تحاول صحيفة التايمز البريطانية استعراض ما يمكن لتايوان الاستفادة منه من تجربة الحرب الروسية على أوكرانيا وخاصة لجهة التحرك والتسليح الأمريكي وعدد من الدول الغربية لأوكرانيا وعدم وجود نهاية سريعة لتلك الحرب كما كانت تريد لها روسيا.
وتشير الصحيفة إلى أنه كان من المفترض أن يظهر رد فعل بكين المحموم على رحلة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الصيفية إلى تايوان، بأن تضع نفسها بسرعة على أرض المعركة، كما فعلت روسيا، ولذلك قامت الصين بتدريبات بالذخيرة الحية في اتجاه جزيرة تايوان كما عبرت 100 طائرة وسفينة حربية إلى مناطق قريبة من تلك الجزيرة. واستهدفت الجمارك الصينية أيضا الشحنات التايوانية المتجهة للمصانع التي تقوم بتصنيع بضائع أمريكية مثل أجهزة الهاتف المحمول آي فون، كما دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى وقف التعاون مع الولايات المتحدة في القضايا العسكرية وقضايا تغير المناخ.
هذه الإجراءات دفعت بالقوميين في الصين إلى القول إنه “لا يوجد خيار مستبعد” للحفاظ على الوحدة الوطنية مع تايوان. لكن يبقى السؤال عما إذا كان الرئيس الصيني مستعدا للتحرك نحو تايوان تحت تهديدها بالسلاح؟.
يحاول الكاتب روجر بويز الإجابة على هذا السؤال من خلال استعراض نتائج الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ يرى أن القيادة الصينية لديها خطط أيضا تجاه تايوان للسيطرة عليها خلال أيام كما كان يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وهذا ما لم يحصل.
ويضيف أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار مرونة تايوان، التي طالما قلل الجيش الصيني من قدرتها.
ويشير إلى أن قطب التكنولوجيا التايواني، روبرت تساو، وعد بمبلغ 100 مليون دولار لتعزيز دفاعات البلاد، كجزء من خطة لتدريب مئات الآلاف من المقاتلين المدنيين، والأنصار المحتملين، وتطوير أسطول من الطائرات الهجومية منخفضة التكلفة. هذا النموذج مستوحى من المشاركة العامة الأوكرانية في التصدي لروسيا، وهو شيء لم يكن يتوقعه الصينيون.
ويضيف الكاتب أن الأهم من ذلك هو أن الصينيين لم يحسبوا حسابا لمثل هذا الدعم الحماسي الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة لأوكرانيا، إذ كانت قراءة بكين لسياسة إدارة جو بايدن بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تقوم على أن الولايات المتحدة ستتجنب الآن خوض اشتباكات عسكرية طويلة الأمد باهظة الثمن، وبالتالي فإن دعم واشنطن لتايوان سيكون خطابيا إلى حد كبير. لكن إمداد حكومة كييف بالأسلحة، والتدريب والتمويل الذي جاء من واشنطن ومن بريطانيا وحلفاء الناتو الآخرين، أظهر للرئيس الصيني أن الغرب قادر على إلحاق الألم بالمعتدي.
إمداد حكومة كييف بالأسلحة، والتدريب والتمويل الذي جاء من واشنطن ومن بريطانيا وحلفاء الناتو الآخرين، أظهر للرئيس الصيني أن الغرب قادر على إلحاق الألم بالمعتدي
لقد وافقت إدارة بايدن للتو على حزمة سادسة من الأسلحة لتايوان وهي صفقة بقيمة 1.1 مليار دولار تشمل 60 صاروخا ساحليا مضادا للسفن من طراز Harpoon.
وترى التايمز أنه إذا تمكنت تايوان من تخزين ما يكفي من الأسلحة النوعية بما فيها صواريخ ستينغر الموجهة المضادة للطائرات وصواريخ جافلين المحمولة على الكتف والتي أثبتت فعاليتها في أوكرانيا، فقد تكون قادرة على الصمود في وجه القوة الساحقة التي قد تستخدمها الصين.
ويشير المحللون العسكريون التايوانيون إلى أن أوكرانيا تعاني من التأخر في فترة تسليمها الأسلحة التي تطلبها من دول الناتو. أما تايوان فهي كجزيرة يمكن أن تحاصرها قوة بحرية معادية كبيرة وهذا يعرضها للخطر، ولذا فقد بدأ التخزين (التسليحي) بالفعل في مواقع تعتبر آمنة من الهجوم الصيني (المحتمل).
وترى الصحيفة أن الصينيين يعدلون خططهم القتالية وفقًا لقراءتهم لأخطاء بوتين في أوكرانيا. فالمناورات العسكرية الصينية توحي بأن الخطة الصينية تشمل شن حملات متتالية، تبدأ من الضربات الصاروخية والجوية لشل عمل الحكومة (التايوانية) وسلسلة القيادة العسكرية فيها.
الصينيون يعدلون خططهم القتالية وفقا لقراءتهم لأخطاء بوتين في أوكرانيا
وسيتم في المرحلة الثانية استخدام الهجمات الإلكترونية والعمل البحري لعزل الجزيرة بما يشكل حصارا اقتصاديا، على أن تتبعها مرحلة ثالثة تصعيدية ستحاول إعاقة وصول القوات الأمريكية لمساعدة تايوان، وعندها يمكن أن يكون هناك وقف للمعارك وإعطاء تايوان فرصة للاستسلام والدفع نحو مقاربة دبلوماسية للولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق.
ويمكن أن تأتي الضربة النهائية على شكل هجوم برمائي تستخدم فيه القوات البرية والبحرية والجوية والسيبرانية في آن واحد.
لكن الصحيفة تشير إلى تقرير أصدره البنتاغون عام 2020 يعتبر أن “الصين لا تزال بعيدة عن القدرة على شن هذا الهجوم لأنه من المرجح أن تؤدي محاولة غزو تايوان إلى إجهاد القوات المسلحة الصينية واستدعاء التدخل الدولي”.
وتقول الصحيفة أيضا إن تقييمات الاستخبارات الغربية تشير إلى أن الصين قد لا تكون مستعدة لغزو واسع النطاق وذلك حتى عام 2030، لكن بالنظر إلى سرعة الحشد العسكري الصيني يبدو أن هذا التوقع مفرط في التفاؤل. وتختم الصحيفة أنه وحتى ذلك الموعد يمكن أن يظل الرئيس الصيني شي جين بينغ في السلطة لكن ما قد يعيقه حتى الآن هو الخوف من الفشل، والذي يغذيه تقييمه لغزو بوتين نفسه.
القدس العربي