الباحثة شذى خليل*
يعد مشروع الكشف عن الذمم المالية للوزراء الجدد في الحكومة العراقية 2022، 2023 ، اجراءا روتينيا للتحقق من كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل المؤسسات الحكومية العراقية، منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، وبموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500 ألف دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية، ولاسيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.
المعنى الاقتصادي للذمم المالية، يتكون من قسمين الذمم المدينة والذمم الدائنة؛ الذّمم المَدينة والتي تُسمى Account receivable على أنّها رصيد من الأموال المستَحقّة للشّركة او الفرد على الغَير مقابل سلع تمَّ تَسليمها أو خَدمات تم تَقديمها ولم يقم العميل بدفعها في الوقت نفسه، وتعرّف الذّمم المَدينة على أنّها أي مبلغ يَدين به العملاء للشّركة او الشخص، مقابل الشّراء على الحساب.
بينما تعرّف الذّمم الدائنة والتي يُطلق عليها Account payable على أنَّها حسابات موجودة داخل دَفتر الأستاذ العام وتُمثّل التزام تَتحمّله الشّركة او الشخص.
بعد الإعلان عن الكابينة الوزارية الجديدة في العراق، بدأ الكشف عن الذمم المالية للوزراء الجدد في الحكومة الجديدة، ولكن الحقيقية هنا مدى المصداقية في خطوة تكاد تكون مجرد Show، استعراضاً سياسياً لا يضيف سوى إطارا كاذبا للسياسيين وللإعلام المروج للفاسدين، لسبب بسيط انه لو كان الوزراء أنفسهم يعلمون بجدية الخطوة الحكومية، لما تم ترشيحهم للحكومة من الأساس، لهربوا خارج البلد.
إن الفساد المستشري في العراق، واضح جدا للجميع حيث انه أصبح جزءا من العملية السياسية، فقط مزاد العملة لوحده أكبر صفقة فساد يشهدها العراق وبإطار قانوني، أُعد من قبل المستفيدين والمتورطين بهدر المال العام ، وأنواع أخرى مثل فساد الوزارات، الأجهزة الأمنية، الجمارك والحدود، وللاختلاسات وتبيض الأموال، والنصب والاحتيال، وفساد عقود التراخيص ، عقود النفط ، سرقة النفط، وفساد في عقود ما يسمى الاستثمارات، فساد في القطاع الزراعي ، فساد في المفاوضات حول مستقبل البلد وأزمة المياه القادمة.
لا تعني كشف الذمم المالية للوزراء في الحكومة الجديدة شيئا، وليست بالضرورة نزاهة من يكشف ذمته المالية، إذ اكدت النائب سهيلة السلطاني، ان “الجميع يدرك أنه يتم تهريب الأموال إلى خارج العراق وأن هناك غسيل وتسجيل أموال بأسماء أبناء تحت السن القانونية، أو الزوجات، أو الأقرباء، أو المعارف وغيرها، فالسراق لديهم طرق كثيرة لإخفاء هذه الأموال، كما أن طرقهم غير تقليدية في السرقة والإخفاء، لذا فإن كشف الذمة المالية إجراء قانوني بلا جدوى، فالسارق لا يخشى شيئا اليوم، ومن يكشف ذمته المالية لا يعني أنه نزيه”.
وتشير السلطاني إلى أن “هناك غايات عدة وراء كشف الذمة المالية، منها ألا يُسأل المعني (من أين لك ما سرقته)، ولكن، حتى لو كشفت السرقة فإن السارق سيُسجن لمدة قصيرة ومن ثم يخرج بكفالة ليتنعم بالأموال التي سرقها من الشعب”.
هل تجرؤ هيئة النزاهة عن الكشف عن الفساد ومحاسبة الفاسدين، والتحقيق في تضخم أموالهم بعد استلامهم المنصب في الحكومة، يجب اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد في الجوانب الوقائية والملاحقة والتجريم للفاسدين ومنعهم من الإفلات من العقاب، لكن هيئة النزاهة لم تفعّل، حيث يذكر أن لجنة النزاهة النيابية السابقة قدرت العام الماضي، حجم الأموال المهربة منذ 2003، بنحو 350 مليار دولار، أي ما يعادل 32 بالمئة من إيرادات العراق خلال هذه الأعوام، ولكن دون أي إجراء، كما تصدر هيئة النزاهة الاتحادية وبشكل مستمر، بيانات عن اكتشافها ملفات فساد أو إصدار أحكام بحق مسؤولين سابقين، لكن أغلبهم في المحافظات أو إداريين في بعض الوزارات.
إذا كشف الذمم المالية مجرد روتين متبع في كل حكومة جديدة تتسلم مهامها، لكن لا يجري بعد انتهاء مهام الحكومة تقييم أو تقديم كشف ذمة مالية جديد أو محاسبة أي وزير أو رئيس حكومة.
جدير بالذكر، أن منظمة الشفافية الدولية، وفي تقريرها العام الماضي، بشأن الدول الأكثر نزاهة والأقل، حصل العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة.
وأكد المحلل السياسي علي البيدر أن “كشف الذمم المالية مجرد إجراء شكلي يتم من خلاله ذر الرماد في العيون أو محاولة إقناع الرأي العام بأن السلطة تمتلك شفافية عالية، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المؤشر إيجابي إلا أن تفعليه ما يزال ضعيفا”.
يشار إلى أن الحكومة السابقة، اتهمت بالعديد من صفقات الفساد، وكانت أبرزها ما بات يعرف بـ”سرقة القرن“، وهي سرقة 2.5 مليار دولار من أمانات هيئة الضرائب العامة، وجرى حديث عن تورط وزراء ومقربين من رئيس الحكومة، لكن لم يتخذ أي إجراء، وسلمت الحكومة مهامها إلى السوداني بشكل رسمي، من دون محاسبة أي مسؤول فيها أو استدعائه من الجهات المختصة.
وتؤكد ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، على تفشي الفساد، السياسي الاقتصادي، ويقول الخبير الاقتصادي العراقي مظهر محمد صالح إن جميع الكلام الذي تحدثت به بلاسخارت معروف لدى العراقيين، عازيا الفساد الاقتصادي السياسي إلى تركيبة النظام السياسي الذي يعتمد المحاصصة الحزبية في تشكيل الحكومات.
ويضيف صالح، مثالا على الفساد السياسي الاقتصادي في البلاد بالحصول على الجوازات الدبلوماسية التي وصل عددها إلى نحو 25 ألف جواز دبلوماسي، بحسبه.
ختاما؛ لم تنجح الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم، في ضبط الفساد او الحد منه، فالفساد وحش متعدد الرؤوس وقد حفر في السنوات العشرين الماضية جذورا عميقة في البلاد، لا يمكن السيطرة عليه -فضلا عن اقتلاع جذوره- إذا لم تكن هناك إرادة سياسية وإجماع على القيام بذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهكا وواسع الانتشار.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية