شقام مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني (كما هو متوقع) بـ«تجديد البيعة» بانتخاب شي جينبينغ، (69 عاما) أمينا عاما له للمرة الثالثة، ورئيسا للبلاد بالتالي في «انتخابات» آذار/مارس المقبلة، وإعطائه صلاحيات واسعة، عبر انتخاب لجنة مركزية للحزب (التي تعتبر النخبة الرئيسية المتحكمة بشؤون القرار في البلاد) من الموالين له.
مهّد شي، عام 2018، لهذا التطوّر عبر إلغائه للقاعدة الدستورية للحكم لولايتين رئاسيتين متتاليتين، والتي كان قد ثبتها دينغ شياوبنغ، الذي كان القائد الفعلي لنهضة الصين الحديثة، عام 1982، ورغم أن مدة الرئاسة التي تم تجديدها هو خمس سنوات، فالقرار هو تكريس لسيطرة شي على الحزب والدولة والجيش وأجهزة الاستخبارات والشرطة، وهو ما يعني أن المؤتمرات و«الانتخابات» ليست غير شكليّات لزخرفة واقع «القيادة الأبدية» لحاكم مطلق التي تميّز الأنظمة الشمولية الدكتاتورية.
مارس شي سلطاته الكبيرة على امتداد العقد الماضي من حكمه لدفع قيادات لا تعجبه إلى التقاعد أو الاستقالة، وتجاوز قاعدة العمر في الوظيفة، كما استخدم قضية «مكافحة الفساد» لإرهاب من يحاولون عرقلة خططه للسيطرة، أو التخلّص ممن يعتبرهم خصوما سياسيين له، والتي يرأسها تشاو ليجي، مسؤول «لجنة التفتيش التأديبي» الذي تم تصعيده إلى لجنة الحزب المركزية في المؤتمر.
استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يكبر شي بسنة واحدة فقط، تغييرات دستورية مناظرة لما فعله نظيره الصيني، عام 2020، لإبقائه على قمة السلطة حتى عام 2036، حين سيكون عمره 84 عاما، وسيكون قد بقي متحكما بالسلطة، لمدة 34 عاما (بما فيها الفترة التي تسلّم فيها، شكليا، منصب رئاسة الوزراء، وسلّم الرئاسة لتابعه، رئيس مجلس الأمن القومي الروسي حاليا، دميتري مدفيديف). ندّدت المعارضة الروسية، حينها، بذلك التغيير، ونشرت تقارير عديدة عن أن التصويت على التغيير شابه ضغوط على الناخبين، إضافة إلى افتقاده للشفافية، ووضعه قيودا على وجود مراقبين مستقلين.
لا عجب، والحالة هذه، أن يكون بوتين أول المهنئين لشي، مؤكدا لنظيره الصيني، على تطوير «الشراكة الشاملة» و«التحالف الاستراتيجي» بين البلدين، وقائلا إن نتائج المؤتمر العشرين للحزب «أكدت سلطتك السياسية والاتحاد في الحزب الذي ترأسه» وأن يكون الشريك الآخر في تهنئة شي هو حاكم كوريا الشمالية المطلق، كيم جونغ أون!
سجّلت كواليس تكريس السلطة المطلقة لشي حادثين شديدي الدلالة، الأول كان إخراج الرئيس الصيني السابق هو جينتاو من المقعد الذي كان جالسا فيه خلال المؤتمر قرب شي جينبينغ، عنوة، رغم الكاميرات المسلطة على الزعيمين، وتعليق السلطات على ذلك بأن الرئيس السابق هو الذي طلب الخروج «حين شعر بأنه ليس بخير».
الواقعة الثانية تمثلت بتعليق شخص مجهول لافتتين على جسر شمال غرب بكين، ينتقد شي، وأظهرت صور وتسجيلات مصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دخانا يتصاعد فوق الجسر قبل أن تزيل السلطات المختصة كلمات الكاتب التي دعت إلى «عزل الدكتاتور» وقالت: «نريد تصويتا لا شخصيات صورية ونريد أن نكون مواطنين لا عبيدا».
تتراكب أحوال الحكم الفردي المطلق مع ظواهر «عبادة الحاكم» وتحوّل النخبة السياسية إلى جوقة تطبّل لزعيمها وفضائله على الوطن والأمة، وفي الحالة الصينية، كما الروسيّة، فإن ذلك سيترافق مع تزايد سطوة أجهزة الأمن، التي تحرص على إبقاء الحزب الحاكم، وليس المواطنين فحسب، منضبطين حسب إيقاع «القيادة الأبدية» للحاكم، وهو ما ينعكس على مجمل شؤون الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولا يكون، في النهاية، في صالح البلد وسكانه، ولا محيطه، وفي حالة الصين، سيكون الأمر حدثا غير سعيد للعالم أيضا.
القدس العربي