أنقرة – قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة إنه لا يستبعد احتمال عقد اجتماع مع نظيره السوري بشار الأسد في مسعى لاستعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، في وقت تستعد فيه أنقرة لاحتمال توسع الحرب الإقليمية والبحث عن دور تركي فيها وعدم ترك الأمر بيد إيران.
ويعتقد الأتراك بأن إيران ستكون أكبر مستفيد في حال اتسعت الحرب بين إسرائيل وحماس لتشمل لبنان وربما سوريا، وأن طهران ستبدو وكأنها اللاعب الإقليمي الوحيد، وهو ما سيحمل لها مكاسب على المدى البعيد ليس أقلها النظر إليها كقوة توازن في وجه إسرائيل.
وعمل أردوغان ما في وسعه ليبدو موجودا في المشهد خلال الحرب الدائرة حاليا من خلال إطلاق التصريحات التي تستهدف بشكل مباشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتظهر الدعم السياسي لحماس خاصة باستقبال رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
وينظر الرئيس التركي إلى نتائج ما بعد الحرب، ومن سيكون المستفيد المباشر منها. وإلى حد الآن سجلت إيران نقاطا أكثر على حساب أردوغان، فهي تحرك أذرعها من وراء الستار، في غزة ولبنان واليمن والعراق، في ما لا يمتلك الأتراك أيّ ورقة عدا تصريحات أردوغان التي لم تعد تستقطب الاهتمام حتى لدى حلفائه التقليديين مثل حماس التي وجدت أن طهران أهم وأكثر فائدة.
ويراهن أردوغان على التقارب مع الأسد، الذي لا يبدو متحمسا لأي دور سوري في الحرب لأنها لا تصب في صالحه وتخدم الإيرانيين بدرجة أولى. ويشترك أردوغان والأسد حاليا في هذه النقطة، أي منع تمدد الحرب لخدمة نفوذ إيران، ويلتقيان في ذلك مع موقف روسيا التي تسعى بدورها للحفاظ على الوضع في سوريا كما هو حتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة إنْ في صالح إيران أو إسرائيل.
◙ أردوغان يراهن على التقارب مع الأسد الذي لا يبدو متحمسا لأي دور سوري في الحرب لأنها تخدم أجندة الإيرانيين
ولا يقدر الأسد على مطالبة إيران بتحييد بلاده عن الحرب بسبب وجودها القوي على الأرض، لكن تسريع مسار التقارب مع تركيا بالتنسيق مع روسيا سيظهر رغبة جدية من دمشق في إنهاء أيّ ملامح للحرب وعدم الاستعداد للانخراط في حرب أخرى.
ورغم التوقف شبه الكامل للحرب مع المجموعات المسلحة، إلا أن إيران لم تبادر إلى سحب ميليشياتها واستمرت بتنفيذ أجندتها في تحويل سوريا إلى نقطة تمركز عسكرية متقدمة بوجه إسرائيل، وهو ما يزعج الأسد الذي كان يعتقد أن حلفاءه الإيرانيين سيخففون من وجودهم المسلح ويدعمون مسار إعادة الإعمار ودعم بقاء النظام، لكن لا شيء من هذا قد حصل.
وكانت تركيا قد قطعت علاقاتها مع سوريا بعد الحرب الأهلية السورية في 2011 ودعمت المعارضين الذين يريدون الإطاحة بالأسد. ونفذت أنقرة عدة عمليات عسكرية عبر الحدود ضد مسلحين تقول إنهم يهددون أمنها القومي وأنشأت “منطقة آمنة” في شمال سوريا تتمركز فيها قوات تركية في الوقت الحالي.
ويستفيد أردوغان في مسعاه للتقارب مع دمشق من رغبة الأسد في تجاوز تداعيات الحرب الأهلية والانفتاح على دول الخليج بحثا عن الدعم الذي يبحث عنه في مرحلة إعادة الإعمار، وهي نقطة يشترك فيها مع الرئيس التركي الذي وجد في الخليج ضالته لإخراج بلاده من أزمتها الاقتصادية والمالية الخانقة.
وقال أردوغان إن أنقرة ودمشق ربما تتحركان لاستعادة العلاقات، وذلك حينما سأله صحافيون عن تقارير تفيد بأن الأسد قال إن حكومته منفتحة على مبادرات التطبيع ما دامت تحترم سيادة سوريا وتسهم في مكافحة الإرهاب.
وأضاف أردوغان “لا سبب لعدم حدوث ذلك”، وأضاف أن لا نية لدى تركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية. وتابع بعد أداء صلاة الجمعة “مثلما أبقينا علاقاتنا في غاية الحيوية في الماضي.. من المؤكد أنه لا يُحتمل (قول) إن هذا لن يحدث مجددا في المستقبل، يمكن أن يحدث”.
وقبل أيام، أكد الرئيس السوري انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، والمستندة إلى “سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى”. وشجعت موسكو، الحليف الرئيسي للأسد، على المصالحة مع أنقرة. لكن دمشق تشترط انسحاب القوات التركية انسحابا كاملا لاستعادة العلاقات.
◙ الرئيس التركي ينظر إلى نتائج ما بعد الحرب ومن سيكون المستفيد. وإلى حد الآن سجلت إيران نقاطا أكثر على حساب أردوغان
وفشلت محادثات جرت مؤخرا برعاية روسيا في تحقيق اختراق باتّجاه تطبيع العلاقات. والأمر متروك لخطوات جدية من الرئيس التركي باتجاه حل مخلفات التدخل في سوريا، من بينها التأكيد على الانسحاب من الأراضي السورية والتوقف عن تمويل وتسليح المجاميع المعارضة، والتوصل إلى توافق بشأن إعادة الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ودأب مسؤولون سوريون على قول إن أيّ تحركات نحو تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة لا يمكن أن تحدث إلا بعد موافقة تركيا على سحب الآلاف من القوات التي نشرتها في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة.
وكان نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قد قال، عقب اجتماع سابق مع نظيره التركي في موسكو بحضور إيراني وروسي، “لم نرَ حتى الآن أيّ مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا وبالأخص في إدلب”.
وأضاف “إذا كان الجانب التركي جادّا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا، وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه”.
وفي أبريل 2023، أجرى مديرو مخابرات إيران وروسيا وسوريا وتركيا محادثات في إطار جهود لإعادة بناء العلاقات التركية السورية بعد عداء امتد لسنوات.
العرب