دمشق- أضافت حركة حماس الرئيس السوري بشار الأسد إلى قائمة الذين تسعى لاسترضائهم، وهي قائمة موسعة تشمل إضافة إلى سوريا كلا من إيران وقطر وتركيا، ما يجعل علاقاتها الخارجية مبنية على التناقضات وتعدد الولاءات والترضيات في حين أنها غير مهتمة باسترضاء الفلسطينيين من بقية الفصائل ولا بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
وقالت أوساط فلسطينية إن حماس، التي سعت لإعادة العلاقة مع الأسد، تريد توسيع دائرة الترضيات بشكل يبدو أكثر صعوبة بسبب تناقض الأجندات بين حلفائها، ما يدفعها إلى الإدلاء بالتصريحات التي تشيد بكل دولة على حدة، وهو أمر لا يمكن أن يستمر طويلا خاصة أن كل حليف من حلفائها يريد استثمار هذه العلاقة لصالحه وتوظيفها في أجنداته، كما أن الاستمرار على هذا النهج قد يقسّم الحركة إلى “حماسات” متعددة كل فصيل يرتبط بجهة خارجية.
وتريد حماس أن تحافظ على علاقات متينة مع قطر لأجل الحصول على الدعم وضمان استمرار المساعدات المقدمة إلى غزة، والتي بفضلها تحافظ على استقرار القطاع وتسيطر على السكان، إلى جانب أن الدوحة تفتح لهذه الحركة قنوات التنسيق مع إسرائيل ولو بشكل غير مباشر. كما أن لقطر وزنا ثقيلا داخل حماس ضَمِنَتْه لها علاقاتها المتينة مع قيادات بارزة مثل رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان أن تتخلى حماس عن التعاون مع دولة تمتلك أسرارها وتمسك بملف التمويل.
ولا تريد الحركة أيضا إغضاب تركيا التي تقود الإسلام السياسي الإخواني الذي تنتمي إليه حماس واقعيّا، حتى وإن نفت أنها جزء منه، وهي تراعيه في تحركاتها ومواقفها. وهذه ورقة تمتلكها تركيا للضغط على حماس مع وجود قيادة الاتحاد العام لعلماء المسلمين في إسطنبول، وهو واجهة علنية للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ما جعل الحركة تختار كلماتها عند الحديث عن تركيا وتبرير تغيير مواقفها وسعيها الدؤوب للتطبيع مع إسرائيل.
لكن ميل حماس هذه الأيام كان لصالح إيران في ظل سيطرة التيار الراديكالي في الحركة الذي يرى أن الدوحة وأنقرة لا تقدّمان إلى حماس الكثير، وأن تقوية العلاقة مع طهران تتيح للحركة تجنب المزايدات بين الفصائل وجمهورها بشأن توظيف حماس للمقاومة في خدمة أجندتها الخاصة لتأمين التقارب مع إسرائيل وضمان الاعتراف الإقليمي بها كشريك مفاوض على أنقاض سلطة فلسطينية مريضة.
وترى الأوساط السابقة أن حماس في مواقفها الإقليمية تحاول السير في حقل من التناقضات لتبدو قريبة من الجميع، مَنْ يدعم مسار المقاومة ومَن يميل إلى السلام، وهذا غير ممكن. وتلفت هذه الأوساط إلى أن المرونة التي تبديها الحركة إزاء الخارج تقابلها بالتشدد في الحوار الفلسطيني الداخلي، فهي غير مهتمة باسترضاء الفلسطينيين سواء كفصائل أو كمواطنين واقعين تحت سلطتها، وترفض التنسيق مع السلطة الفلسطينية وتتهمها بالكثير من التهم، في الوقت الذي تبحث فيه عن تعويضها كممثل خارجي للفلسطينيين سواء تعلق الأمر بالمفاوضات مع إسرائيل أو بالمباحثات مع الولايات المتحدة.
وقال رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حماس خليل الحية، عقب لقائه الرئيس السوري ضمن وفد ضمّ عددا من مسؤولي الفصائل الفلسطينية، “نعتقد أنه يوم مجيد ويوم مهم، نستأنف فيه حضورنا إلى سوريا العزيزة ونستأنف فيه العمل المشترك… مع سوريا”.
