الجزائر تستعد لتوسيع حظر الإضراب في قطاعات جديدة

الجزائر تستعد لتوسيع حظر الإضراب في قطاعات جديدة

تعكف السلطات الجزائرية على مراجعة العمل النقابي في البلاد، بشكل يطرح آليات جديدة للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، وينظم مدى تمثيلية النقابات في أوساط الشغل، واللافت هو توجهها إلى توسيع القطاعات التي يحظر فيها الإضراب عن العمل، بعدما كانت تقتصر على الأجهزة الأمنية والعسكرية في السابق.

الجزائر – طلب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، من حكومته في مجلس الوزراء الأخير، إثراء قانون النقابات الجديد، بشكل يوسع دائرة القطاعات التي سيحظر فيها الإضراب مستقبلا، بعدما كان الأمر يقتصر فقط على الأسلاك الأمنية وشبه الأمنية والعسكرية، فضلا عن تدقيق صلاحيات وحدود الحريات النقابية داخل الفضاءات العمالية.

ووصف بيان مجلس الوزراء الفئات الجديدة المرشحة لذلك، بـ”القطاعات الحساسة”، ولم يقدم تفاصيل أخرى في هذا الشأن، الأمر الذي يبقي المجال مفتوحا للحكومة لإدراج أي قطاع ضمن الممنوعين من الإضراب، ولا يستبعد من ذلك القضاء والمصالح الحساسة العاملة في القطاعات الإستراتيجية.

وبين رغبة السلطة تنظيم القطاع، ومخاوف الطبقة الشغيلة والنقابات من إمكانيات التضييق على الحريات النقابية، ينتظر أن تنتهي الحكومة من وضع آخر اللمسات على المشروع في المدى القريب، لإعادة دراسته في مجلس الوزراء قبل عرضه على البرلمان للإثراء والمصادقة.

السلطة الجزائرية تتجه إلى الفصل بين الحريات النقابية والعمل السياسي، وهو ما كان يزعجها طيلة العقود الماضية

وكانت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، قد أبرقت لمختلف الفعاليات الحزبية والجمعوية والنقابية، بخطابات للتكيف مع التنظيم السائد قبل وضع المتخلفين تحت طائلة القضاء لحلها، وهو ما أربك بعض النقابات المستقلة واعتبرته تضييقا عليها بسبب نشاطها في تعبئة الحركات الاحتجاجية، بينما ترى الحكومة أن قطاعا من تلك النقابات يفتقد للشرعية التي تنص عليها القوانين الناظمة.

وذكر بيان مجلس الوزراء، في الباب المتعلق بملف مشروع قانون العمل النقابي، والوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها، أن “رئيس الجمهورية وجه الحكومة للأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية، على أن يعرض المشروع في اجتماعات مجلس الوزراء القادمة”.

وأوجز الملاحظات المذكورة في التأكيد على أن التحولات التي تشهدها الجزائر، تقتضي تنظيما جديدا للمجال النقابي، ضامنا لحقوق وواجبات المستخدمين، ويساعد على حماية مصالح المجتمع، واستحداث أرضية لوجستية، تسمح بتطبيق مضمون القانون، الذي يعتبر إضافة حقيقية للعمل النقابي، كما كرسه دستور 2020.

واستوجب أن “يتضمن مشروع القانون بوضوح القطاعات الحساسة، التي لا تجوز فيها الإضرابات، على أن يعرض في اجتماعات مجلس الوزراء المقبلة، وأن تتحدد بدقة متناهية ضمن القانون اختصاصات وحدود ممارسة العمل النقابي، تفاديا للتداخلات، بين ما هو مهني، وما هو بيداغوجي صرف في القطاعات، كما أثبتته التجارب السابقة”.

ويبدو أن السلطة الجزائرية تتجه إلى الفصل بين الحريات النقابية وبين العمل السياسي، وهو ما كان يزعجها طيلة العقود الماضية بسبب الالتباس بين العملين، خاصة وأن ما يعرف بالنقابات المستقلة هي في الغالب معارضة للسلطة، ودعمت احتجاجات الحراك الشعبي في 2019، وكثيرا ما كانت التعبئة العمالية لتلك النقابات تتصل باستحقاقات سياسية معينة.

وظلت تنظر إلى الفعاليات النقابية المستقلة بعين الريبة والالتباس بينها وبين العمل السياسي والحزبي، نظير العلاقات الأيديولوجية بينها وبين بعض الأحزاب، والتماهي المثير بين الطرفين في مختلف القضايا والملفات الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك وصفت في أكثر من مناسبة بـ”الأذرع الاجتماعية للمعارضة السياسية”، من طرف دوائر مقربة من السلطة.

كما شكلت تلك الفعاليات مصدر نزيف للتنظيم النقابي التاريخي المقرب من السلطة (الاتحاد العام للعمال الجزائريين) الذي يعاني من هروب جماعي لمناضليه وكوادره نحو النقابات المستقلة، بسبب ما يوصف بمواقفه السلبية ومساندته للخيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة، فضلا عن الفساد الذي ينخر كاهله، حيث يتواجد أمينه العام السابق المحسوب على نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة رهن السجن المؤقت بتهم الضلوع في ملفات فساد.

وبوضع معالم نظام العمل النقابي الجديد، تتجه الحكومة إلى بسط سيطرتها على بؤر التوتر الاجتماعي، والتحكم أكثر في مصادر تأليب الطبقة العاملة على السلط العمومية، فلا يستبعد أن تجد العديد من النقابات الناشطة حاليا نفسها في وضع مناف للنصوص الجديدة مما يستدعي حلها، وهو الأمر الذي يؤرق ناشطين في القطاع ولا يستبعدون توظيف مشروع القانون الجديد في التضييق على الحريات النقابية.

وكان بيان للحكومة قد ذكر أن، “التعديلات المدرجة على القانون المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي والمعروضة، ترمي إلى تعزيز الحقوق المكتسبة للعمال، بتكييف أحكام هذا النص مع الاتفاقية الدولية للعمل، وتكييف أحكامه مع الاتفاقية الدولية للعمل رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي”.

وأضاف “مشروع القانون جاء لتعزيز الحقوق المكتسبة للعمال، من خلال السماح للنقابات العمالية بتشكيل فيدراليات واتحادات وكونفدراليات، بغض النظر عن المهنة وفرع وقطاع النشاط التي تنتمي إليه”.

ولفت إلى أن “التعديلات تستهدف حماية المندوب النقابي ضد أي قرار تسريح تعسفي يرتبط بممارسة الحق النقابي، من خلال التنصيص على آليات إضافية تمكن من إعادة إدماجه القانوني في حالة رفض المستخدم ذلك”.

العرب