تحظى الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة محمد شياع السوداني، بدعم سياسي «مُطلق» وفقاً لوثيقة مكتوبة وقّعت عليها جميع الأحزاب السياسية، باستثناء التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، تتضمن عدّة التزامات واجبة التنفيذ خلال سقوف زمنية محدّدة، تعالج ملفات شائكة ومتوارثة منذ 2003 خصوصاً تلك التي تتعلق بالعلاقة بين بغداد وأربيل.
حكومة السوداني التي جاءت المُرضية لجميع القوى السياسية العراقية، بعد أن حصلت على تمثيل وزاريٍ فيها، توصف بأنها «حكومة الفرصة الأخيرة» أمام الأحزاب التقليدية التي شاركت في الحكومات المتعاقبة.
«الإطار التنسيقي» الشيعي- أبرز الداعمين لحكومة السوداني- لم يدّخر جهداً في التعبير عن دعمه للحكومة الجديدة، خصوصاً في مجالات مكافحة الفساد- بدأ بها السوداني سريعاً- وتوفير الخدمات شبه الغائبة تماماً.
وحسب بيان صحافي أصدره «الإطار» في آخر اجتماعٍ له- مساء الخميس- عقده بحضور رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أشاد الحضور بـ«توجه الحكومة إلى الجانب الخدمي الذي يحتاجه المواطن والبداية الصحيحة في تطبيق المنهاج الوزاري لحكومة الخدمة الوطنية».
وشدد «الإطار التنسيقي» على ضرورة «تلاحم جهود جميع القوى العراقية من أجل رفع الحيف عن الشعب العراقي وتغيير الوضع المعاشي لجميع أبناء الشعب العراقي والطبقات المحرومة بالخصوص والنهوض بالواقع الخدمي لهم ولجميع أبناء شعبنا الأبي».
وتوافقاً مع الموقف الشيعي من حكومة السوداني، يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، أن الدعم الذي تحظى به الحكومة الجديدة لم يكن موجوداً في حكومة مصطفى الكاظمي.
ووفقاً لتصريح رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، خلال جلسة حوارية عُقدت في أربيل نهاية الأسبوع الماضي، فقد أشار إلى أنه «لو أجرينا مقارنة بين رئيسي الوزراء الحالي والسابق، نجد أن رئيس الوزراء السابق لم يكن يتمتع بدعم يذكر من جانب الأحزاب الأخرى، لكن لو أن رئيس الوزراء الحالي اتخذ أي قرار في الغد، لن يكون بمقدور الأطراف الأخرى وخاصة الشيعية أن تقول إن رئيس الوزراء هذا لم يدعمه أحد، فهو يتمتع بمساندة كل الأطراف الشيعية، وبمساندة الكرد، وبمساندة السنة».
وأكد إن «هذه الحكومة مختلفة كثيراً عن الحكومة السابقة لها، لهذا فإن توقعاتنا لحل مشاكل العراق من رئيس الوزراء هذا مختلفة عن تلك التي توقعناها من رؤساء الوزراء الآخرين» مبيناً أن «المسؤولية الملقاة على عاتقه (السوداني) أعظم بكثير وهي كبيرة».
ومضى يقول: «منذ العام 2004 وكلما تم تشكيل حكومة في العراق، لم يكن هناك شيء مكتوب بيننا. هذه هي المرة الأولى التي يوجد فيها بيننا كقوتين رئيستين في إقليم كردستان، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، اتفاق مع الأطراف المكونة للحكومة، وهو اتفاق موقّع يضم كل المشاكل (…) كمسألة النفط ومسألة الموازنة ومسألة سنجار والمسائل الأخرى، كل هذه المسائل تم تحديد سقف زمني لها جميعاً، أي أن الاختلاف هذه المرة مع سابقاتها هو أنه عندنا أمور مدونة على الورق ووضعنا عليها تواقيعنا معاً».
وأضاف: «إننا سنثقل كاهل رئيس الوزراء الحالي كثيراً، لكن هذا من حقنا، لأننا نعدّه من فرصنا الأخيرة لحل المشاكل القائمة بين إقليم كردستان والعراق الاتحادي». كما سبق لبارزاني أن دعا حكومة السوداني إلى توفير الخدمات وفرص العمل لجميع العراقيين، خلال كلمة له في المؤتمر الرابع عشر للحزب- اختتم أعماله الجمعة في دهوك.
وحثّ بارزاني الحكومة الاتحادية الجديدة على أن «تزيد وتحسّن فرص العمل والخدمات في مناطق وسط وجنوب العراق، وتُعين القطاع الخاص، وتعيد إعمار المناطق السنية المدمرة، وتطبّع الأوضاع في كركوك وسنجار وخانقين ومخمور، وتنفّذ المادة 140 من الدستور كما هي، وتقطع الطريق على انتهاك حقوق وصلاحيات إقليم كردستان».
وخلص إلى القول: «لو أردنا أن نصلح أوضاع العراق، لا ينبغي أن تُنتهك حقوق أي مكون عراقي. لا ينبغي إقصاء أي قوة جماهيرية عراقية».
وبدأ السوداني مشواره في إدارة دفّة الحكم في البلاد، بالكشف عن قضية فساد ضخمة، تتعلق بتهريب النفط العراقي، أطاحت بقادة أمنيين ضالعين بالقضية، في خطوة يراها الوزير الأسبق، باقر الزبيدي، بأنها «مشجّعة».
وقال في بيان صحافي إن «وجود مساعٍ مشجعة باتجاه كشف ملفات الفساد التي استنزفت خزانة البلاد تحظى بتأييد كل العراقيين الشرفاء، شريطة ان تتم محاسبة حيتان الفساد وليس صغار السراق فقط». وأوضح أن «الزيارات الميدانية للمسؤولين في حكومة الأخ السوداني تعزز من ثقة المواطن في عملية إعادة الهيبة للدولة» لكنه اعتبر في الوقت عيّنه أن «أي تراجع عن مواجهة الفساد ورموزه سوف يأتي بردة فعل عكسية لدى الشارع العراقي وسنشهد ثورة حقيقية تشمل كافة أطياف الشعب».
ورأى الزبيدي أن «اعفاء السراق من مناصبهم أمر غير كافِ، ويجب محاسبتهم أمام القانون وان يتم محاكمتهم على رؤوس الأشهاد» لافتاً إلى أن «هناك ملفات مهمة جداً في هيئة النزاهة تقدر قيمة السرقات فيها بمليارات الدولارات، ويجب إعادة هذه المبالغ إلى خزانة الدولة».
ووفقاً للسياسي العراقي فإن «ملف البنك المركزي شهد منذ 2011 الكثير من المخالفات القانونية وشبهات الفساد، وهنا يجب الاستعانة برجال يعملون بهمة وطنية وأمانة واخلاص الدكتور سنان الشبيبي (مدير البنك المركزي الأسبق) وهم كثر» مشدداً على وجوب تشريع «قانون (من أين لك هذا؟) الذي يعتبر من ضمن ملفات مجلس النواب المعطلة، وسيكون كفيلاً بكشف ممتلكات غيلان الفساد في داخل وخارج العراق».
وختم الزبيدي بالقول: «الملفات كثيرة وكبيرة، ويجب ان تكون هناك استراتيجية واضحة في مواجهة الفساد والأهم إعادة أموال الشعب».
القدس العربي