النظام الإيراني يوظف إرهاب داعش لتبرير قمع المتظاهرين

النظام الإيراني يوظف إرهاب داعش لتبرير قمع المتظاهرين

يقدم التنظيم التكفيري السني “داعش” خدمة مجانية جديدة للنظام الطائفي القمعي الحاكم في إيران بعد الخدمات التي قدمها له في سوريا والعراق. وهو الآن يمنحه الغطاء الأخلاقي لتبرير قمعه وقتله لشباب إيران ونسائها ممن يطالبون بالحرية والخلاص؛ حيث يتخلص هو منهم بالرصاص ويلصق بهم تهمة الإرهاب أو على الأقل خدمة أجندة إرهابية.

أهدى تنظيم داعش الإرهابي النظام الإيراني ورقة ثمينة قد تمكنه من استعادة التوازن في الداخل ومسك زمام المبادرة بعد أسابيع من الارتباك الأمني والعجز عن السيطرة على غليان شارع غاضب من تصرفاته.

وحمل تنفيذ التنظيم السني التكفيري لعملية نوعية في قلب إيران أخيرا دلالة مهمة، مؤداها تقديم الجماعات التكفيرية المسلحة خدمات للأنظمة القمعية والشمولية في الوقت المناسب لإنقاذها من انتقام الشعوب.

وتلوذ الكثير من الأنظمة القمعية بورقة الإرهاب تحت زعم مكافحته ومواجهة خطره لحرف الاحتجاجات الشعبية عن مسارها، عبر خلط سلمية المظاهرات بعنف ودموية الإرهاب والتغطية على مطالب وحقوق مشروعة بتصدير أهداف الجماعات المتطرفة المحدودة وغير المستحقة.

ولم يكد تنظيم داعش يعلن عن مسؤوليته عن الهجوم على مزار شاه جراغ الديني في مدينة شيراز جنوبي إيران الأربعاء حتى أسرع مسؤولون إيرانيون إلى ربطه بالحراك الشعبي الغاضب، بهدف خلط الأوراق واعتبار الانتفاضة مجرد أعمال شغب تمهد الطريق أمام أعمال إرهابية.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في خطاب متلفز خلال زيارته لمحافظة زنجان إن مثيري الشغب جاؤوا إلى مرقد شاه جراغ وأطلقوا النار على أبرياء كانوا يقومون بعبادة الله، ومن ثم يتبنى داعش المسؤولية، وفقًا لتصور الرئيس الإيراني.

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عقب عملية داعش إن حكومته لن تسمح بأن يتلاعب بأمن البلاد من وصفهم بـ”الإرهابيين” و”الأجانب” المتدخلين في شؤونها.

وتُعد العملية التي قتل فيها 15 شخصا وجُرح 19 آخرين التي طالت ضريحا شيعيا بجنوب إيران الثانية لداعش بعد عمليته الرمزية الأولى في يونيو 2017 واستهدف فيها البرلمان الإيراني ومرقد مرشد الثورة آية الله الخميني.

هدية داعشية
ظهور داعش يخفف من الضغوط عن السلطة الإيرانية التي فقدت الحيلة في التعامل مع مدنيين سلميين

وجد النظام الإيراني في عملية داعش الأخيرة فرصة مناسبة للخروج من مأزق عجزه عن تكرار الحل المعتاد مع الاحتجاجات السابقة وهو العنف بلا قيود في التعامل مع مدنيين غير مسلحين، خاصة بعد زوال خوف الشباب والفتيات في إيران وتسلحهم بالجرأة في مواجهة القوى الأمنية.

احتاج نظام ولاية الفقيه، بعد انتشار الانتفاضة الشعبية في نحو 193 مدينة في جميع محافظات البلاد البالغ عددها 31 محافظة بما في ذلك جميع الجامعات والمدارس الثانوية، إلى حل خارج الصندوق يخول له الزعم بأنه يواجه إرهابًا سنيًا طائفيًا وليس احتجاجات شعبية شيعية مشروعة.

يتيح حضور تنظيم داعش في المشهد الإيراني الآن، بعد استمرار الانتفاضة التي اندلعت عقب مقتل المواطنة مهسا أميني على يد عناصر من شرطة الأخلاق لأكثر من شهر ونصف، للنظام الحاكم وأجهزته المناورة بورقة أثبتت نجاعتها في تفريغ الثورات من مضامينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

واحتفى المسؤولون الإيرانيون بهدية داعش سريعًا قاصدين وضع عصا الإرهاب وفوضى التفجيرات والقتل في عجلات الانتفاضة السلمية التي تصاعدت وتطورت وأخذت مؤشرات عديدة بقرب تحولها إلى ثورة.

وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوهات تظهر يوميًا المتظاهرين وهم يرددون شعارات “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي” و”هذا العام هو عام الدم، سوف يسقط خامنئي”.

يخفف ظهور داعش كطرف ثالث بجوار أمن النظام والمتظاهرين، في معادلة المشهد الإيراني، من الضغوط عن السلطة التي فقدت الحيلة في التعامل مع مدنيين سلميين يعلنون بصوت عال وواضح أنهم لا يخافون، ومستعدون لمواجهة القمع الوحشي بصدور عارية.

ويهدف قادة النظام الديني في إيران إلى الالتفاف على الاحتجاجات الحالية والتعمية على طبيعتها كحراك شعبي غير مسبوق يسعى نحو إسقاط النظام الدكتاتوري الذي دمر حياة الكثير من الإيرانيين ويقضي على مستقبلهم.

