هناك لغة الأرقام وهناك لغة الشعارات. لا تغرق الدول التي تهتم بشعوبها في لغة الشعارات. تغرق في الشعارات الدول والأنظمة التي تسعى للتغطية على تقصيرها وتخلفها.
ليس ما يدل على اعتماد المغرب لغة الأرقام أكثر من الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس في الذكرى الـ47 لـ”المسيرة الخضراء” التي شارك فيها نحو 350 ألف مواطن مغربي ابتداء من السادس من تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1975. استهدفت المسيرة استعادة المغرب لأقاليمه الصحراوية التي كانت تحت الاحتلال الإسباني. عرف الملك الحسن الثاني، رحمه الله، اختيار اللحظة المناسبة كي يستعيد المغرب أقاليمه الصحراوية سلما في وقت كانت إسبانيا في مرحلة انتقالية. قاد الحسن الثاني تلك اللحظة التاريخية في وقت كان الدكتاتور فرانكو مريضا وكانت إسبانيا في طريق العودة إلى نظام ملكي دستوري فيه تعددية حزبيّة بإشراف الملك خوان كارلوس.
من حقّ الملك محمّد السادس التطرق في الذكرى الـ47 لـ”المسيرة الخضراء” إلى مرحلة جديدة تتخللها مسيرات أخرى من أجل تأكيد أن القافلة المغربيّة تتقدم، عبر مسيرات التنمية، ولا تأبه بمطلقي الشعارات وهياجهم الذي لا معنى له على أرض الواقع. ثمة صفحة طويت. انتقل المغرب من تكريس وحدته الترابية، خصوصا في ظلّ الاعترافات الدولية والعربيّة بمغربيّة الصحراء، إلى تأكيد استمرار مسيرات التنمية في إطار أوسع هو الفضاء الأفريقي.
المضايقات التي تعرّض لها الوفد المغربي عشية انعقاد القمّة دليل على مدى خوف النظام الجزائري من حضور الملك محمّد السادس. كان حضوره سيعطي للقمّة معنى بدل تحولها إلى أسيرة شعارات عفا عليها الزمن
من اللافت تركيز العاهل المغربي على أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب. قال في هذا المجال: “لقد شكلت الصحراء المغربية، عبر التاريخ، صلة وصل إنسانية وروحية وحضارية واقتصادية، بين المغرب وعمقه الأفريقي. إننا نسعى، من خلال العمل التنموي الذي نقوم به، لترسيخ هذا الدور التاريخي، وجعله أكثر انفتاحا على المستقبل، وهو توجه ينسجم مع طبيعة العلاقات المتميزة، التي تجمع المغرب بدول قارتنا الأفريقية، والتي نحرص على تعزيزها، بما يخدم المصالح المشتركة لشعوبنا الشقيقة. وفي هذا الإطار، بادرنا مع أخينا فخامة السيد محمدو بوخاري رئيس جمهورية نيجيريا الفيدرالية بإطلاق مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب. ويسعدنا اليوم، أن نسجل التقدم الذي يعرفه هذا المشروع الكبير، طبقا للإطار التعاقدي، الذي تم توقيعه في كانون الأوّل – ديسمبر 2016. وتشكل مذكرة التفاهم الموقعة مؤخرا، بالرباط، مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وفي نواكشوط مع موريتانيا والسنغال، لبنة أساسية في مسار إنجاز المشروع”.
تجاهل الملك محمّد السادس كلّ تلك الحملات التي استهدفت المغرب، بما في ذلك كلّ ما قام به النظام الجزائري من أجل جعله يعيد النظر في حضوره القمة العربيّة. كانت المضايقات التي تعرّض لها الوفد المغربي عشية انعقاد القمّة دليلا على مدى خوف النظام الجزائري من حضور الملك محمّد السادس. كان حضوره سيعطي لقمّة الجزائر معنى بدل تحولها إلى أسيرة شعارات عفا عليها الزمن، شعارات تعبّر عن الخوف من تسمية الأشياء بأسمائها، بما في ذلك أسماء الأطراف التي تتدخل في الشؤون العربيّة عن طريق إثارة الغرائز المذهبيّة والميليشيات والمسيّرات والصواريخ. تفعل إيران ذلك من أجل ضرب الاستقرار في كلّ المنطقة العربيّة وصولا إلى استخدام الجزائر في حرب الاستنزاف التي تشنها على المغرب عبر أداة اسمها “بوليساريو”.
من تأكيد نجاح “المسيرة الخضراء” في تكريس مغربيّة الصحراء إلى تأكيد نجاح مسيرات التنمية التي تخدم أهل الأقاليم الجنوبيّة (الصحراوية) في المغرب… ذلك هو اختزال للنقلة النوعيّة التي تحققت بفضل الملك محمّد السادس الذي استند إلى الأرقام قبل أي شيء آخر. قال في هذا المجال: “يأتي تخليد الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء، في مرحلة حاسمة، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء. وإذا كانت هذه الملحمة الخالدة، قد مكنت من تحرير الأرض، فإن المسيرات المتواصلة التي نقودها، تهدف إلى تكريم المواطن المغربي، خاصة في هذه المناطق العزيزة علينا. من هنا، فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة. وفي هذا الإطار، يندرج البرنامج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية، الذي تم توقيعه تحت رئاستنا، في العيون في نوفمبر 2015، والداخلة في فبراير 2016”.
لغة الأرقام لا تخطئ، ذلك أنّ الأمر “يتعلق ببرنامج تنموي مندمج، بغلاف مالي يتجاوز 77 مليار درهم (نحو 7.7 مليار دولار)، ويهدف إلى إطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية حقيقية، وخلق فرص الشغل والاستثمار، وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية. واليوم، وبعد مرور حوالي سبع سنوات على إطلاقه، فإننا نثمن النتائج الإيجابية، التي تم تحقيقها، حيث بلغت نسبة الالتزام حوالي 80 في المئة، من مجموع الغلاف المالي المخصص له”.
دخل العاهل المغربي في تفاصيل ما تحقُّ بقوله إنّه “تم إنجاز الطريق السريع تيزنيت – الداخلة، الذي بلغ مراحله الأخيرة، وربط المنطقة بالشبكة الكهربائية الوطنية، إضافة إلى تقوية شبكات الاتصال وتوسيعها. كما تم الانتهاء من إنجاز محطات الطاقة الشمسية والريحية المبرمجة”. كذلك تطرق إلى استغلال الثروة السمكيّة وتحويل منتوجات الصيد البحري وخلق الآلاف من فرص العمل لأبناء المنطقة. وأشار إلى المجال الزراعي توفير وتطوير ما يزيد على ستة آلاف هكتار، في الداخلة وبوجدور، و”وضعها رهن إشارة الفلاحين الشباب، من أبناء المنطقة”. كذلك أشار إلى استغلال الفوسفات.
لم يعد سرّا أن المغرب ربح معركة الصحراء. ربحها بلغة الأرقام. لم يربحها سياسيا واقتصاديا وعسكريا فحسب، بل ربحها حضاريا أيضا. يكفي للتأكّد من ذلك إجراء مقارنة بين النهضة التي تشهدها أقاليمه الجنوبيّة، وهي نهضة محورها الإنسان المغربي قبل أي شيء آخر من جهة، وبؤس الصحراويين الذين يحتجزهم النظام الجزائري في تندوف من أجل تحويلهم إلى إرهابيين حاقدين من جهة أخرى. مثل هذه المقارنة تقول كلّ شيء وهي الفارق بين لغة الأرقام والشعارات الفارغة… بين ثقافة الحياة وثقافة الموت.
العرب