تواجه الحكومة العراقية الجديدة، التي من المنتظر أن يمنحها البرلمان الخميس الثقة، بداية متعثرة، لاسيما وأنها جاءت منقوصة نتيجة عدم اتفاق الكتل السياسية على عدد مهم من الحقائب الوزارية، وسط ترجيحات بأن يأخذ حسم تلك الحقائب مدى زمنيا أطول مما هو متوقع.
بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية، إن رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني يعتزم طرح تشكيلة حكومية منقوصة، على مجلس النواب للتصويت عليها، مع استمرار الخلافات بين القوى السياسية الممثلة في ائتلاف إدارة الدولة حول الحقائب الوزارية.
وتشير الأوساط إلى أنه إلى حدود مساء الأربعاء، تم الاتفاق فقط على 14 وزارة من مجموع 24 وزارة، مرجحة أن يجري منح هذه الحكومة الثقة، بناء على اتفاق مسبق بين الكتل السياسية بانتظار استكمال التوافقات حول باقي التركيبة.
ويضغط السوداني باتجاه تمرير الحكومة الجديدة، وكان حصل خلال الساعات الماضية أخذ ورد بين القوى السياسية بشأن تأجيل جديد للجلسة النيابية، لكن تم حسم الأمر في اللحظات الأخيرة بعقدها الخميس.
وكان السوداني قد دعا في وقت سابق الأربعاء البرلمان في بلاده إلى عقد جلسة للتصويت على برنامج حكومته وتشكيلته الوزارية.
تحالف العزم يتقدم بثلاثة مرشحين لحقيبة الدفاع وهم خالد العبيدي، والشيخ ثابت العباسي، وأحمد عبدالله الجبوري
وقال رئيس الوزراء المكلف، في كتاب رسمي إلى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي “نرسل إليكم البرنامج الحكومي لغرض عرضه على البرلمان وتحديد يوم الخميس (اليوم) موعدا لعقد جلسة التصويت على الكابينة الوزارية”.
وذكر بيان لمكتب رئيس الحكومة العراقية أن السوداني عرض الأسماء المرشحة التي تقدمت بها القوى السياسية على لجان مختصة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والأدلة الجنائية بوزارة الداخلية وهيئتي النزاهة والمساءلة والعدالة لفحصها.
وأوضح البيان أن اللجان تعمل على التأكد من الشهادات الدراسية التي قدمها المرشحون والتحقق فيما إذا كان هناك قيد جنائي بحق أحدهم والتأكد من سلامة موقفهم في هيئتي النزاهة والمساءلة والعدالة.
وذكر البيان أنه “سيتم استبعاد أي مرشح يؤشر عليه في سجلات الدوائر الرقابية والأمنية”.
وسيقدم السوداني تشكيلته الوزارية القائمة على محاصصة بين القوى الشيعية والسنية والكردية الكبرى في البرلمان، وستخلو التشكيلة من أي تمثيل وزاري للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر وتيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم وتيارات مستقلة أبرزها الجيل الجديد وامتداد و”إشراقة كانون” ونواب مستقلون آخرون.
وتتوزع الكابينة الوزارية بواقع 12 لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، صاحب الأغلبية في البرلمان العراقي، وست حقائب لائتلاف السيادة الذي يقوده رئيس البرلمان، وأربع حقائب للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحقيبة للأقلية المسيحية.
وتم فقط حسم ثلث الفريق الوزاري، ما يعني بداية عرجاء للحكومة الجديدة، خصوصا وأنه من غير المرجح حدوث توافق حول باقي الحقائب المختلف حولها على المدى المنظور.
وهناك خلافات بين القوى الممثلة داخل الإطار التنسيقي حول عدد من الحقائب وبينها الداخلية، لكن مصادر قريبة من الإطار تحدثت عن تذليل لمعظم العقد، وأن هناك بوادر لحسم ما تبقى خلال الساعات المقبلة.
في المقابل تبدو الأمور أعقد بالنسبة إلى القوى الكردية والسنية. وكشف مصدر سياسي الأربعاء عن وجود خلافات كبيرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بشأن تقاسم الحصة الوزارية للأكراد، مع استمرار تفاعلات الخلاف بينهما حول رئاسة الجمهورية، التي حسمت لصالح الاتحاد.
