القاهرة- خلطت تصريحات مسؤولين كبار في الحكومة المصرية الخميس بين الأرقام الإيجابية ونظيرتها السلبية في تحركها لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى زيادة الضغوط عليها بدلا من تخفيفها؛ حيث طفا على السطح خفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 15 في المئة بدلا من حصول القاهرة على 9 مليارات دولار قيمة قروض من صندوق النقد الدولي وصندوق الاستدامة ومؤسسات دولية أخرى ودول شريكة.
ولئن أفادت التوقعات بأن خفض العملة ستكون آثاره السلبية على المواطنين فورية، فإن حزم القروض الجديدة ستفتح أفقا لتخفيف الضغوط الواقعة عليهم، وهو الأمر الذي تاه وسط ارتباك المسؤولين في شرح الموقف بصورة جيدة.
ويقلل نظر الحكومة والمواطنين إلى نصف الكوب الفارغ من الأهمية المستقبلية التي ينطوي عليها النصف الممتلئ، وهو ما سيؤدي إلى استمرار الغضب في الشارع الذي صار أكثر تشاؤما بسبب ازدياد المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
ويقول مراقبون إن قوى المعارضة ستجد في خفض قيمة الجنيه وسيلة لتوسيع مساحة الانتقادات الموجهة للنظام المصري، ولن تنتظر التأثيرات الإيجابية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن تخفيض العملة كان متوقعا لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد وتشجيع الاستثمار، وهو ما استبقته الحكومة قبل يوم واحد فقط من الإعلان عن الزيادة الاستثنائية في رواتب العاملين بالدولة وأصحاب المعاشات ورفع الحد الأدنى للأجور ومد أجل أحد برامج الحماية الاجتماعية للمواطنين وعدم الترفيع في أسعار الكهرباء.
وأعلن البنك المركزي المصري في بيان له الخميس عن وضع قواعد جديدة تسمح للبنوك بالقيام بعمليات الصرف الآجلة للشركات، شريطة أن يكون الغرض منها تغطية مراكز الزبائن الناتجة عن اعتمادات مستندية أو تسهيلات مورّدين.
وألغى المركزي كتابا يحظر القيام بعمليات صرف آجلة غير قابلة للتسليم إلى الزبائن من البنوك أو المؤسسات أو الأفراد، مع السماح للبنوك المحلية بالقيام بها لغير أغراض المضاربة.
وشرعت الحكومة في الإلغاء التدريجي لتوجيهات تبناها البنك المركزي في مارس الماضي بشأن استخدام خطابات الاعتماد لتمويل الواردات مع استهداف إلغائها بالكامل بحلول ديسمبر المقبل.
وتسببت التوجيهات السابقة في تقويض قدرة المستوردين على استيراد السلع؛ إذ أفادت بيانات من جهاز الإحصاء في مصر بانخفاض واردات السلع الاستهلاكية المعمرة بين شهري أبريل ويونيو بنسبة 57 في المئة.
◘ قوى المعارضة ستجد في خفض قيمة الجنيه وسيلة لتوسيع مساحة الانتقادات الموجهة للنظام المصري
ورفع البنك المركزي الخميس أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسات النقدية، وهي خطوة استباقية استعدادا لتوقيع الاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي.
والخميس تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار في تعاملات الأسواق الأجنبية إلى مستوى قياسي بعد الإعلان عن رفع أسعار الفائدة؛ إذ وصل سعره إلى 22.5 جنيه لكل دولار واحد.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن بلاده ستحصل من صندوق النقد الدولي على 3 مليارات دولار، ومن صندوق الاستدامة على مليار دولار، ومن دول شريكة ومؤسسات دولية أخرى على نحو 5 مليارات دولار، ما يعني أن إجمالي التمويل يصل إلى 9 مليارات دولار ستتلقاها البلاد قريبا.
وقال عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين حسن الشافعي لـ”العرب” إن “استقرار سعر الصرف من أساسيات الاستثمار في أي بلد، سواء قام بتثبيت العملة على صعود أو ثبتها على هبوط، وهذه مسألة ليست يسيرة في حالة مصر وتتطلب ما يوصف بـ’الساحر أو الحاوي’ في الظروف الراهنة كي يستطيع التعامل مع سعر الصرف”.
وأضاف أن “قواعد البنك المركزي الجديدة في صالح الشركات المصدرة التي تتدفق إليها العملات الأجنبية، بينما الشركات التي تطرح منتجاتها في السوق المحلية أو تعتمد على الاستيراد ليس أمامها سوى رفع الأسعار والتقليل من هامش الربح قدر الإمكان”.
وأوضح أن “التحركات التي قامت بها الحكومة ستؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، ما ينتج عنه ضعف القدرة الشرائية وانخفاض الإنتاج في المصانع، لذلك يجب أن تركز المنشآت المصرية على تصدير المنتجات القائمة على منتج محلي”، محذرًا من تسريح العمالة في القطاع الخاص بسبب الإجراءات الجديدة، لأن ارتفاع سعر الصرف سيؤثر سلبًا على المستثمرين والمنتجين.
ويسعى البنك المركزي للحد من الاستيراد وزيادة الصادرات، ولن تُحل تلك الأزمة إلا بتعميق الصناعة المحلية والإنتاج، وستظل الحكومة المصرية تدور في حلقة مفرغة بعض الوقت إلى أن يتم إيجاد حل لهذه المعضلة، لأنها لا تملك ثروات تُدر عليها عملات صعبة تحمي من خلالها عملتها المحلية.
وأكد الخبير الاقتصادي المصري ياسر عمارة أن قرارات البنك المركزي قاسية وتزيد الأعباء المعيشية على المواطنين، لكن السلع الأساسية ستواجه دعمًا من الحكومة، لأن الدولة لديها مخزون إستراتيجي جيد من القمح والدقيق والزيت والسكر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “تحرك البنك المركزي صاحبه دعم لرواتب العاملين في الدولة، وقرض من صندوق النقد الدولي، ما يسمح بزيادة المعروض من الدولار في الفترة المقبلة، وهو ما يجعل موجة الارتفاع الحالية للعملة الأجنبية مؤقتة، فضلا عن أن مساعي البنك المركزي لربط الجنيه بسلة عملات أجنبية سوف تكون لها تأثيرات مفيدة في المستقبل، تقل معها فرص إجهاض إجراءات الدعم الحكومية”.
ورافق قرار البنك المركزي، الذي يقضي برفع أسعار الفائدة وتحرير الجنيه المصري بشكل كامل، ارتفاع في مؤشرات البورصة المصرية، على الرغم من أن العلاقة عكسية بين البورصة وسعر الفائدة، وتعززت مكاسب سوق المال بمشتريات المستثمرين الأجانب، حيث تأكدوا من وجود سعر صرف مرن في مصر، وهو ما يدل على أن العملات الأجنبية ستتدفق نحو السوق المصرية قريبا.
العرب