواء كانت حقيقية أو مفتعلة، قد تمّس احتياجات المواطنين.
وأكد الرئيس سعيد على “ضرورة ترشيد النفقات ومواجهة كل التجاوزات مهما كان مأتاها لأن أموال المجموعة الوطنية يجب أن تُصرف بكل شفافية في ما رُصِدت له، وعلى المسؤولين في الإدارة مهما اختلفت درجات مسؤولياتهم أن يكونوا قدوة للحفاظ على أموال المجموعة الوطنية وممتلكاتها”، فيما بدا إشارة إلى استخدام موظفين حكوميين سيارات إدارية لحضور اجتماعات حزبية.
◙ عدم خروج رئيسة الحكومة نجلاء بودن وتقديم إيضاحات للرأي العام بشأن ما تمر به البلاد، يعد خطأ اتصاليا فادحا
ويرى مراقبون أن التوجيهات التي تقدم بها الرئيس إلى حكومة بودن، لاسيما فيما يتعلق بالتحرك “في الوقت المناسب”، تبدو وكأنها محاولة لمنحها فرصة لتدارك الوضع والتحرك بفاعلية أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية التي باتت تلقي بظلالها على شريحة واسعة من المواطنين.
ويشير المراقبون إلى أن سعيد بالتأكيد يرصد ردود فعل الشارع التونسي، والتي باتت ترفض بشكل واضح استمرار النهج الحالي للحكومة. وتشهد تونس منذ أشهر أزمات متواترة، آخرها أزمة شح في البنزين لا تزال مستمرة لليوم الرابع على التوالي، بعد نفاد مخزون محطات الوقود، إلى جانب نقص حادّ في عدد من المواد الغذائية الأساسية، مثل الحليب والسكر، والزيت، فضلا عن الارتفاع الحاد في الأسعار.
ورغم تأكيد الحكومة، على أنها بصدد حل أزمة الوقود الاثنين، لكن لا يزال الكثير من التونسيين يقفون في طوابير أمام محطات البنزين. وتثير هذه الأزمات حالة كبيرة من الإحباط بات يتحول إلى احتقان، في غياب أيّ بوادر ملموسة لانفراجة قريبة.
وفيما يحصر الرئيس سعيّد سبب الأزمة الحالية في المضاربين في السوق السوداء والخصوم السياسيين، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن ذلك يعود إلى شح السيولة والأزمة المالية التي تسببت في نقص ورادات العديد من السلع الحيوية.
اقرأ أيضا: عندما يكرّس قيس سعيد مشروعه السياسي
ويرى متابعون للشأن التونسي أن قيام الرئيس سعيد بتغيير الحكومة، أو إجراء تعديل واسع عليها بات أمرا لا مفر منه، حيث أن الحكومة الحالية فشلت بشكل واضح في إدارة الأزمة الاقتصادية، فضلا عن إهمالها للجانب الاتصالي، الذي جعل العديد من الأصوات تنادي بتغييرها حتى من ضمن أولئك الداعمين للرئيس سعيد.
ومنذ تسلمها المنصب تجنبت رئيسة الحكومة الظهور الإعلامي، كما أن تصريحات باقي فريقها الوزاري على ندرتها غلب عليها الارتباك والتناقض، الأمر الذي عمق من إحباط الشارع، ومن هواجسه حيال مآلات الأوضاع.
ويرى المتابعون أن عدم خروج بودن، وتقديم إيضاحات للرأي العام بشأن ما تمر به البلاد، يعد خطأ اتصاليا فادحا، ويمنح الفرصة للخصوم السياسيين للرئيس إلى إشاعة حالة من الخوف والقلق.
وقال الوزير التونسي الأسبق حاتم بن سالم إن تونس تحتاج اليوم إلى “حكومة حرب” تقدم حلولا للأزمة التي تعيشها البلاد. ودعا الوزير المخضرم الذي قاد وزارة التربية تحت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل ثورة 2011 وشغل نفس المنصب بعد الثورة، إلى تشكيل حكومة مصغرة تتكون من 15 وزيرا.
واقترح الوزير في حواره مع إذاعة “شمس أف أم” الخاصة، ألاّ يتجاوز سن الوزراء في الحكومة الأربعين عاما وأن تكون مهمتها “التحضير لمستقبل تونس”.
وقال بن سالم “الحكومة الحالية بلا إنجاز ولا إنتاج. حكومة لا تحل مشاكل التونسيين ليس لها مكان في تونس”. وتابع الوزير الأسبق “اليوم أصبحنا نعيش حربا يومية للحصول على المواد الأساسية لذلك لا بد من خارطة طريق واضحة تتضمن 10 نقاط اقتصادية ومالية تكون الحلول للأزمة التي تعيشها البلاد”.
وتسعى الحكومة التي عينها الرئيس التونسي قبل عام غداة إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لإنعاش المالية العمومية مقابل الالتزام بحزمة من الإصلاحات الجوهرية.
◙ حسم الرئيس لقراره بشأن موعد التعديل الحكومي مرتبط على نحو بعيد بمآلات المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي
وتأمل تونس في القريب العاجل في إبرام اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي لبرنامج إنقاذ يمكن أن يوفر أيضًا المليارات من الدولارات من الدعم الثنائي من دول أخرى.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانها المضي قدمًا في الإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك خفض الدعم على سلع غذائية في ظل معارضة قوية من الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يشكل أكبر منظمة شغيلة في البلاد، ويحظى بتأثير كبير ليس فقط اجتماعيا بل وسياسيا.
ويتواجد حاليا وفد تونسي بالعاصمة الأميركية واشنطن في إطار المشاركة في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذلك في جولة مفاوضات، قد تكون الأخيرة، قبل إعلان المجلس التنفيذي لصندوق النقد موقفه النهائي بشأن برنامج الإنقاذ للاقتصاد التونسي.
ويضم الوفد التونسي، الذّي يشارك في هذه الاجتماعات المنعقدة من 10 إلى 16 أكتوبر الجاري، محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزيرة المالية سهام نمصية، ووزير الاقتصاد، سمير سعيد. ويعتقد المتابعون أن حسم الرئيس لقراره بشأن موعد التعديل الحكومي مرتبط على نحو بعيد بمآلات المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي.
العرب