ونلقت وكالة “بغداد اليوم” عن عضو في الاتحاد الوطني الذي يقوده بافل طلباني قوله إن “حصة المكون الكردي هي أربع وزارات، الخارجية والبلديات والبيئة للديمقراطي الكردستاني بينما وزارة العدل هي للاتحاد الوطني والخلاف هو حول وزارة البيئة التي يريدها الاتحاد الوطني”.
ويسعى الحزب الديمقراطي لتعويض خسارته القاسية لمنصب رئاسة الجمهورية ويتمسك بالحصول على ثلاث وزارات، في المقابل يصر الاتحاد الوطني على الحصول على وزارتين.
ويرى مراقبون أن الخلاف بين الحزبين الكرديين لا يخلو من شخصنة، وعملية كسر إرادات، لافتين إلى أنه من المرجح أن تتدخل أطراف من الإطار التنسيقي لإنهاء حالة العبث التي تشهدها الساحة الكردية.
ولا يبدو الوضع أفضل بالنسبة إلى المكون السني، الذي تتنازع أقطابه في البرلمان على ست وزارات، حيث يريد تحالف العزم نصفها مع منصب نائب رئيس الوزراء، لأن تحالف السيادة حصل على رئاسة البرلمان، لكن الأخير يريد إعطاءهم اثنتين فقط، هما الدفاع والثقافة.
وتقدم تحالف العزم بثلاثة مرشحين لحقيبة الدفاع وهم خالد العبيدي، والشيخ ثابت العباسي، وأحمد عبدالله الجبوري.
وتحدث أحد المصادر عن إمكانية حصول تحويرات على الحقائب بين الأطراف السياسية حيث قد يحصل السنة على وزارة الثقافة بدلا من الشباب والرياضة، وعلى وزارة التعليم بدلا من التربية، فيما قد يحافظ الأكراد على ذات الوزارات، وهي الخارجية، والعدل، والبلديات، والبيئة في حال جرى فصلها عن وزارة الصحة.
الحزب الديمقراطي يسعى لتعويض خسارته القاسية لمنصب رئاسة الجمهورية ويتمسك بالحصول على ثلاث وزارات، في المقابل يصر الاتحاد الوطني على الحصول على وزارتين
ولا تبدو عملية التشكيل الحكومي مبشرة بالنسبة إلى العراقيين، خصوصا وأنها تجري وفق ذات النظام الذي كلف العراق الكثير، على مدى السنوات الماضية، وسط توقعات بأن هذه الحكومة لن تعمر طويلا، خصوصا وأنها تجاهلت أسس التشكيل القائمة على اختيار أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وركزت على الكوادر الحزبية.
وينسحب هذا التشاؤم على التقارير الدولية، التي حذرت من أن العراق مقبل على موجة تصعيد جديدة في ظل النظام القائم.
وذكر تقرير لموقع “إي بي أس جورنال” الأوروبي أن “تشكيل حكومة من قبل المكلف محمد شياع السوداني أصبح مجرد أمر شكلي”.
وأشار التقرير إلى أن “نظام المحاصصة في تشكيل الحكومة ما زال قائماً، أما بالنسبة إلى اللاعبين الدوليين، مثل بعثة اليونامي للأمم المتحدة في العراق، فإنهم قد تنفسوا الصعداء”.
وتساءل التقرير “هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة حقا على إيجاد أجوبة وحلول لمشاكل وتحديات العراق الكبرى وأن تخلق سلما مجتمعيا؟”.
وأضاف “بغض النظر عمّا ستكون عليه طموحات الحكومة الجديدة في جهودها، فإن الأمر واضح من الآن في أن العراق قد يواجه بلا شك تصعيدا آخر إذا لم يكن هناك تغيير جذري للنظام”.
وأشار التقرير إلى أن “إرث فشل النظام السياسي في العراق في إدارة البلاد يعيد نفسه من جديد مع غياب العدالة الاجتماعية، وكلما ازداد يأس الناس تزداد فرص الاحتجاجات التي دائما ما تسبب عدم استقرار لسنوات عديدة”.
العرب