واشنطن وطهران تلتقيان على دعم حكومة السوداني

واشنطن وطهران تلتقيان على دعم حكومة السوداني

كانت الولايات المتحدة وإيران في مقدمة المهنئين بتشكيل حكومة عراقية جديدة ومنحها الثقة، وهذا يعود إلى أن للطرفين مصلحة في انتهاء الأزمة السياسية في العراق، لكن يبقى ارتياح كلا الطرفين لهذه الانفراجة مبالغا فيه، في ظل شارع عراقي متحفز للتصعيد.

بغداد – سارعت إيران والولايات المتحدة إلى تهنئة رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني بمنح البرلمان الثقة لحكومته، فيما يعكس ارتياح كلا الجانبين، لانتهاء الانسداد السياسي الذي شهده العراق منذ أكثر من عام، وكاد أن يتحول إلى عنف في أحد المنعطفات.

ويعد العراق من الساحات القليلة التي تتقاطع فيها مصالح إيران والولايات المتحدة، حيث إن الأخيرة سلمت منذ سنوات بسيطرة طهران على سلطة القرار في العراق عبر القوى الموالية لها، فيما إيران وبالرغم من التهديدات التي تطلقها بين الفينة والأخرى تتجنب المس بمصالح واشنطن والغرب عموما في هذ البلد.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة وإيران تجدان أن من مصلحتهما الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في العراق، لاسيما في الظرفية الراهنة، فواشنطن حريصة على استمرار تدفق النفط من هذا البلد، مع أزمة الطاقة التي يشهدها العالم جراء الصراع الروسي – الأوكراني، وعدم نجاح ضغوط واشنطن على تحالف أوبك بقيادة السعودية لضخ المزيد من النفط.

واشنطن وطهران من مصلحتهما الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار في العراق، لاسيما في الظرفية الراهنة

واتخذ تحالف أوبك وقوى من خارجه تقودها روسيا مؤخرا قرارا بخفض إنتاج النفط بحدود مليوني برميل يوميا ابتداء من نوفمبر، الأمر الذي شكل إحراجا كبيرا لإدارة جو بايدن، ودفعها إلى شن حملة كبيرة ضد السعودية.

ويقول المراقبون إن وشنطن حريصة على عدم تفاقم أزمة الطاقة، وهي ترى أن أي تدهور يمس بالوضع في العراق، الذي يمثل ثاني أكبر منتج للنفط الخام في أوبك، قد يشكل بالنسبة لها انتكاسة جديدة، وهو ما يفسر مسارعتها إلى إعلان ترحيبها بحكومة السوداني.

وأعربت الولايات المتحدة عن تطلعها إلى العمل مع رئيس الوزراء العراقي ومع حكومته، بما يضمن “مصالحنا المشتركة”.

وقال بيان صادر عن الخارجية الأميركية إن “الشعب العراقي جدير بأن تكون أمامه فرص اقتصادية، وبوضع نهاية للفساد وتحسين الخدمات العامة”.

وأضاف البيان أن “الولايات المتحدة ترحب بتعهّد رئيس الوزراء السوداني بوضع السلاح تحت سيطرة مؤسّسات الدولة الرسمية والشرعية”، لافتا إلى أن “لدينا وحكومةَ العراق مصلحة مشتركة في الحفاظ على الاستقرار والأمن”.

وقالت الخارجية الأميركية في بيانها “الولايات المتحدة على استعداد للعمل مع الحكومة العراقية والشعب العراقي للتصدّي سوية للتحديات التي تواجه العراق، من تحسين احترام حقوق الإنسان إلى معالجة تغيّر المناخ وتحسين الفرص الاقتصادية أمام أعداد متزايدة من السكان… يمكن للعراق أن يستند على الولايات المتحدة كشريك له وهو يمضي قدما في الإصلاحات”.

في المقابل، كان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مقدمة المهنئين لرئيس الوزراء العراقي. وتوجه رئيسي في برقية تهنئة إلى السوداني بالقول “نهنئكم على المسؤولية المهمة لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة العراقية وحصول الوزراء المرشحين على ثقة مجلس النواب”.

وأضاف “لقد دأبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على دعم العملية السياسية في العراق على أساس تصويت الشعب، ولن تدخر أي جهد لتطوير العلاقات الأخوية مع العراق”.

وتابع رئيسي “من المؤمل أن تتوطد العلاقات الأخوية بين الجمهورية الإيرانية الإسلامية وجمهورية العراق، وتتطور من جميع النواحي خلال فترة رئاسة الوزراء لبلادكم بما يتجاوز العلاقات الرسمية”.

وشدد الرئيس الإيراني على عزم بلاده على “توطيد وتعميق وتطوير التعاون الثنائي، وهي على استعداد تام لتطوير هذه العلاقات”.