◙ حماس تحاول السير في حقل من التناقضات الإقليمية لتبدو قريبة من الجميع، مَن يدعم المقاومة ومَن يميل إلى السلام
وأضاف خلال مؤتمر صُحفي “نعتبره لقاء تاريخيّا وانطلاقة جديدة متجددة للعمل الفلسطيني – السوري المشترك”.
وكانت حماس تُعد من أوثق حلفاء الأسد الفلسطينيين. وجعلت من دمشق مقرا لها في الخارج طيلة سنوات، قبل أن تختار السير في طريق دعم ثورات “الربيع العربي” التي سيطر عليها الإسلاميون المحسوبون على التيار الإخواني الذي تنتمي إليه الحركة.
وتوترت العلاقات تدريجيا بين الطرفين إلى أن غادر قياديو الحركة، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي السابق، دمشق في فبراير 2012. وأغلقت الحركة كافة مكاتبها وأوقفت أنشطتها فيها.
وقال الحية من دمشق التي وصل إليها الأربعاء “أي فعل فردي هنا أو هناك هو فعل خاطئ لا تقره قيادة الحركة ولم تقره”، مقرّا بـ”أننا متفقون مع سيادة الرئيس على أن نتجاوز الماضي ونذهب إلى المستقبل”.
وأضاف “نستعيد علاقتنا مع سوريا العزيزة بقناعة وبإجماع قيادي.. وبتفهّم من محبي حركة حماس”، مؤكدا -في رده على سؤال صحافي- عدم تحفظ أي من حلفائهم أو داعميهم الإقليميين، خصوصا تركيا وقطر، على هذه الخطوة.
وعلى مدى سنوات اعتبر مسؤولون سوريون في تصريحاتهم مغادرة حماس “ضربة قاصمة” للعلاقة مع سوريا، وبعضهم وصفها بـ”الخيانة”.
وسبقت زيارة دمشق لقاءات مع مسؤولين سوريين، بوساطة من حزب الله اللبناني وداعمته إيران.
وحافظت الحركة على علاقة جيدة مع حزب الله. ورغم خلافه معها حول موقفها من دمشق، لطالما اعتبرها جزءا من “محور المقاومة” الذي يضم أيضا دمشق وطهران وفصائل عراقية.
وينظر إلى عودة حماس إلى دمشق على أنها انتصار للخط الإيراني داخل الحركة نفسها، حيث عارضت كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس) مسار القطيعة مع إيران وحزب الله. كما تؤكد نجاح إيران في الضغط على الحركة عبر التحكم في درجة التمويل وكميات الأسلحة لإجبارها على العودة إلى قوى “الممانعة”، وتنفيذ أجندة إيران في غزة كما يفعل حزب الله في لبنان من خلال مشاغبة إسرائيل.
ومنذ توليه رئاسة المكتب السياسي لحماس، حرص إسماعيل هنية على تعديل خطاب الحركة والاقتراب أكثر من إيران وسوريا.
وفي يونيو 2018 قال هنية إن ما نسب إليه من كلام حول “دعم الثورة السورية، غير دقيق”، وإن حماس “لم تكن يوما في حالة عداء مع النظام السوري”.
وشدد هنية على أن “النظام في سوريا وقف إلى جانب حماس في محطات مهمة، وقدم لها الكثير، كما الشعب السوري العظيم”، مشيرا إلى أن “الحركة لم تقطع العلاقة مع سوريا، لكن الكثير من الظروف الموضوعية أدت إلى شكل العلاقة الحالي”.
ووصف ما جرى في سوريا بالـ”الفتنة” حين قال “ما حدث في سوريا تجاوز الفتنة إلى تصفية حسابات دولية وإقليمية”، متمنياً أن “ينتهي هذا الاقتتال، وأن يعود الأمن والاستقرار والسلم الأهلي إلى سوريا، وأن تعود إلى دورها الإقليمي القومي”.
العرب