على الرغم من الديناميكية السياسية التي أحدثها الزلزال بين النظام السوري وعدد من القادة الإقليميين الذين هرعوا إلى المساعدة، فإن الكارثة الطبيعية لم تحرك عملية السلام المتوقفة بين السوريين أنفسهم، بل على العكس، زادت في تباعدهم.
دمشق – من المستبعد للغاية أن يعيد الزلزال الذي دمر شمال غرب سوريا مؤخرا تنشيط عملية السلام السورية المتوقفة، بل على العكس، لقد عزز بالفعل خطوط الانقسام السياسي القائمة.
وقالت الدكتورة لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعهد الملكي للشؤون الدولية)، في تحليل نشره المعهد إن الكارثة الطبيعية أبرزت الانقسامات العميقة بين النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد وحلفائه من جهة وبين المعارضة السورية وداعميها الدوليين من جهة أخرى، فضلا عن عجز الأمم المتحدة. ورأت الخطيب أن دمشق تحاول استغلال الكارثة الإنسانية للخروج من عزلتها الدولية.
بعد فترة قصيرة على وقوع الزلزال، لم يكن رد الفعل العلني للنظام هو الإعراب عن التعازي لكل السوريين المتضررين من المأساة، وإنما استغلال شخصياته الرئيسية لمحاولة تحقيق شرعية فعلية للأسد على المسرح العالمي.
وقال بسام الصباغ سفير سوريا لدى الأمم المتحدة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن أي مساعدات أجنبية يجب أن يتم تسليمها بالتنسيق مع الحكومة السورية، وأن يتم إرسالها عبر سوريا وليس تركيا.
وقالت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، في وقت لاحق إن العقوبات الدولية المفروضة على النظام من جانب الولايات المتحدة وأوروبا تعيق تسليم المساعدات.
وأشارت الخطيب إلى أن الولايات المتحدة أسرعت بالرد ببيانات علنية تؤكد أن العقوبات القائمة كان لها دائما استثناء إنساني. وعلى الرغم من ذلك، مضت وزارة الخزانة الأميركية في التاسع من فبراير الجاري لتعلن عن تعليق لمدة 180 يوما للعقوبات المفروضة على المعاملات المرتبطة بالإغاثة من الزلزالين.
وسوف تسهل هذه الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة نقل التحويلات المالية إلى سوريا والتي ستساعد الناجين من الزلزال. كما أن هذه طريقة لمحاسبة النظام. فإذا كان من الممكن إرسال المساعدات المخصصة للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام بشكل مباشر إلى دمشق، فهل سيسمح النظام بوصولها إلى المتلقين المستهدفين؟
وقد كانت هناك مزاعم من مجموعات ناشطة، من بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن بعض عبوات الغذاء التي أرسلتها دول عربية للمناطق التي يسيطر عليها النظام يتم بيعها في السوق السوداء بدلا من تسليمها لضحايا الزلزال.
وتضيف الخطيب أن على الرغم من موافقة الحكومة السورية يوم التاسع من فبراير على السماح بعبور المساعدات، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة لم يتم تسليم كميات كبيرة من هذه المساعدات إليها حتى اليوم.
وقالت الخطيب إن إعلان وزارة الخزانة أثار انقساما حادا بين صانعي السياسة الأميركيين، حيث انتقد اثنان من الأعضاء البارزين بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي الإعلان، واعتبرا أنه يسمح للنظام السوري بسرقة المساعدات ويمهد الطريق للتطبيع.
ورأت أن مثل هذه الخلافات داخل دوائر السياسة الأميركية لا يمكن أن تحظى بالترحيب إلا من جانب دمشق وكذلك موسكو، نظرا لأن عدم وجود توافق في السياسة الأميركية يضعف موقف الولايات المتحدة في دعمها لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة والمعارضة السورية، وكذلك في مواجهة روسيا. وتكرر روسيا، من جانبها، كما هو متوقع، رواية حكومة الأسد نفسها، حيث تعتبر الزلزال فرصة سياسية للتطبيع.
وقد رفضت الدعوات إلى زيادة عدد المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا، قائلة إنه يكفي المعبر الوحيد المفتوح، باب الهوى، الذي تم تجديد تفويضه حتى يوليو في أحدث قرار لمجلس الأمن الدولي، وإن المساعدات الأخرى يجب أن يتم تسليمها فقط عبر دمشق.
وحتى في زيارته إلى حلب يوم العاشر من فبراير، التزم الأسد الصمت بشأن الزلزال باستثناء المنشورات العامة من المكتب الرئاسي التي تظهره وهو يعقد اجتماعا طارئا للتعامل مع الأزمة، ثم تذكر الرسائل التي تلقاها أو الاتصالات الهاتفية التي أجراها مع قادة أجانب لدول روسيا والإمارات وسلطنة عمان والجزائر والبحرين والأردن والصين وإيران وبيلاروسيا وفلسطين والعراق ومصر وأرمينيا ولبنان والفاتيكان وأبخازيا، والذين أعربوا عن تعازيهم أو عرضوا تقديم مساعدات إنسانية.
