محمد شياع السوداني أمام فرصة تاريخية.. فهل يحسن التقاطها

محمد شياع السوداني أمام فرصة تاريخية.. فهل يحسن التقاطها

تتركز أنظار العراقيين هذه الأيام على رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، ومدى قدرته على تنفيذ الوعود التي قطعها خلال الأيام الأخيرة، ويرى جزء من الشارع العراقي أن السوداني لديه فرصة كبيرة لتحقيق انتعاشة اقتصادية في البلاد، لكنهم يستبعدون قدرته على مواجهة أخطبوط الفساد.

بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني أمام فرصة تاريخية لوضع البلاد على سكة الإصلاح، خصوصا وأن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي هيئت له الأرضية اللازمة، من خلال البرنامج الاقتصادي الذي أعدته ومكّن بغداد من تسجيل إيرادات مالية تجاوزت 11 مليار دولار شهريا في بعض أشهر وهي أرقام غير مسبوقة في تاريخ العراق.

وتشير الأوساط إلى أن السوداني يحظى بوضع أفضل عن سابقيه فهو خبر العمل الحكومي حيث سبق وأن تولى حقائب وزارية في عهد الحكومات السابقة، كما تولى قبلها منصب محافظ لميسان (شرق العراق)، إلى جانب ذلك فهو يحظى بدعم سياسي وبرلماني قوي.

وتستدرك الأوساط بالقول إن هذا الدعم السياسي والبرلماني للسوداني قد يشكل في الآن ذاته عائقا أمام تحقيق إصلاحات فعلية لاسيما على صعيد مكافحة الفساد الذي بلغ مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. وفتحت السلطات العراقية تحقيقا في “سرقة” 2.5 مليار دولار من أموال أمانات هيئة الضرائب في بنك حكومي، كما أعلن مسؤولون الأحد، في قضية تكشف من جديد عن عمق الفساد المستشري في البلاد.

ولم تكشف السلطات هوية المتورطين في القضية. ونشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية السبت طلبا بفتح تحقيق أرسلته وزارة المالية إلى هيئة النزاهة، وهي هيئة حكومية معنية بمكافحة الفساد. ويتحدّث الكتاب الرسمي المؤرّخ في الثاني عشر من أكتوبر عن “عملية سرقة 3.7 تريليون دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من حساب أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”.

وتعهد رئيس الحكومة المكلف الأحد باتخاذ الإجراءات اللازمة في ملاحقة المتورطين في هذه القضية التي تعد أكبر قضية اختلاس في تاريخ العراق المعاصر.

وقال السوداني، في تغريدة عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “لن نتوانى أبدا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها”. وأضاف “لقد وضعنا ملف الفساد في أولى أولويات برنامجنا الحكومي”، مؤكدا أنه لن يسمح باستباحة أموال العراقيين كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين.

وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب، سرّب إلى الإعلام، أن مبلغ 2.5 مليار دولار جرى سحبه بين الفترة الممتدة من التاسع من سبتمبر 2021 والحادي عشر من أغسطس 2022. وحرّرت هذه الصكوك المالية إلى خمس شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة.

وفي تعليق على القضية، كتب الباحث في “سنتشوري إنترناشونل” سجاد جياد على تويتر “الأسئلة البديهية هي من هم المالكون الحقيقيون لتلك الشركات ومن سمح بإعطاء الصكوك لتلك الشركات؟ وكيف عبر الأمر غير ملحوظ لعام كامل؟ من هم السياسيون المتورطون في عملية الفساد والسرقة الكبيرة هذه؟”.

وقالت هيئة النزاهة الأحد إنها فتحت تحقيقا بالقضية. وأضافت في بيان أن “القضية معروضة الآن أمام القضاء”، متابعة أنها سترفق “المعلومات التي تضمَّنها كتاب وزارة الماليَّة بعد تنظيمها وفق محاضر مع الأوراق التحقيقيَّة وتودعها لدى القضاء ليقوم الأخير بإصدار القرارات المناسبة بحق المقصرين”. وأضافت أن “القضاء سبق أن أصدر أوامر استقدام بحق مسؤولين كبار في الوزارة بشأن الثغرات التي أفضت إلى حصول هذا الخرق الكبير والتجاوز الفظيع على المال العام”.

وفي حديث السبت عن تحقيق داخلي في وزارة المالية بشأن القضية، اتهم وزير المالية السابق بالوكالة إحسان عبدالجبّار في تغريدة “مجموعة محددة” بالمسؤولية دون أن يعطي تفاصيل إضافية.

ويحتل العراق المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن “مدركات الفساد”. وقالت مبعوثة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن “يمثل الفساد المستشري سببا جذريا رئيسيا للاختلال الوظيفي في العراق”. وأضافت “بصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه”.

وغالبا ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية، في بلد تشكّل عائدات النفط تسعون في المئة من إيراداته. ويشكك البعض في قدرة السوداني على الذهاب بعيدا في محاربة الفساد، وهي إحدى المطالب الرئيسية للشعب العراقي، ذلك أن الأطراف المتورطة في الفساد تحظى بدعم جماعات متنفذة في العراق، منها جماعات داعمة له.