وبدأ رئيس الوزراء العراقي الجمعة رسميا مهامه على رأس الحكومة الجديدة، التي منحها البرلمان العراقي الثقة الخميس.

كل الطرق مهيأة
وجاء التشكيل بعد أشهر من السجالات بين الإطار التنسيقي، الذي يمثل المظلة السياسية الموالية لإيران، والتيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر الذي فاز في الانتخابات التشريعية الماضية، قبل أن يقرر في يونيو الماضي استقالة كتلته من البرلمان واللجوء إلى الشارع، في خطوة غير محسوبة أخرجته تماما من المعادلة السياسية.

ومنحت اندفاعة الصدر الإطار التنسيقي الأغلبية النيابية الشيعية، ونجح بفضل دعم كبير من طهران في إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني بالانضمام إليه لتشكيل ائتلاف “إدارة الدولة”، الذي تم بموجبه استكمال باقي الاستحقاقات الدستورية التي توجت باختيار عبداللطيف رشيد رئيسا للجمهورية وتكليف السوداني برئاسة الوزراء.

ويقول المراقبون إن طهران لعبت الدور الأبرز في تفكيك ممانعة الحزب الديمقراطي الكردستاني، من خلال دفع الاتحاد الوطني الكردستاني إلى تقديم تنازلات لتسهيل حل الأزمة السياسية في العراق.

ويشير المراقبون إلى أن هدف إيران كان لملمة الأزمة العراقية بالسرعة الممكنة، خصوصا مع الضغوط المتصاعدة التي تواجهها في الداخل، نتيجة الاحتجاجات التي تعصف بها منذ أكثر من شهر والتي تأبى أن تنتهي، بالرغم من حملات القمع التي تشنها الأجهزة الأمنية الإيرانية.

ويلفت المراقبون إلى أن إيران ترى اليوم في تولي حكومة جديدة موالية في العراق، إنجازا كبيرا يمنحها راحة أكبر للتركيز بشكل أفضل على الوضع الداخلي، ومواجهة الحراك الذي يبدو آخذا في الاتساع.

واجتاحت المظاهرات الجمهورية الإسلامية منذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاما) في حجز للشرطة الشهر الماضي. وشكلت الاضطرابات أحد أكبر التحديات أمام القيادة الدينية الإيرانية منذ ثورة 1979.

اندفاعة الصدر منحت الإطار التنسيقي الأغلبية النيابية الشيعية، ونجح بفضل دعم كبير من طهران في إقناع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني بالانضمام إليه لتشكيل ائتلاف “إدارة الدولة”

وأظهرت لقطات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي الجمعة متظاهرين في مدينة زاهدان القريبة من حدود إيران الجنوبية الشرقية مع باكستان وأفغانستان، وهم يطالبون بموت المرشد الأعلى “الدكتاتور” آية الله علي خامنئي والقضاء على ميليشيا الباسيج التي لعبت دورا رئيسيا في قمع المظاهرات.

وقُتل العشرات في اشتباكات وقعت في زاهدان قبل أربعة أسابيع خلال احتجاجات مناهضة للحكومة. وقال مجلس أمن المدينة إن معارضين مسلحين هم من بدأوا الاشتباكات التي أدت إلى مقتل أبرياء، لكنه أقر بوجود “أوجه قصور” من جانب الشرطة.

ويرى المراقبون أن الأزمة العراقية شكلت على مدار الأشهر الماضية مثار صداع بالنسبة للنظام الإيراني، لكنه اليوم نجح مجددا في تثبيت القوى العراقية الموالية له في السلطة في هذا البلد.

واستدرك المراقبون بالقول إن شعور إيران بالارتياح للوضع في العراق يبدو مبالغا فيه، في ظل مؤشرات توحي بأن هذا البلد مقبل على موجة تصعيد جديدة، خصوصا بعد أن تحدت طهران والمجموعة الموالية لها إرادة الشارع العراقي في تغيير النظام القائم على المحاصصة.

وتظاهر المئات الجمعة في وسط مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، من ناشطي حراك أكتوبر 2019، ضدّ الحكومة الجديدة، معتبرين أنها جاءت بنفس طريقة الحكومات السابقة.

وقال المحل السياسي علي البيدر، تكمن المشكلة في أن هذه الحكومة “جاءت بنفس أساليب الحكومات السابقة ونفس الكتل السياسية والأحزاب والتيارات“، التي حكمت المشهد السياسي منذ إسقاط نظام صدام حسين بعد العام 2003. لكن هذه الحكومة تفتقد لتيار أساسي هو التيار الصدري الذي كان مشاركاً في كلّ الحكومات السابقة مذّاك.

العرب