وأشارت الخطيب إلى أن إعطاء الأولوية لتسليط الضوء على تفاعل القادة الدوليين والإقليميين، مؤشر على أن الأسد يرى مرحلة ما بعد الزلزال على أنها فرصة لتقديم نفسه على الصعيدين الدولي والوطني بصفته الزعيم الشرعي لسوريا.
وسلطت المعارضة السورية أيضا بشكل علني الضوء على تفاعل وتواصل قادتها مع صانعي السياسة الدوليين، ومن بينهم مسوؤلون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في أعقاب الزلزال، إلا أنها أشارت إلى أن هذا التفاعل استهدف طلب المساعدة لشمال غرب سوريا.
وأعربت المعارضة عن انتقادها العلني لبطء وعدم كفاية استجابة الأمم المتحدة لأزمة الزلزال، في تكرار لانتقادات للمنظمة الدولية من جانب وكالات إغاثة دولية ومحلية ومحلليين سوريين وناجين من الزلزالين. وتؤكد عدم قدرة المعارضة السورية على القيام بالمزيد في هذا السياق.
واعتبرت الخطيب أن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة لو كانت أكثر فعالية، لكانت المعارضة السورية في موقف أقوى. كما كانت الأمم المتحدة ستتمكن بشكل أفضل من الاستجابة لحالات طوارئ مثل الزلزال بطريقة أكثر سرعة وعدالة، دون أن يعيقها حق النقض “الفيتو” الروسي في مجلس الأمن.
واختتمت الخطيب تحليلها بالقول إن الزلزال لم يظهر فقط مدى تسييس المساعدات، ولكن أيضا كيف يمكن، في غياب تحد سياسي قوي، أن يتم استغلال معاناة السوريين كعملة سياسية.
مع تفاقم مأساة الزلزال الذي ضرب سوريا، يتهم ناشطون النظام في دمشق بمحاولة استغلال الأزمة بالضغط وابتزاز المجتمع الدولي بشأن المساعدات، ناهيك عن تعزيز تمدد الوجود الإيراني في بعض المناطق.
وعربيا ظهرت العديد من الأصوات التي تنادي من أجل إعادة سوريا ضمن المجتمع العربي، وإعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما حذرت منه واشنطن في تصريحات سابقة.
ويرى محللون سياسيون أن مأساة الزلزال قد تكون بوابة لعودة العلاقات العربية – السورية، وسيعمل النظام في دمشق على استثمار معاناة الناس لتحقيق مكاسب له.
عربيا ظهرت العديد من الأصوات التي تنادي من أجل إعادة سوريا ضمن المجتمع العربي، وإعادة العلاقات مع دمشق
وقال المحلل السياسي الكردي إبراهيم كابان إن “النظام السوري يتبع إستراتيجية لاستغلال أزمة الزلزال، والتي يستخدم فيها أذرعه الإعلامية، في نشر البروباغندا، واستثمار ما حصل للضغط على المجتمع الدولي من أجل إلغاء العقوبات المفروضة عليه وفك الحصار الاقتصادي”.
وأوضح كابان أن “العقوبات الدولية أضرت كثيرا بالنظام في دمشق والذي أصبح على حافة الانهيار، ولكنه الآن يعيد تجديد علاقاته مع بعض الأنظمة التي تسعى لتقديم الدعم له”.
ويرى المحلل السياسي مدير مؤسسة غنوسس للأبحاث في لندن عمار وقاف أن الأزمة الحالية “قد تكون بوابة وفرصة جيدة لإعادة العلاقات بين سوريا وبقية الدول العربية”. وبين وقاف أن “عودة العلاقات السورية – العربية ليست بالأمر السيء، وأزمة الزلزال فرصة للجميع لتجاوز الخلافات، وعودة التكاتف العربي”.
ودعا رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، خلال المؤتمر الخامس للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية، السبت إلى “عودة سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي”، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء العراقية. وأشار إلى أن “العراق باشر في هذه الأزمة الأخيرة بفتح المنافذ لإيصال المساعدات الشعبية والحكومية كافة، وهنالك دور واضح للوقوف مع الشعب السوري الشقيق”.
والشهر الماضي، أكدت واشنطن موقفها المعارض لأي خطوة تطبيعية مع نظام الأسد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، في يناير الماضي، إن الأسد “ارتكب أعمالا وحشية، وقواته ارتكبت جرائم حرب، وسنواصل العمل على محاسبة النظام، وتشجيع شركائنا وحلفائنا على عدم التطبيع معه”. وأضاف برايس “أوضحنا أننا لن نطبع ولا نؤيد أي دولة تقوم بالتطبيع مع نظام الأسد”.
العرب