يسود الخلط فى الأوساط السياسية والعلمية والإعلامية العربية بين مجتمع المعلومات العالمى ومجتمع المعرفة. ويرد هذا الخلط إلى عدم التعمق فى دراسة مكونات جمع المعلومات العالمي.
ويزداد الخلط حين يستخدم كثير من السياسيين والباحثين مصطلح مجتمع المعرفة، وكأن المجتمع العربى قاب قوسين أو أدنى من تأسيسه، مع أنه لا يمكن قيام مجتمع للمعرفة بغير اقتصاد للمعرفة، بحيث يصبح إنتاج المعرفة هى العملية الأساسية فى المجتمع. ويقتضى ذلك تشجيع الإبداع، وتنمية البحث العلمى، وهذه أمور لا يمكن تحقيقها الآن فى المجتمع العربى المعاصر، حيث تصل نسبة الأمية إلى 40%.
والسؤال الآن: ما هى المكونات الأساسية لمجتمع المعلومات العالمى باعتباره نموذجاً حضارياً جديداً؟
مجتمع المعلومات يأتى بعد مراحل مر فيها التاريخ الإنسانى، وتميزت كل مرحلة بنوع من أنواع التكنولوجيا يتفق معها. شهدت الإنسانية من قبل تكنولوجيا الصيد، ثم تكنولوجيا الزراعة، وبعدها تكنولوجيا الصناعة، ثم وصلنا أخيراً إلى تكنولوجيا المعلومات.
ويمكن القول أن سمات مجتمع المعلومات تستمد أساساً من سمات تكنولوجيا المعلومات ذاتها، والتى يمكن إجمالها فى ثلاث:
أولاها: أن المعلومات غير قابلة للاستهلاك أو التحول أو التفتت، لأنها تراكمية بحسب التعريف، وأكثر الوسائل فعالية لتجميعها وتوزيعها، تقوم على أساس المشاركة فى عملية التجميع، والاستخدام العام المشترك لها بواسطة المواطنين.
وثانيهما أن قيمة المعلومات هى استبعاد عدم التأكيد، وتنمية قدرة الإنسانية على اختبار أثر القرارات فعالية.
وثالثهما أن سر الوقع الاجتماعي العميق لتكنولوجيا المعلومات، أنها تقوم على أساس التركيز على العمل الذهني (أو ما يطلق عليه أتمتة الذكاء)، وتعميق العمل الذهني (من خلال إبداع المعرفة، وحل المشكلات، وتنمية الفرص المتعددة أمام الإنسان)، والتجديد في صياغة الأنساق عموماً، وتعنى بتطوير النسق الاجتماعي.
ويلخص بعض الباحثين إطار مجتمع المعلومات فى الملامح التالية:
1– المنفعة المعلوماتية (من خلال إنشاء بنية تحتية معلوماتية تقوم على أساس الحواسب الآلية العامة المتاحة لكل الناس) فى صورة شبكات المعلومات المختلفة، وبنوك المعلومات، والتى ستصبح هى بذاتها رمز المجتمع.
2– الصناعة القائدة ستكون هى صناعة المعلومات التى ستهيمن على البناء الصناعي.
3– سيتحول النظام السياسى لكى تسوده «الديمقراطية التشاركية»، ونعنى السياسات التى تنهض على أساس الإدارة الذاتية التى يقوم بها المواطنون، والمبنية على الاتفاق، وضبط النوازع الإنسانية، والتأليف الخلاق بين العناصر المختلفة،
4– سيتشكل البناء الاجتماعى من مجتمعات محلية متعددة المراكز، ومتكاملة بطريقة طوعية.
5– ستتغير القيم الإنسانية وتتحول من التركيز على الاستهلاك المادى، إلى إشباع الإنجاز المتعلق بتحقيق الأهداف..
6– أعلى درجة متقدمة من مجتمع المعلومات، ستتمثل فى مرحلة تتسم بإبداع المعرفة من خلال مشاركة جماهيرية فعالة، والهدف النهائى منها هو التشكيل الكامل لمجتمع المعلومات العالمي.
وقد يبدو أن هذه الصورة التى رسمناها ليست سوى ضرب من ضروب الأحلام، غير أن مجتمع المعلومات العالمى، ليس فى الواقع حلماً، بقدر ما هو مفهوم واقعى، سيكون هو المرحلة الأخيرة من مراحل تطور مجتمع المعلومات. وهناك ثلاثة أدلة تؤكد هذا القول:
أولها: أن العولمة CLOBALISM ستصبح هى روح الزمن فى مجتمع المعلومات القادم. ويرجع ذلك إلى الأزمات الكونية المتعلقة بالنقص فى الموارد الطبيعية وتدمير البيئة الطبيعية، والانفجار السكانى، والفجوات العميقة الاقتصادية والثقافية بين الشمال والجنوب.
وثانيها: أن تنمية شبكات المعلومات الكونية، باستخدام الحواسب الآلية المرتبطة ببعضها عالمياً، وكذلك الأقمار الصناعية، ستؤدى إلى تحسين وسائل تبادل المعلومات، وتعمق الفهم، مما من شأنه أن يتجاوز المصالح القومية والثقافية والمصالح الأخرى المتباينة.
وثالثها: أن إنتاج السلع المعلوماتية سيتجاوز إنتاج السلع المادية، بالنظر إلى قيمتها الاقتصادية الإجمالية، وسيتحول النظام الاقتصادى من نظام تنافسى يقوم على السعى إلى الربح، إلى نظام تأليفى ذى طابع اجتماعى يسهم فيه المجتمع.
غير أنه لا ينبغى أن يقر فى الأذهان، أن تشكيل مجتمع المعلومات العالمى عملية هينة، وذلك لأنه يقف دونها تحديات عظمى، ينبغى مواجهتها. وأول هذه التحديات المعركة الدائرة الآن حول «ديمقراطية المعلومات»، والتى هى الشرط الموضوعى الذى لابد من توفره، وذلك لتفادى الشمولية والسلطوية.
وديمقراطية المعلومات تنهض على أساس أربعة مقومات. أولها: حماية خصوصية الأفراد، وتعنى الحق الإنسانى للفرد لكى يصون حياته الخاصة ويحجبها عن الآخرين. والمقوم الثانى هو الحق فى المعرفة، ونعنى حق المواطنين فى معرفة كل ضروب المعلومات الحكومية السرية، التى قد تؤثر على مصائر الناس تأثيراً جسيماً. ونأتى بعد ذلك إلى حق استخدام المعلومات. ونعنى بذلك حق كل مواطن فى أن يستخدم شبكات المعلومات المتاحة وبنوك البيانات، بسعر رخيص، وفى كل مكان، وفى أى وقت. وأخيراً نصل إلى ذروة مستويات ديمقراطية الإعلام، ونعنى حق المواطن فى الاشتراك المباشر في إدارة البنية التحتية للإعلام الكونى، ومن أبرزها عملية صنع القرار على كل المستويات المحلية والحكومية والكونية.
وثاني التحديات التى تواجه تشكيل مجتمع المعلومات الكونى، هو تنمية الذكاء الكونى، وهو يعنى القدرة التكيفية للمواطنين فى مواجهة الظروف الكونية المتغيرة بسرعة. والذكاء يمكن تعريفه بشكل عام بأنه القدرة على الاختيار العقلانى للفعل الإنسانى لحل المشكلات. ويبدأ الذكاء بالمستوى الشخصى لدى الأفراد، ثم يتطور ويتعمق إلى مستوى الذكاء الجمعي.