ويقول هؤلاء إن السوداني ليس في موقع يسمح له بفك القيود مع تلك الجماعات وتحقيق المحاسبة، فهو رهين للجهة السياسية التي تنتمي إليها، وبالتأكيد فإن تلك الجماعات متى ما استشعرت خطرا على مصالحها ستنقلب عليه. في المقابل يشير خبراء إلى أن السوداني لديه إمكانية كبيرة لتحقيق انتعاشة اقتصادية تنعكس على واقع العراقيين، وهذا الأمر سيلقى دعما من الإطار التنسيقي، صاحب الأغلبية النيابية، والذي يدرك أنه سيكون المتضرر الرئيسي من فشل الحكومة الجديدة.

ويبدأ السوداني مشواره الحكومي، مدعوما في ذلك باحتياطات مالية هائلة في خزائن البنك المركزي العراقي التي تبلغ حاليا أكثر من 84 مليار دولار وسط توقعات بوصولها إلى 100 مليار دولار بنهاية العام الحالي.

ولم يسبق أن حظي رئيس حكومة بمثل هذه الميزات وخاصة خلال التشكيلات الحكومية منذ عام 2014 ولغاية تشكيل حكومة الكاظمي في الربع الأول من عام 2020 على خلفية استقالة حكومة عادل عبدالمهدي بضغط شعبي في مظاهرات عام 2019 حيث تشكلت هذه الحكومات بموازنات مالية شحيحة وظروف سياسية وأمنية غير مستقرة.

ونجحت حكومة الكاظمي في تسجيل قفزات مالية كبيرة على خلفية اعتماد برنامج اقتصادي تمثل أولا بإعادة احتساب سعر صرف الدولار ليتلاءم مع القفزات الكبيرة لأسعار النفط الخام ليصل إلى مستويات تمكن العراق خلالها من تسجيل إيرادات مالية تجاوزت 11 مليار دولار شهريا، مما مكنه من تسديد جميع مستحقات ديون غزو الكويت وحرب الخليج الثانية التي بلغت أكثر من 52 مليار دولار على مدى تجاوز 30 عاما.

◙ السوداني يبدأ مشواره الحكومي مدعوما باحتياطات مالية هائلة في خزائن البنك المركزي العراقي تبلغ حاليا أكثر من 84 مليار دولار و

كما تمكن العراق من تحقيق احتياطي كبير للبنك المركزي العراقي تجاوز الآن 84 مليار دولار ومن المرجح أن يصل ما بين 95 إلى 100 مليار دولار بنهاية العام الحالي وهي احتياطيات غير مسبوقة.

وكشف رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في أغسطس الماضي أن لدى العراق الآن فائضا ماليا يصل إلى 50 مليار دولار جراء تحسن أسعار النفط في السوق العالمية وعدم إقرار الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية لعام 2022 وهي أموال مجمدة لعدم إقرار الموازنة بعد أن تحولت حكومة الكاظمي إلى حكومة تصريف أعمال.

وحسب تصريحات لمعاون محافظ البنك المركزي العراقي عمار خلف في سبتمبر الماضي، سجل العراق قفزة متقدمة بعد أن بلغت مستويات احتياطيات الذهب 130 طنا ليرتفع تصنيف العراق إلى المرتبة 30 عالميا والرابعة عربيا. ولا تزال إيرادات العراق النفطية شهريا تسجل أرقاما تقترب من 10 مليارات دولار من تصدير ثلاثة ملايين و400 ألف برميل يوميا يعتزم العراق زيادتها خلال العام المقبل.

وقال خبراء عراقيون إن هذه الأرقام الفلكية في الاحتياطيات المالية بحاجة إلى حكومة عراقية رشيدة تستطيع توظيفها لتنفيذ مشاريع عملاقة تنتشل البلاد مما تعاني منه من مشاكل كبيرة وخاصة في مجالات تأهيل الطاقة الكهربائية وحل مشكلة السكن وإعادة تأهيل أكثر من 170 شركة عراقية متوقفة عن العمل بسبب الحروب السابقة لفسح المجال أمام الحكومة لحل مشكلة البطالة واستيعاب طاقات الخريجين في مختلف التخصصات، فضلا عن إعادة تأهيل البنى التحتية لقطاعات الصحة والمياه ومعالجة مشاكل التصحر وفقدان آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية.

وقال الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري إن أمام رئيس الحكومة القادمة “فرصة تاريخية وعليه أن يتحرر من قيود الأحزاب وأن يضع برنامجا حكوميا معقولا بعيدا عن الوعود التي اعتاد العراقيون عليها دون تحقيق أيّ منها”. وأضاف الجواهري “نحن الآن في مرحلة سماع الوعود لحل المشاكل المستعصية في البلاد التي أشك في تحقيقها لكن علينا أن ننتظر ونرى ما سيفعل وعليه الاستعانة بفريق ناجح بعيدا عن المحاصصة والحزبية، وغير ذلك سنبقى ندور في ذات الدائرة التي اعتادت عليها الحكومات السابقة”.

وأعلن السوداني خلال لقائه الأحد بممثلة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت أن “برنامجه الحكومي سيركز على معالجة المشكلات الخدمية ومكافحة الفساد”، معربا عن حرص الحكومة القادمة على الاستماع إلى صوت الشباب، ومراعاة ملف حقوق الإنسان والأقليات، فضلا عن الاستعداد للعمل من أجل علاقات خارجية متوازنة مع المحيطين الإقليمي والدولي على أساس المصالح المشتركة التي تحفظ سيادة العراق.

وكان رئيس الحكومة المكلف شرع السبت بإدارة ملف المفاوضات والمشاورات مع الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة من خلال مكتب أعد له ولفريقه المساعد في المبنى الحكومي داخل المنطقة الخضراء الحكومية.

العرب