وتراهن طهران على استنساخ مخططها في الحالة العراقية لتطبيقه في الداخل الإيراني من خلال تحويل المعادلة إلى صراع طائفي ليطرح النظام الحاكم نفسه كقوة ضرورية وظيفتها حماية الطائفة الشيعية ودولتها من عدوان تكفيري سني.

استفادت طهران من ظهور داعش وتمدده في عدد من المدن العراقية في السابق، ما أوحى بدور إيراني ماكر مفاده فتح المجال لتنظيم تكفيري سني وغض الطرف عن توسع ميليشياته وممارساتها الدموية، لتكريس نفوذ نسخته الطائفية الشيعية المناوئة له ولبسط نفوذها السياسي والعسكري والتوغل في البلاد عبر وكلائها.

Thumbnail
يبدأ السيناريو بظهور كارثي لداعش وممارساته الطائفية الوحشية وعملياته الإرهابية المرعبة لبث الخوف والذعر في قلوب الناس، وهو ما جرى تنفيذه باستخدام أداة زعيم القاعدة في العراق ونواة داعش أبومصعب الزرقاوي.

وأقام الزرقاوي في إيران فترة طويلة ونال دعمًا كبيرًا قبل أن يُفتح له باب الانتقال إلى العراق وينفذ هجمات عدائية ضد الشيعة ومزاراتهم المقدسة، ويسيطر على ثلثي مساحة البلاد فضلا عن محافظتين كبيرتين في سوريا، وبعدها تقدمت طهران متقمصة دور المنقذ لتبسط سيطرتها لاحقًا على المشهدين الأمني والسياسي.

ويريد النظام الإيراني قلب الاحتجاجات التي تستهدف ذروة السلطة الدينية الشمولية ومرشدها الأعلى إلى مواجهة بينه وبين داعش وجماعات إرهابية سنية لإعادة إنتاج نفسه في المشهد وحرمان الإيرانيين مما أنجزوه خلال الأيام الماضية من إضعاف للنظام وتشكيك في شرعيته وهز لهيبته المصطنعة وكسر حاجز الخوف في مواجهة أجهزة قمعه.

وقد يتم إطلاق يد تنظيم داعش لبث الفوضى والاعتداء على الممتلكات وتنفيذ هجمات على الأضرحة والمزارات الدينية كعنصر تخويف وإرهاب في مواجهة المتظاهرين.

وكسر إيرانيون توازن الرعب السابق بعد أن كانوا يفرون في الاحتجاجات أمام عناصر الأمن وأصبحوا يواجهونها بثبات، وأبدوا تحديًا لافتًا لعناصر الأمن وسط احتضان اجتماعي غير مسبوق.

ومن شأن دخول داعش إلى المشهد إخافة المواطنين والعوام من أن تقود المظاهرات إلى فوضى أمنية شاملة تتمدد في فراغها تنظيمات وميليشيات تكفيرية تعادي الشيعة وتستهدف ممتلكاتهم ودور عبادتهم، ما يجعلهم يرضون بما يحققه لهم النظام القمعي من أمن ضد عدو افتراضي عملًا بقاعدة الأخذ بأهون الشرين.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يوظف فيها النظام الشمولي الديني في إيران تنظيم داعش لتحقيق أهدافه ومصالحه؛ وسبق أن عقد حزب الله الموالي لإيران صفقة مع التنظيم التكفيري السني في أكتوبر 2017 في فجر الجرود، جرى بمقتضاها تسفير عناصره بجوازات سفر تحمل تأشيرات إيرانية وسيارات مكيفة إلى دير الزور السورية.

ويمهد ظهور داعش في أي منطقة لسيطرة إيرانية بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق وكلاء طهران، بوصفها الوحيدة القادرة على كبح جماحه ووقاية العامة من شروره وتخليص البلاد منه.

ومن جهته يحقق داعش العديد من الأهداف المهمة في سياق خططه الحالية لإعادة بناء هيكله التنظيمي واستعادة بريقه، ويجد التنظيم في انشغال أجهزة الأمن والمخابرات بقمع المظاهرات الشعبية العارمة التي انتشرت فرصة لتحقيق ما عجز عنه من قبل، حيث حال التواجد الكثيف لأجهزة الأمن ونشاط الاستخبارات دون اختراقه إلا في مرات نادرة.

وباستهدافه العمق الإيراني وتنفيذه هجمات ضد مزارات شيعية في ظل الأوضاع الحالية، يثبت داعش حضوره في المشهد ويعوض غيابه عن الساحة الجهادية العالمية وعجزه عن توجيه ضربات لأميركا والغرب بالظهور في بؤرة جاذبة للمخيال الجهادي السني.

وتمنح الاضطرابات والتوترات الأمنية على وقع المظاهرات المتواصلة داخل إيران تنظيم داعش فرصة كبيرة لخلق عمق لنشاطه العسكري ودعايته الطائفية عبر التموضع في مركز الصراع السني – الشيعي، ما يتيح له مساحة للتحرك والمناورة لاستعادة جزء من نفوذه المفقود في كل من العراق وسوريا.

وفي الوقت الذي يستغل فيه داعش الأحداث والثغرات الأمنية لمخاطبة جمهور محدود من الساخطين على سياسات التضييق الطائفي لتجنيد وكسب مؤيدين جدد، تستغل السلطة في طهران عمليات داعش لتبرير العنف والقمع الوحشي ضد المتظاهرين بزعم الإسهام في زعزعة الاستقرار وتشتيت أجهزة الأمن وإتاحة المجال للتكفيريين.

العرب