الباحثة شذى خليل*
قبل الخوض في تفاصيل المقال.. علينا طرح هذا السؤال: لماذا العقود والمعاهدات التي أبرمت بين الصين والعراق ترهن النفط العراقي، هل الإدارة في حكومة العراق غير قادرة على أن يكون إعمارا غير مشروط كاي بلد قوي صاحب ثروة !
زاد الحديث عن دخول الصين بقوة في مجال الاستثمار وتنفيذ المشاريع في العراق، بعد تنفيذ اتفاقية لإنشاء ألف مدرسة، بتمويل من بكين. لكن تحذيرات عديدة، أطلقت من جهات مختلفة، حول سلبيات دخول الصين بمجال الاستثمارات في المدن العراقية، لخطورة الاتفاقية المبرمة معها، والتي ترهن النفط، وتؤثر على ديمومة الاقتصاد العراقي.
ليس جديدًا الحضور الصيني في العراق، ولكن بكين نوّعت مشاريعها ووسّعتها بشكل مقلق ليس بشان البناء وحسب ولكن بموضوع الاتفاقيات غير الواضحة وغير مشروحة البنود بشكل صريح، في العراق الغني بالنفط والفقير في البنى التحتية والاستثمارات والتنمية ، وجدت الصين لها موطأ قدم فيه ، فبالإضافة إلى عمل شركاتها في مجال النفط، تبني مدارس ومطارات في مشاريع يحتاج إليها هذا البلد، لكنها تضع العراق في مواجهة خطر الوقوع بفخّ الديون مع بكين، في وقت ليس ببعيد عما يجعلنا نسلط الضوء بالبحث والتقصي في أبعاد التدخل الصيني الحقيقي في العراق .
وتعد بكين هي أول شريك تجاري في المنطقة وخاصة مع العراق، مع مبادلات مباشرة فاقت قيمتها 200 مليار دولار عام 2019، بحسب الأرقام الصينية الرسمية، إلا أن الصين لطالما اتُهمت باستخدام وضعها كجهة دائنة لانتزاع تنازلات دبلوماسية وتجارية، مما يثير القلق من قدرة دول إفريقية عديدة على سداد الديون المتفق عليها، حيث أصبحت الصين ثاني جهة دائنة لكينيا بعد البنك الدولي، وقد موّلت مشاريع بنى تحتية باهظة الثمن في بلد ارتفع فيه مستوى الديون بشكل حاد في السنوات الأخيرة.
صحيفة أمريكية حذرت بعد دخول الولايات المتحدة العراق عام 2003، أي بعد مرور عقدين من الزمن، وخططت الصين لاستغلال موارد العراق الغني بالنفط، وذلك من خلال التحالف مع الميليشيات من أجل اكتساب مكان في قطاع النفط المربح، وأشارت الصحيفة إلى وجود تعاون بين العراق المتنامي مع الصين، محذرة من أن بكين تستخدم “القوة الناعمة” للتغلغل في الاقتصاد العراقي وخاصة في القطاع النفطي، وذلك في ظل غياب الاهتمام الأمريكي، مستفيدة من علاقتها مع الميليشيات العراقية وأجواء الفساد القائم في البلد.
وبعدما لفت التقرير الأمريكي إلى أن الصين بذلت ثلاث محاولات حتى الآن من أجل السيطرة على الموارد النفطية للعراق، أوضح التقرير أن وزارة النفط العراقية هي التي أحبطت كل هذه المحاولات.
وأكد تقرير لشركة “لوك أويل” الروسية وعملاق النفط الأمريكي “اكسون موبيل” محاولة بيع حصصهما في حقول رئيسة لشركات تدعمها الحكومة الصينية، إلا أن وزارة النفط العراقية كانت تتدخل لتحول دون حدوث ذلك.
وحتى شركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية كانت تفكر أيضا في بيع حصة لشركة صينية، إلا أن المسؤولين العراقيين أقنعوها بخلاف بذلك.
وحذر التقرير من أنه لو أن الصين كانت نجحت في ذلك، فربما كانت أطلقت عملية “نزوح” من جانب شركات النفط الدولية العملاقة، وهو ما كان سيترك العراق مفتوحا أمام استحواذ أكبر من جانب الصين، مشيرا الى أن مسؤولي الحكومة العراقية أعربوا فعليا عن قلقهم العميق إزاء الوتيرة السريعة التي تحاول بها بكين السيطرة على العراق.
لكن بعض خبراء الاقتصاد والمنتقدين لما تقدمة الصين لتلك الدول مستغلة ظروفها الإدارية إذا صح القول، وهي دول غنية، يقولون إن التمويل الذي تقدمه الصين عادة ما يكون غير مرغوب فيه ويفتقر للشفافية ويجعل بعض الدول الأكثر فقرا خاصة في إفريقيا معتمدة على الصين عن طريق الديون، استعمارا بثوبٍ جديد.
الصين تقدم خدمة واستثمارا بديون يصعب تسديدها، إلا أنها تضع هدفا كبيرا غير معلن يأتي بمرحلة قادمة في وقت التسديد او للاستحواذ، وبالتأكيد بلد مثل الصين درست جميع الخيارات للتسديد وبإحكام وعند التدقيق بتلك الاتفاقيات سنجدها أنها تتضمن تلك الأهداف لكن مكتوبة بطريقة احترافية.
ختاما الصين تتبع استراتيجيات “القوة الناعمة” بهدف السيطرة على الدول التي تحتاج الى المال، وهو ما ينطبق على العراق، في تعارض قوي مع مبادرات القوة الصلبة التي تتبعها الولايات المتحدة، “القوة الناعمة” تشتمل على الاستثمارات الاقتصادية، حيث أصبحت الصين أكثر نشاطا في ملفات إقليمية كبرى مثل أفغانستان، وهي تريد أيضا منع واشنطن من استخدام القوة السياسية والعسكرية في العراق.
إن للصين مصلحة ثابتة في قطاعي النفط والطاقة والسيطرة والاستحواذ ولكن باستراتيجية صينية سنشهدها مستقبلا عندما يحين وقت تسديد الديون.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية